«اللؤلؤة».. مزار شيعي «سري» للبُهرة في الأباجية - صورة مجمعة
«اللؤلؤة».. مزار شيعي «سري» للبُهرة في الأباجية - صورة مجمعة


صور| «اللؤلؤة».. مزار شيعي «سري» للبُهرة في الأباجية

أسامة حمدي

الجمعة، 25 يناير 2019 - 03:26 م

- «البُهرة».. إحدى طوائف الشيعة الإسماعيلية وتقدر أعدادهم بـ2000 شخص.. والسرية سمة مذهبهم

- تم تجديده في عهد السادات بعد القطيعة العربية بسبب «كامب ديفيد» والدعوة لوحدة العالم الإسلامي

- وفود «البُهرة» تتزايد يوم الجمعة.. و«الأوقاف»: يخضع للرقابة وأحد مساجد الشيعة في مصر

- بناه الحاكم بأمر الله.. وهذا سبب تسميته بـ«اللؤلؤة» واختيار مكانه أسفل «المقطم»

- تفاصيل تاريخ وعقيدة «البُهرة» وعلاقتهم بـ«ناصر» و«السادات» وأماكن تواجدهم في مصر

 

عندما تطأ قدماك منطقة الأباجية بحى الخليفة بالقاهرة، يلفت انتباهك تلك الأفواج الكبيرة من الشيعة من طائفة «البُهرة»، ممن يرتدون الجلباب الأبيض القصير تعلوه العمامة الشيعية الشهيرة، حيث يرافقهم أطفالهم الذين يرتدون ذات الثياب، وزواجتهم اللاتي يرتدين الزي الواسع الفضفاض ذو الألوان الزاهية، متجهين إلى منطقة مقابر سيدى عمر أسفل جبل المقطم.

 

 

 

هنا في تلك المنطقة يوجد مسجد «اللؤلؤة» الذى صار مقصداً ومزاراً لهم طوال أيام السنة خاصة يوم الجمعة، لذا تتبعت «بوابة أخبار اليوم» أفواجهم المتلاحقة صوب المسجد الذي اتخذ شكل مستطيلى شاهق الارتفاع يشبه العمارة السكنية، ذات لون أبيض وبوابة تقودك إلى سلالم مرتفعة لتدخل منها إلى المزار.

 


المزار والمسجد الشيعي خُصص له مدخلا طويلا خاصا بين المقابر، وتم بناء أرضيته بالبلاط لينتهى ببوابة من الحديد تغلق على المزار من الخارج، وعُين لها حارسا من الترابية يتقاضى راتبا شهريا نظير حراسته للمزار، ويمنع أهالى المنطقة من الدخول إليه الإ بتصريح مُسبق وكذلك التعامل مع رواد المزار من طائفة البهرة الشيعية.

 


الأهالي: الزيارة كل «جمعة»


تحدثنا إلى جيران المزار من السكان وأهالي المنطقة‘ فيقول لنا إبراهيم علي، أحد الترابية بمقابر سيدى عمر «المزار تم تجديده وبناءه منذ فترة من الشيعة في مصر، وقاموا بتعيين حارس له يتقاضي راتبا شهريا 3 آلاف جنيه مقابل حراسته للمزار، ويتم غلق البوابة فى حالة عدم وجود زوار من الشيعة، ولا يتم دخول أحداً من المنطقة الإ بتصريح مسبق من الشرطة، والمبنى كان أثري وقديم وتم بناء مدخل طويل له بين المقابر وتم تجديده وطليه».


وتابع حديثه قائلا: «يأتى الشيعة لزيارته من المصريين ومن إيران وسوريا ولبنان واليمن والبحرين والهند ومختلف الدول التى يتواجد بها الشيعة، ويتبركون به، ويزيد وجودهم يوم الجمعة خاصة لأداء صلاة الجمعة فيه، وهم لا يقومون بالتعامل مع أهالى المنطقة نهائيا، وإنما يقومون بزيارته فقط والذهاب من حيث أتوا».

 


أما عمر عبد الله، أحد سكان المنطقة، فيقول إنه في حال وجود كثير من السياح من البهرة تتواجد الشرطة بالمنطقة للتأمين، مضيفا أن أهالى المنطقة لا يمكنهم الاقتراب من المسجد أو الدخول إليه حيث يوجد عليه حارس مكلف بمنع أحد من الاقتراب أو التصوير.

 


«الأوقاف»: المسجد يتبعنا ويخضع للرقابة


تواصلنا مع الشيخ شوقى عبد اللطيف، وكيل أول وزارة الأوقاف سابقا، فأوضح: «المسجد تابع لوزارة الأوقاف ويخضع لإشرافها، ويقوم الشيعة فى مصر بأداء عباداتهم به».


وشدد على ضرورة أن يحاط ذلك بتشديد الرقابة والمتابعة والإشراف عليه بشكل دائم حتى لا تحدث أي تجاوزات مثل محاولة نشر المذهب الشيعى بين الأهالى، مضيفا أنه فى حال وجود تجاوزات يتم اتخاذ الإجراء اللازم، والذى قد يصل لغلق المسجد.


ونوه وكيل أول وزارة الأوقاف، إلى أن الوزارة لا تستطيع حاليا غلق المسجد، وإنما مسموح للشيعة بالصلاة فيه فى عزلة عن الناس بالمنطقة، مضيفا: «مصر محصنة بفضل الله من المد الشيعي،  وحاولوا فى السابق تحويل مصر للمذهب الشيعى فى عهد الدولة الفاطمية وبنوا الأزهر لنشر المذهب الشيعي لكن بفضل الله تحول لمنارة لنشر المذهب السني فى العالم كله وعادت مصر دولة سنية مرة أخرى».


وذكر «عبداللطيف»، أن المساجد الشيعية تنتشر بكثرة فى دول الخليج أما فى مصر فهى قليلة للغاية ويجب أن تحاط بالحذر والرقابة المشددة من قبل وزارة الأوقاف.

 


تاريخ «اللؤلؤة»


يعود بناء مزار ومسجد اللؤلؤة إلى عهد الدولة الفاطمية، حيث كان الحاكم بأمر الله والياً على مصر، وعندما علم بأن هذا المكان مستجاب فيه الدعاء بأسفل جبل المقطم بنى عليه مسجدا عام 406 هجري، وسماه بهذا الاسم لأنه كان فى السابق له قبة وعند إضاءته مساءً يصير مثل اللؤلؤة وسط الجبل.


وتغيرت معالم المسجد تماماً عندما قامت طائفة «البُهرة» الإسماعيلية الشيعية بمصر بترميمه عام 1989، حيث استصدروا قراراً فى عهد الرئيس الراحل السادات بترميم بعض مساجد الدولة الفاطمية كمسجد الحاكم بأمر الله، ومسجد الجيوشى، ومسجد اللؤلؤة ، مستغلين دعوة الرئيس الراحل السادات لوحدة العالم الإسلامى كبديل للوحدة العربية، بعد حالة القطيعة بين مصر والدول العربية على خلفية توقيع مصر لمعاهدة السلام مع إسرائيل.


 وقامت طائفة «البُهرة» الإسماعيلية الشيعية، بتغيير معالم المسجد بإزالة القبة التى تعلوه إلى أن أصبح بالشكل الحالي، واتخذه الشيعة فى مصر والدول الإسلامية مزارا لهم يتبركون به ويعتقدون أنه مستجاب فيه الدعاء.

 


وصف «المقريزي»


ويصفه المقريزي، شيخ المؤرخين المصريين، عندما كان بناءً قديما،  أنه كان مسجداً قديماً متداعياً فجدده الحاكم بأمر الله وعمره وسماه «اللؤلؤة» وكان ذلك في سنة 406هـ - 1015م ، وبناءه حسن، وهو بناء صغير، تهدمت أجزاء كثيرة منه، وكان عبارة عن مستطيل طول جدار القبلة فيه خمسة أمتار تقريباً، وعرض القاعة ثلاثة أمتار تقريباً، وبجدار القبلة محراب مجوف، وقد فتح في الجدار المقابل ثلاثة أبواب، الأوسط منها مرتفع، وسقف القاعة بقبوة أسطوانية.

 


وقد بُنيت الجدران من الحجارة غير المنتظمة، أما القبوة فيبلغ ارتفاعها ستة أمتار تقريباً، والغريب في هذا البناء أنه كان يعلو هذه القاعة قاعتان شبيهتان بها، وبكل منها محراب، وهي ظاهرة لم تتبع في بناء المساجد من قبل أو من بعد.

 


من هم «البُهرة»


والبهرة كلمة هندية معناها التجارة أو التاجر باللغة الغوجارتية الهندية، وهي إحدى الطوائف الشيعية الإسماعيلية التي انتصرت لإمامة أحمد المستعلي الفاطمي ضد أخيه نزار المصطفى لدين الله، وذلك بعد وفاة والدهما الخليفة المستنصر بالله الفاطمي سنة 487 هـ.

 


وكان المستنصر قد اختار ابنه المستعلي الذي يصغر نزار ولياً للعهد، ومن هنا نشب الخلاف بين الإسماعيليين، وانقسموا إلى «مستعلية»، و«نزارية» وانتهى الأمر لمصلحة المستعلية.


وحكم أنصار المستعلي مصر حتى هزمهم صلاح الدين الأيوبي طاوياً حقبة الدولة الفاطمية، لكن المستعليين لم تنطوِ صفحتهم، بل انتشروا في العديد من دول العالم، وشكلوا قوة اقتصادية عبر عملهم بتجارة الورق، والرخام، والمنتجات الغذائية.

 


وكانت أرض اليمن هي المحطة الأولى لهذه الطائفة، لكنهم سرعان ما انتشروا في الهند عن طريق عملهم بالتجارة، ونجحوا في جذب عدد كبير من الهندوس إلى مذهبهم، وفي هذه المرحلة سمّوا «البهرة»، وأصبحت الهند المركز الرئيسي لطائفتهم.


وفي الهند، يقع قصر سلطانهم الداعي المطلق الـ53 مفضل سيف الدين، ويصل عددهم اليوم إلى مليونين، وأهم الدول التي يعيشون فيها بعد الهند واليمن وباكستان وكينيا وتنزانيا ودول الخليج خاصةً الكويت والإمارات ومنطقة نجران بالمملكة العربية السعودية، كما استقر عدد منهم في مصر منذ عام 1976 بالاتفاق مع الرئيس المصري آنذاك محمد أنور السادات.

 


ويتشبث البهرة بكل ما يعود إلى العهد الفاطمي، ويحاولون إحياءه في طقوسهم، واحتفالاتهم، ويتزعمهم السلطان الذي يتولى حكم الطائفة، ويُطلق عليه الداعي، ويعتبر ممثلاً دنيوياً، ودينياً للإمام، ويُعرف عنهم تعظيمهم سلطانهم، والتزامهم الكبير بمذهبهم وتقاليده.

 

وللاحتفالات أهمية كبيرة في حياة البهرة، وهي بالطبع امتداد للاحتفالات التي كانت تُقام في العهد الفاطمي، ومن أهم احتفالاتهم، بالإضافة إلى عيدي الفطر والأضحى، عيد مولد الأئمة الفاطميين وعيد سلطانهم الذي يحتفلون به في شهر مارس من كل عام في مسجد الحاكم بأمر الله، بعد صلاة الفجر.

 

 

كما يحتفلون بعيد الغدير في 18 ذي الحجة، وبحسب معتقدهم، هو اليوم الذي خطب فيه النبي محمد خطبة عيّن فيها علي بن أبي طالب مولى للمسلمين من بعده، وذلك أثناء عودة المسلمين من حجة الوداع إلى المدينة المنورة في مكان يسمى بـ«غدير خم».

 

وتُعدّ زيارة قبور الأجداد ومشاهدة آثارهم من أهم الطقوس لدى البهرة، فهم يأتون إلى مصر لزيارة مساجد الحاكم بأمر الله، والجيوشي، والأقمر، وغيرهما من الآثار الفاطمية الشهيرة.

 

 

وفي كل عام، يتوافد عشرات الآلاف من البهرة إلى منطقة حراز التي تبعد عن العاصمة اليمنية صنعاء نحو 90 كيلومتراً لزيارة ضريح حاتم الحضرات حاملين سلطانهم فوق حمالة خشبية، ومرددين الأدعية الخاصة بهم، كما يتوافد الآلاف منهم لزيارة ضريح أروى بنت أحمد الصليحي.

 

والبهرة هم طائفة غير دعوية، لا يسعون إلى نشر مذهبهم، وبعيدون كل البعد عن العمل السياسي، وينصب كل اهتمامهم على التجارة التي حققوا فيها نجاحات كبيرة، ويُعرف عن مجتمع البهرة التماسك الشديد، فهنالك مبلغ شهري يدفعه أبناء الطائفة للقيام بالأعمال الخيرية في الدول التي يعيشون فيها.

 

 

غير أن السرّية التي تغلّف مذهبهم سمحت بنشر الكثير من الشائعات عنهم، وتعود هذه السرّية الى ما تعرضوا له من إبادة وتهجير على يد صلاح الدين الأيوبي، ولم تكن الرحلات والتنقلات التي قام بها البهرة آمنة، بل محفوفة بالمخاطر، وظلوا هكذا قرابة 200 سنة، ولذلك دربوا أنفسهم على التكتم والسرية، فهم لا يأمنون على أسرارهم الدينية.

 

ويعيش البهرة في مصر حياة انعزالية، لا يختلطون بباقي المصريين، ويسكنون في أماكن محدده، أشهرها القاهرة الفاطمية، والمهندسين وتحديداً شارع سوريا حيث يوجد مبنى خاص بهم يضمّ إدارة شؤون الطائفة، ويعيش عدد كبير منهم في فندق «الفيض الحاكمي» بمنطقة الدراسة المجاورة للأزهر الشريف، ويوجد الأمن المصري في هذه الأماكن بصورة ملحوظة.

 

 

ولم يكن وجود البهرة في مصرعشوائياً بل مرّ بمراحل متعددة وكان للأحداث السياسية تأثير كبير على ذاك الوجود، وفي عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، جاءت طائفة الأغاخانية إلى مصر، وهي إحدى طوائف البهرة، ولها حضور قوي في الهند، وفي ذلك الوقت كانت العلاقات قوية بين مصر والهند، وطلب الأغاخان من عبد الناصر أن يدفن في إحدى الروضات المطلة على أسوان وهذا ما حدث بالفعل.

 

ولكن كان لحادث المنشية، أي محاولة الإخوان المسلمين اغتيال عبد الناصر، تأثير كبير على هذه الطائفة، فما أن حاول سلطان البهرة آنذاك محمد برهان الدين ترتيب لقاء مع عبد الناصر، حتى جاء حادث المنشية الذي أدى إلى مزيد من الإجراءات الأمنية حول الجماعات الدينية، فانزوت الطائفة وراحت تمارس طقوسها بهدوء وسرية.

 

 

وفي عام 1976 وجدت الطائفة طريقها إلى مصر مرة أخرى، عبر ترميمها للعديد من المساجد، منها الحاكم بأمر الله، والأقمر، ومقصورة السيدة رقية، والسيدة زينب، واللؤلوة، ونجحت هذه الخطة في ترسيخ وجودهم في مصر، وتقدّر أعدادهم بنحو 2000 شخص.
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة