رسالة الفن.. و«سبوبة» أهل الفن
رسالة الفن.. و«سبوبة» أهل الفن


رسالة الفن.. و«سبوبة» أهل الفن

منال بركات

الإثنين، 04 فبراير 2019 - 08:05 م

انفردت الزميلة "الشروق" بحوار مع المخرج سامح عبد العزيز، عقب خروجه من التجربة الإنسانية الأليمة التي مر بها منذ صدور الحكم عليه بالحبس 3 سنوات في فبراير الماضي.


وتأتي قيمة تلك التجربة المريرة في معايشتها، والثرية في خبراتها، بمجموعة من التجارب والقيم والتحليلات التي تحدث عنها المخرج الشاب بعد انعزاله عن كل ما هو مألوف لديه، وكيف أنه اكتسب عمقا حقيقيا لتجارب الحياة قد نراها قريبا في أعماله القادمة.


وأولى تلك النقاط في مخالطته بأناس قد يسمع ويتخيل حياتهم في أعماله الفنية، دون إدراك كامل لتفاصيلها وجوانبها الإنسانية، والفن الحقيقي هو ما يعكس الذي يدور في المجتمع بوصفه مرآة حقيقة للحياة.


الأمر الثاني يكشف معدن الإنسان وفكر المخرج سامح عبد العزيز، عندما حول تلك المأساة الإنسانية التي عاشها بالسجن إلى طاقة إيجابية، ولم يستسلم لهذا القدر البائس، فانتفضت داخله القوى البشرية التي يعجز المرء كثيرا عن تفسيرها، ويحيل التجربة إلى فترة استرخاء، ومراجعة للنفس، وإعادة لترتيب أوليات الحياة.


الأمر الثالث يضع يده على نقطة ضعف أصابت المجتمع المصري بأسره، وهو الهوس بفكرة "السوشيال ميديا" التي التهمت كل العلاقات الإنسانية المصرية، وقطعت أواصر الود الإنساني بين الناس، ليكتشف أن التواصل البشري أعمق وأقدر على خلق معنويات أكبر وأوسع في التلاحم الإنساني، وزيف تلك الآلة الرهيبة.


الأمر الرابع والأكثر إشراقا في تلك التجربة، أنه استطاع أن يقرأ نحو 250 رواية، وهو المخرج الذي يعترف بكل أريحية إنه لم يكن قارئا جيدا، هو بذلك يعيد إلى ذات الفنان عنصرًا هامًا وهو الثقافة والاطلاع، وهما صفة ملازمة للفنان بصفة عامة والمخرج بصفة خاصة.


الأمر الخامس أن فكرة المعايشة التي يفتقر إليها معظم مخرجي المرحلة الفنية الهشة التي يعيشها الفن المصري، أصبحت ضرورة لا مفر منها لعودة السينما المصرية إلى ما كانت عليه، وتوصل سامح عبد العزيز كما أشار في لقائه إلى مرحله الخجل مما يعرض على الشاشة، بالتأكيد ستدفعه إلى إعادة النظر فيما يقدمه للمشاهد، وتدعوه للغوص بروية وأكثر عمقا في شخوص أعماله القادمة لتنبض أكثر بالحياة الواقعية.


الأمر السادس والذي يعد آفة الفن المصري بصفة خاصة، انعزال "أهل الفن" عن المجتمع وعيشهم في برج عاجي، يجعلهم منفصلين عن الواقع الذي يحياه الغالبية العظمى، فتأتي أدوارهم وأعمالهم كرتونية ضعيفة لا تعكس ما يدور في الحياة الواقعية.


فلا تحقق نجاحا جماهيريا، خاصة في السينما مثلما كانت الأعمال السينمائية التي قدمت في العصر الذهبي للفن وتحقق نجاحا منقطع النظير مثل "شيء من الخوف"، و"الحرام"، و"الأرض"، و"البوسطجي"، حتى الكوميدي منها "مراتي مدير عام"، و"عفريت مراتي"، و"إشاعة حب".. كلها أفلام تمس كل بيت مصري، وعزوف الجماهير عن السينما يؤكد أن الجمهور واع بما يراه على الشاشة تماما.


ولعل النقطة الأخيرة التي نقرأها في لقاء سامح عبد العزيز بعد تجربة انفصاله عن المجتمع الطبيعي، وهي أهم نقطة في اللقاء اكتشافه أن الفن رسالة، وأن ما يقدمه يتأثر به المتلقي.


نعم الفن رسالة هامة والقوى الناعمة التي تؤثر في الشعوب، حقيقة لا يدركها كثيرًا مما يشتغلون في هذا المجال، وتحول على أيديهم إلى "سبوبة" وآلة لجني الأموال الكثيرة دون تقديم مضمون حقيقي يفيد المجتمع بوصفه رسالة تدفع المتلقي للتطهر مع الذات، وتسمو روحه بالمعاني السامية.

وأكبر دليل على أن الفن رسالة تعيش عبر الأزمان إن جاءت صادقة وحقيقية، ما قدمته سيدة الغناء العربي وكوكب الشرق أم كلثوم والتي نحتفي هذا الشهر بذكرى رحيلها، مازالت تعيش بأعمالها في وجداننا رغم رحيلها منذ 43 عاما.. فنانة احترمت جمهورها وفنها، وتعاملت مع الفن بوصفه رسالة سامية ووظفته في كل مناحي الحياة في السلم والحرب. فاحترمها الجمهور وعشقها وخلد ذكراها رغم الفراق.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة