محمد رمضان
محمد رمضان


فيديو| سقوط  محمد رمضان في ذكرى العندليب «نمبر وان»

منال بركات

السبت، 30 مارس 2019 - 08:16 م

عجيب أمر الفنانين والشعراء يملكون ما ليس عند غيرهم من حدس وتوقع، يحملهم دائما هذا الخيال على استشراف الغيب وكأنهم سبقوا عصرهم... فالفنون جنون، والجنون فنون تلك الموهبة التي تقطع الأوصال، وتشق وجدان كل من مسً بهذا السحر العجيب... ولله في خلقه شئون.

قبل سنوات وسنوات خط الشاعر "نزار قباني " تلك الكلمات يرثي فيها حال الثقافة بعد أن ظهر آثار المال والنهم الاقتصادي على المنطقة في ديوان يحمل عنوان "هل تسمعين صهيل أحزاني؟".  وكأنه كشف ما كان وما سيكون فقال:
قبل أن يدخل المال إلى حارة الثقافة.. كانت الحارة سعيدة، ومرتاحة وبألف خير.
كان الناس يأكلون، ويشربون ويسهرون عند بعضهم ويزوجون أولادهم وبناتهم ويفتحون أبوابهم للعصافير ولضوء القمر.. وعندما جاء المال حاملا دفاتر شيكاته، فسدت أخلاق الحارة، وأصبح "الزعران" رؤساء لتحرير الصفحات الثقافية، وصارت مهنة النقد، كمهنة الصيرفة، خاضعة للعرض والطلب.

كلمات بسيطة ولكنها كاشفة إلى ما آل إليه حال الفن والثقافة في مصر هوليوود الشرق، بعد أن دقت الأموال  أبوابنا، تبدل الحال وصار المنتج عينه على ملايين. وفسد الفن والذوق العام، وصار على ذلك الدرب بعض الفنانين اللذين لا يميلوا إلى أيدلوجيه بعينها، فانحرفوا بالفن إلى القاع، وكثرت أفلام المقاولات التي تبث من أجل الفيديو وأصحاب الجنيهات، وهبط الغناء في نفس البئر، وسمعنا كل ألوان الغناء الهابط ، وكلما ارتفعت صوت الدنانير زاد السقوط رويدا رويدا.

واختفت الكلمة الحلوة والمعنى الجميل وصرنا نتحدث عن الزمن الجميل وكأنه كان من دهر. وليس من بضعه سنوات.

وقبل نزار بأعوام دق الكاتب المبدع أسامة أنور عكاشة بمطرقة من حديد على نفس الوتيرة في رائعته فيلم "كتيبة الإعدام" 1989 محذرا من مغبة الانفتاح الاقتصادي وآثاره السلبية على المجتمع. والتنازلات التي يقع في براثنها الضعفاء. وخرج علينا كل من "هب ودب" في كليب وشريط، فغنت الراقصات، ورقص المغنون، ومن أجل المال كل يفعل أي شيء، وتبدلت الأدوار. وهبط المحتوى إلى أسفل سالفين.    

وأخيرا مفاجأة المفاجآت وحديث الوسط الفني في الساعات الماضية، سقوط فنان كان ينبئ بمولد نجم له مستقبل واعد، ولكن أخذه الغرور و.... إلى بداية الهاوية.

فنان يملك الموهبة الحقيقية والمواصفات اللازمة للجلوس على القمة سنوات وسنوات، ولكنه انحدر إلى معارك وهمية وخلافات ليس لها وجود إلا في خياله، وعوضا عن أن يكرس وقته لفنه راح يدخل مجالا ليس له، ولن ينجح فيه أو يعلو شأنه إلا كعلو"البالون" في السماء ثم تنفجر دونما يشعر به مخلوق.

ذلك هو الفنان محمد رمضان الذي تصور بالخطأ إنه يستطيع أن يفعل كل شيء حتى الغناء، نعم "استخدمته" إحدى شركات الدعاية من أجل الترويج عن منتج ما. ونجح الإعلان فظن إنه يمكن أن ينافس أصحاب الأصوات الحقيقية في الغناء، وجرأ رمضان على اعتلاء خشبة المسرح ليس كممثل موهوب يلعب دورا في رواية، إنما كمطرب يغني، فاستخف بجمهوره الذي وثق فيه وآمن بموهبته، وسقط  بنفسه في بحر من السخرية والتهكم.  ليس معنى أن الحفل حقق إيرادات عالية أن الحفل كان ناجحا، فهناك مائة تفسير للإيرادات أقلها "الفرجة" على تلك التقليعة الجديدة التي جاء بها رمضان.

والبرهان على النجاح واحتلال الصفوف الأولى ليس ترديد الشخص إنه "نمبر وان" بل أعماله هى التي تحدد وتشير إلى إنه بالمركز الأول.. وليس الآلة الإعلامية أو لجان السوشيال ميديا التي يكونها الفنان من فريق عمل ثم يصدق نفسه.

والدليل على صدق هذا الكلام أن اليوم 30 مارس تحل الذكرى الثانية والأربعون على وفاة العندليب عبد الحليم حافظ، لكنه لا يزال حيا في كل قلوب محبيه دون كتيبة إعلامية تبث أكاذيبها على الجمهور.

وهناك جانب خفي على كثير من أبناء هذا الجيل من الفنانين،  لماذا عاشت أجيال أم كلثوم وحليم عبر السنين ، والإجابة ببساطة أن هؤلاء العظام حصنوا أنفسهم بالمثقفين بلا مصالح إلا مصلحة واحدة هي النجاح، فنجد أم كلثوم كان حولها كوكبة من الشعراء والموسيقيين والكتاب، وكذلك عبد الوهاب الذي نشأ في كنف أمير الشعراء وحليم أيضا كان أحبائه من الكتاب والشعراء والمثقفين اللذين ساندوا وطوروا أعماله عبر السنين فعاش معنا بعد رحيله بـ 42 عاما.
 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة