جانب من الحوار
جانب من الحوار


حوار| سعيد عبد الحافظ: المنظمات الدولية لحقوق الإنسان أدوات في أيدي المخابرات الأمريكية

د. أسامة السعيد

الأحد، 10 مارس 2019 - 12:16 ص

- الحملة على مصر «مسيسة».. والمنظمات لا تجرؤ على انتقاد إسرائيل وقطر
- التقارير العالمية «مشبوهة» وتفتقر إلى المهنية وتخالف مبادئ الأمم المتحدة


ملف حقوق الإنسان من الملفات الشائكة. التى تشبه حقل الألغام. فالسير فيها يحتاج إلى حذر لتجنب الخطر. ولا بد لمن يقترب من هذا الملف أن يكون عالما بذلك العالم وخفاياه. سواء على المستوى المحلى أو الدولي. فقد باتت حقوق الإنسان ومنذ سنوات طويلة لعبة سياسية خطيرة. وسيفا تسلطه القوى الكبرى على رقاب من تريد استهدافه لتحقيق مصالحها. ومع تصاعد الحملة الدولية “المسيسة” ضد مصر عادت بعض القوى لتشهر سيف حقوق الإنسان فى وجه مصر. رغم ما تحقق من إنجازات على أكثر من مستوى. لذلك كان لابد أن نستمع لواحد من الخبراء المعروفين فى مجال حقوق الإنسان وهو الخبير الحقوقى سعيد عبد الحافظ. رئيس مؤسسة ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان. الذى عايش حركة حقوق الإنسان على مدى اكثر من ربع قرن محاميا وخبيرا وباحثا. وفى هذا الحوار يكشف الكثير من كواليس تلك الحركة. وأسرار الحملة الدولية على مصر.. فإلى التفاصيل.

> بداية. كيف ترى تلك الحملة التى تتعرض لها مصر فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان؟ وهل هذه الحملات موجهة سياسيا. ام انها تستهدف حقا الدفاع عن حقوق الإنسان؟
هذه الحملات ليست جديدة. وأدواتها الحالية زادت شراسة بعد ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣. والهدف الحقيقى من تلك الحملات التى تمولها بعض الدول العربية وتنفذها بعض المنظمات الأمريكية ليس حقوقيا بكل تأكيد. بل هو هدف سياسى بالدرجة الأولى. وهذا الهدف يتلخص فى مواجهة المشروع الذى تقوم به الدولة الوطنية المصرية. وحققته ثورة ٣٠ يونيو وهو إسقاط مشروع تولى جماعة “الإخوان” للحكم فى المنطقة العربية. ومشروع تمكين “الإخوان” تبنته وروجت له الولايات المتحدة من خلال ما عرف بمشروع “نوح فيلدمان”. ويقوم ذلك المشروع الأمريكى على إسقاط الأنظمة القائمة واستبدالها بأنظمة “إسلامية” على حد تعبيرهم تضمن المصالح الأمريكية. وبالتالى فما نراه من هجوم على مصر وملفها الحقوقى هو أمر لا ينفصل عن تلك الحملة المستمرة ضد الدولة الوطنية المصرية.
> ولكن المنظمات الدولية التى تشارك فى تلك الحملات. هى منظمات دولية. ولها أدواتها. ويفترض أنها تتبع منهجية منضبطة فى إعداد تقاريرها. فكيف تستقى تلك المعلومات المغلوطة عن مصر؟
المنظمات الحقوقية سواء المحلية أو الدولية لها منهجية عمل أقرتها الأمم المتحدة. وعلى تلك المنظمات الالتزام بتلك المنهجية. ومنها على سبيل المثال عند تقصى الحقائق فى موضوع ما. ينبغى على المنظمة أن تشكل بعثة أو فريق عمل يحصل على إذن من السلطات المحلية. وأن يكون عمله متسما بالعلانية وليس بالتحايل. مثلما تفعل الكثير من المنظمات التى توصف بالدولية عندما ترسل مندوبيها متسترين تحت ستار العمل الصحفى او السياحي.
والغريب أنه فى الوقت الذى تهاجم فيه مصر بكل ضراوة. نجد دولة مثل إسرائيل ترفض استقبال بعثات منظمات دولية مثل العفو الدولية وغيرها. دون أن يجرؤ أحد على الاعتراض.. كما تفرض منهجية الأمم المتحدة على أية منظمة حقوقية تعد تقرير أو تتقصى الحقائق أن تلتقى بالضحايا وممثلى السلطات المحلية معا. حتى لا يكون التقرير منحازا لطرف دون آخر.
وأستطيع القول بكل ثقة إن التقارير الحقوقية الصادرة عن منظمات دولية منذ ٣٠ يونيو لم تراعِ الأدوات أو المبادئ الأممية فى الرصد والتوثيق. أو فى إصدار التقارير ذات الصلة. وهو ما يكشف أن تلك التقارير لها أغراض أخرى غير خدمة حقوق الإنسان.
أكذوبة الاستقلالية
> لكن تلك المنظمات تصف نفسها دائما بأنها منظمات مستقلة عن الحكومات. وأن تقاريرها تحظى بالمصداقية نتيجة تلك الاستقلالية. فكيف إذن تستخدم كأداة فى صراعات السياسة الدولية؟
أولا لا يعرف العالم ما يسمى بالمنظمات المستقلة. هذه أكذوبة روجها من تعمدوا إصدار تلك الأكاذيب. فمنظمة هيومان رايتس ووتش على سبيل المثال تأسست فى ثمانينيات القرن الماضى من قبل المخابرات الأمريكية لمواجهة عدو الولايات المتحدة فى تلك لفترة وهو الاتحاد السوفيتي. وكانت تلك المنظمة - ولا تزال- تمارس دورا استخباراتيا مع فارق بسيط. أنها صارت تروج لمصالح الولايات المتحدة. وكان الهدف الرئيسى للمنطمة على مدى سنوات طويلة أن تتصل بالشيوعيين واليساريين من أجل إدماجهم فى الثقافة الأمريكية ودفعهم للتخلى عن الأفكار الشيوعية واليسارية.
وبالفعل أصبحت تلك المنظمات أداة فى اللعبة الدولية. والدليل على ذلك منظمة دولية أخرى وهى منظمة العفو الدولية لاعتبارها واحدة من اكبر المنظمات الحقوقية. ويمكن مراجعة تقاريرها عن انتهاكات حقوق الإنسان فى الولايات المتحدة او فى إسرائيل. وهى انتهاكات لا يمكن إنكارها. لكن تلك المنظمة لا تقول شيئا عنها. كما يمكن مراجعة تقارير تلك المنظمة عن قطر التى لا توجد بها أية ديمقراطية او سمات لحقوق الإنسان. بل تتوالى انتهاكاتها ضد المواطنين والمقيمين وخصوصا العمال. وخصوصا فى مرحلة ما بعد ٣٠ يونيو ٢٠١٣. فاللسان الحاد والحبر الأسود الذى تكتب به تقارير المنظمة عن مصر يتحول إلى ورود وقبلات عند الحديث عن قطر والولايات المتحدة وإسرائيل. وهذا كله يكشف حقيقة الانحياز لدول معينة. وعدم حياد فى النظر إلى الأوضاع الحقوقية فى مصر. وتعمد التدليس والتضليل بشأن واقع حقوق الإنسان فيها.
> ولكن رغم غياب المهنية والتضليل المتعمد من جانب تلك المنظمات تجاه أوضاع حقوق الإنسان فى مصر. إلا أنه لا يمكن انكار وجود تأثير لتقارير تلك المنظمات. والدليل ترديد بعض الساسة فى الدول الصديقة لمصر جانبا من تقارير تلك المنظمات.. فكيف ترى ذلك التأثير؟ وكيف يمكننا مواجهته من وجهة نظرك؟
بالتأكيد. ورغم كل ما أوضحته من قصور فى عمل تلك المنظمات وانحيازها السافر ضد مصر. لكن طبعا هناك تأثير سلبى لتقاريرها. وبخاصة فى الدوائر الحقوقية والإعلامية. ولا شك اننا هنا فى مصر مسئولون عن جانب من المسئولية عن عدم مواجهة تلك المزاعم. وبخاصة فيما يتعلق بعدم الجدية فى التعامل مع تلك المزاعم. بل وفى بعض الأحيان تجاهل الرد على ما تصدره تلك المنظمات من مزاعم وأكاذيب. وأعنى هنا فى المقام الأول مؤسسات الدولة المعنية بالرد على تلك المنظمات. مثل المجلس القومى لحقوق الإنسان. والهيئة العامة للاستعلامات. والمنظمات الحقوقية الوطنية. ولا بد ان نعترف أن تلك المؤسسات تقاعست منذ سنوات طويلة على التعامل بحرفية ومهنية مع هذا الملف وبلغة يفهمها الغرب.
لكن الحقيقة تقتضى أيضا ألا ننكر أن هناك تحولا فى سياسة الدولة المصرية. وأن ذلك حدث مع بدايات عام ٢٠١٨. حيث زاد الاهتمام بما يصدر عن المنظمات الدولية والسعى للرد على تقاريرها. وتفنيد ما قد يرد بها من مزاعم. لكن ينقصنا فقط ان يتوقف البعض عن توجيه السباب والشتائم لهذه المنظمات. وان نتعامل بجدية مع تلك التقارير حتى لو كانت هزلية فى بعض الأحيان. ومن التطورات الإيجابية فى هذا الشأن الدور الذى تقوم به الهيئة العامة للاستعلامات. والتى كان لها ردود مهمة وإيجابية حظيت باهتمام الدوائر الغربية. كما قامت النيابة العامة بالرد على التقارير الصادرة عن بعض تلك المنظمات. خاصة هيومان رايتس ووتش. كما تصدى الوزير عمر مروان خلال العام الماضى لبعض تلك التقارير.
تسييس الحقوق
> ولكن ألا تتفق معى فى أن ذلك التسييس لمنظومة حقوق الإنسان يضر بمبادئ حقوق الإنسان ويحولها إلى لعبة سياسية وأداة فى يد بعض الدول والقوى الكبرى؟
بالتأكيد.. وقد أثبتت التجربة بالفعل أن تسييس العمل الحقوقى أضر بالسياسة وحقوق الإنسان على السواء. فقد أدخل مفهوم التمويل إلى العمل السياسي. وهو ما تسبب بإفساد هذا العمل وتحويله الى لعبة مصالح لمن يدفع. كما أضر بالجانب الحقوقى وأفقد المواطن البسيط الثقة فى هذا العمل بعدما أدرك ان نشاط العديد من المنظمات الحقوقية مجرد متاجرة بقضايا المواطن ومشكلاته الحقيقية من أجل أهداف أخرى ليست فى صالحه. ولا فى صالح البلدان التى يعيش بها.
> من وجهة نظرك. كيف يمكن لمصر أن تتصدى بقوة لمحاولات تشويه أوضاع حقوق الإنسان فيها؟
يجب فى البداية أن نشير إلى أن أوضاع حقوق الإنسان فى مصر ليست بالصورة التى يحاول بعض النشطاء والمنظمات الدولية أن يروجوها. فمصر دولة كبيرة وتعدادها ١٠٠ مليون مواطن. ومثلها مثل أى بلد فى العالم لديها مشكلات تتعلق بحقوق الإنسان. ومن وجهة نظري. ما ينقصنا لتحسين ملفنا فى حقوق الإنسان. هو التغلب على البيروقراطية التى تعانى منها المؤسسات الحكومية. وهذا احد أهم العوائق التى تؤدى إلى عدم تفاعل تلك المؤسسات مع المنظمات الدولية فيما يتعلق بحصولها على المعلومات اللازمة. مما يتيح لتلك المنظمات الدولية ان تتعلل وتصدر تقارير لا تضمن وجهة نظر الدولة المصرية وجهودها. فعلى سبيل المثال عندما تزعم منظمة هيومان رايتس ووتش ان مصر لم تحل أى ضابط للقضاء بتهمة التعذيب. يجب أن يكون الرد على لسان احد المسئولين معلنا المعلومات الصحيحة والدقيقة للرأى العام المصرى أولا وللعالم ثانيا بعدد الضباط الذين تمت إحالتهم للقضاء وبيان بأرقام القضايا والعقوبات التى تم توقيعها بحق من ثبتت إدانته. وبتلك الطريقة يمكن أن نبطل اية مزاعم.
قضية التمويل الأجنبى للمنظمات الحقوقية. قضية قديمة متجددة. فإلى أى مدى يؤثر ذلك التمويل بالفعل على استقلال وحياد المنظمات الحقوقية سواء فى الداخل أو فى الخارج؟
لا بد أن نعترف بأن أى تمويل لأى جهة يفرض شروطه. فلا يوجد تمويل لطرف لا يحصل الممول فى مقابله على شيء. فالتمويل الذى لا يبتغى تحقيق مصلحة او هدف ما لا تعرفه الولايات المتحدة ولا أوروبا. ولكن يعرفه المواطنون أصحاب ثقافة التبرع الخيري. لكن فى حقوق الإنسان لا يوجد تمويل لوجه الله.
الاقتصادية والاجتماعية
> فى المؤتمر الصحفى مع الرئيس الفرنسى مؤخرا. رأينا الرئيس عبد الفتاح السيسى يركز على ما حققته مصر من انجازات ملموسة فى مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. فى مقابل محاولات البعض أن يقصر النظرة على الحقوق المدنية والسياسية. رغم أهمية كل تلك الحقوق وعدم جواز التفرقة بينها.. ما رأيك؟
الحقوق المدنية والسياسية تضمن تحقيق مصالح الدول الغربية فى ممارسة بعض الضغوط على الدول التى تستهدفها لتحقيق مصالحها. والقانون الدولى علمنا أن العلاقات بين الدول تقوم على المصالح. بينما الحقوق الاقتصادية والاجتماعية مثل الحق فى السكن والتعليم والصحة والتنمية كلها حقوق تحتاج إلى مبالغ طائلة ولا تمثل أهمية لدى القوى الغربية ولا تحقق أهدافها. لأن تلك الدول تعلم انها إذا وجهت أى انتقاد لمصر فى هذا المجال فإن عليها أن تبادر لتقديم يد العون لمساعدة مصر فى مواجهة تلك الانتقادات من خلال تمويل المشروعات التنموية والاقتصادية. وهذا ما لا تريده تلك الدول او يتوافق مع مصالحها.
والحقيقة أننا ورغم كل ما حققناه من انجازات كبيرة فى مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. فإننا فاشلون تماما فى تسويق تلك الانجازات وتعريف العالم بها.
> المراجعة الدورية لملف مصر فى المجلس الدولى لحقوق الإنسان خلال الأيام المقبلة. كيف يمكن الاستفادة منها للتصدى للحملات التى تستهدف مصر؟
أولى خطوات نجاحنا لإحراز هدف فى مرمى المؤسسات المتربصة هو أن تسعى الحكومة لإعداد تقرير وطنى وليس حكوميا عن حقوق الإنسان فى مصر. بحيث يتضمن ذلك التقرير رؤية المجالس القومية. وعدد من المنظمات الحقوقية الوطنية. وأعتقد أن ذلك التقرير الوطنى يمكن أن يحقق أثرا إيجابيا على المستوى الأممى أكثر من الاقتصار على التقرير الحكومي.
ثانيا من المهم ان نعرض حقيقة الأوضاع بصورة موضوعية. ونقر بالسلبيات كما نعرض الإيجابيات. ويجب أيضا ألا نكتفى بعبارة أن مصر تحارب الإرهاب. بل يجب أن نقدم وثائق وأدلة عن الأثر السلبى لذلك الإرهاب على حياة المواطنين واستقرار الدولة. وأن يتم إعداد وثائق بأعداد الشهداء والضحايا من المدنيين والقوات المكلفة بإنفاذ القوانين من رجال الجيش والشرطة. وكذلك تقديم بيانات موثقة بدور العبادة الإسلامية والمسيحية التى استهدفها الإرهاب. والخسائر الاقتصادية التى تكبدتها مصر من تلك العمليات.
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة