العالم المصرى د.محمد صوان أستاذ الطاقة النووية بجامعة ويسكونسون الأمريكية
العالم المصرى د.محمد صوان أستاذ الطاقة النووية بجامعة ويسكونسون الأمريكية


حوار| عالم الطاقة النووية المصرى د.محمد صوان: لا تخافوا من «الضبعة»

عمرو جلال

الإثنين، 26 أغسطس 2019 - 10:51 م

تجربة إطلاق صاروخ يعمل بالوقود النووى فى قاعدة عسكرية فى مدينة «سفرودفنسك» شمال روسيا مما أدى إلى انتشار حالة من القلق والذعر فى العالم وخاصة بين المصريين الذين يترقبون بدء إنشاء مفاعل الضبعة النووى بالتعاون مع الوكالة الرسمية الحكومية للطاقة الروسية «روساتوم».

البعض قام على الفور بمقارنة الحادث بالتسريب النووى الذى وقع فى مفاعل تشرنوبل عام 1986..والبعض الآخر لم تقنعه البيانات الحكومية الرسمية سواء الصادرة عن الحكومة الروسية أو المصرية وبدأت الشائعات تنتشر كالنار فى الهشيم وهو الأمر الذى دفع مركز معلومات مجلس الوزراء بالقاهرة لنفى الشائعات المتداولة حول وصول غبار ذرى من انفجار القاعدة الروسية..ولاستطلاع الحقيقة كان لابد من الحصول على الإجابات من شخصية علمية مصرية مشهود لها بالكفاءة العلمية والنزاهة.. «الأخبار» حاورت العالم المصرى محمد صوان أحد أهم طيور مصر المهاجرة بالخارج وأستاذ الطاقة النووية بجامعة ويسكونسون بالولايات المتحدة الأمريكية والأستاذ بقسم الهندسة النووية بجامعة الإسكندرية والحاصل على العديد من الجوائز العلمية المهمة منها جائزة الإنجاز المتميز من الجمعية النووية الأمريكية وجائزة الإسهام المتميز من وزارة الطاقة الأمريكية وجائزة التقدير للتفوق البحثى من جامعة ويسكونسون الأمريكية.

< فى البداية سألته: هل تم رصد اى غبار ذرى فى أوروبا أو منطقة الشرق الأوسط نتيجة انفجار القاعدة العسكرية الروسية؟

- لا يوجد فى الأساس اى انتشار لغبار ذرى او أشعة نووية نتيجة انفجار القاعدة العسكرية فى روسيا كما يروج الكثيرون، والمتابع للصحف الأجنبية ووكالات الأنباء العالمية جميعها أكدت انه انفجار كيميائى ولم يتم رصد اى زيادة كبيرة فى نسبه الإشعاع النووى فى منطقته ولايزيد نهائيا فى أى منطقه أخرى..وأرى ان الموضوع أخذ اكبر من حجمه وأعتقد ان السبب يعود إلى دراما مسلسل تشيرنوبل الشهير الذى عرض مؤخرا فى مختلف أنحاء العالم وأثار قصة ما حدث لهذا المفاعل الشهير خلال حقبة الاتحاد السوفيتى السابق عام 1986.

< البعض يعتقد أن روسيا تخفى معلومات خطيرة عن مستوى الإشعاع الذى انتشر بسبب انفجار القاعدة العسكرية ؟

لايمكن لروسيا ولا غيرها من دول العالم ان تقوم بإخفاء اى معلومات عن تسرب إشعاعى نووى لأنه ببساطة سيتم رصدها فورا فى الدول المجاورة وسيتم الإعلان عنه، ومعظم دول العالم ومن بينها مصر تمتلك شبكات رصد إشعاعى تقوم بالرصد والمتابعة والإبلاغ عن اى مستويات اشعاعية غير طبيعية من خلال غرف طوارئ تعمل على مدار الساعة لرصد أى تسرب إشعاعى أو غيره خاصة بالمناطق الحدودية.

< لكن الوكالات الأجنبية أشارت إلى ان السلطات الروسية طلبت من سكان القرية التى وقع بها الانفجار مغادرتها بعد أيام من الانفجار ؟

أعتقد أنه إجراء احترازى وقائى وطبيعى فى مثل تلك الحوادث، لكنه لايعنى فى نفس الوقت ان ما حدث هو انفجار نووى.

مغالطات كبيرة

< ما رأيك فى مسلسل تشرنوبل ؟

مسلسل تشيرنوبل عمل درامى يسعى للإثارة وجذب المشاهدين وكان ذلك للأسف على حساب العديد من الحقائق العلمية.. وبه مبالغات ومغالطات كبيرة جدا فى مستوى التأثير الإشعاعى لمفاعل تيشرنوبل على الخسائر البشرية.

< ما تلك المغالطات؟

من المغالطات بالمسلسل ان المصاب بالإشعاع يصبح معديا ومصدرا للإشعاع لمن حوله..هذا لا يحدث إلا فى حالة ابتلاع مواد مشعه..كما ان احتراق رجال مطافئ المفاعل لم يحدث بسبب التعرض للإشعاع ولكن من التعرض للحرائق وكان هناك فعلا الكثير من الضحايا الذين تأثروا بالإشعاع ولكن الأرقام التى وردت فى المسلسل مبالغ فيها لزيادة الإثاره وتفوق كثيرا الأرقام التى قدمتها أجهزه محايده تابعة للوكالة الدولية للطاقه الذرية والدول المجاورة...لكن المسلسل كان صادقا فى تصوير محاولة القيادة السوفيتية التغطية على حجم الحادثة خاصة فى الأيام الأولي.

< حادث الانفجار الكيميائى فى روسيا تم الربط بينه وبين محطة الطاقة النووية التى سيتم إنشاؤها فى منطقة الضبعة وأثار مخاوف المصريين..هل ترى أن هناك ما يدعو للقلق؟

القلق ليس له مبرر فى الأساس..وعلى المصريين ان ينظروا حولهم فالإمارات تبدأ تشغيل اول محطة نووية فى المنطقة نهاية هذا العام 2019 وتعمل على انشاء ٣ محطات اخرى... والعديد من الدول بالمنطقة مثل الاْردن والسعوديه والجزائر وتركيا وبنجلادش وغيرها تسعى بالفعل لدخول هذا المجال ومحطة الضبعة النووية تخضع للضوابط العالمية التى تشرف عليها الوكالة الدولية للطاقة الذرية وبالتالى فلا يوجد اَى تخوف..بل ان الدول الأوروبية المطلة على البحر المتوسط والقريبة جدا من مفاعل الضبعة لن تسمح ببناء مفاعل طاقة نووى تعلم انه قد يضر بأمنها باى شكل من الأشكال..كما انه لا علاقة على الإطلاق بين التجربة التى كانت تتم على أحد الصواريخ العاملة بالوقود النووى وبين محطات الطاقة النووية عموما، والتى هى أحد التطبيقات السلمية للطاقة النووية، والتى تتميز بكافة أنظمة الأمان النووى سواء الفعالة أو الخاملة، والتى لا تحتاج إلى أى طاقة كهربية لعملها.

زيادة الشفافية

< لماذا برأيك هذا التخوف الكبير والمستمر من محطات الطاقة النووية؟

هو أمر طبيعى لأن قبول الجمهور لأى برنامج نووى يتطلب معالجة المخاوف المتعلقة بالسلامة والأمان النووى بشكل شامل سواء فى بداية البرنامج أو خلال تنفيذه، ولابد من تنفيذ آليات جديدة تعالج تصورات المخاطر غير الحقيقية والأكاذيب والشائعات لدى الجمهور حول المحطات النووية وتقدم أفضل السبل للاستجابة لهذه التصورات من أجل زيادة الشفافية وكيفية بناء الثقة فى أى برنامج نووى.بتنظيم سلسلة من الاجتماعات الفنية حول موضوعات التواصل مع الجماهير، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعى للاتصال العام وشرح الفوائد من المشروع ووسائل الأمان وإشراك أصحاب المصلحة فى البرامج النووية

 حلم بدأ يتحقق

< ما تقييمك لمشروع الضبعة النووى؟

مشروع الضبعة الكهرونووى هو حلم بدأ يتحقق وسيلعب بالتأكيد دورا هاما فى تنمية مصادر الطاقة فى مصر وسيعمل على منحنا خبرات محلية فى بناء وتشغيل مثل تلك المحطات التى لامحالة انها ستكون البديل لمحطات إنتاج الكهرباء من البترول والغاز والفحم وستساهم فى تقليل التلوث البيئى وأعتقد ان مشروع الضبعة يسير بخطوات جيدة بعد طول انتظار وكان لدينا مشاريع كثيرة لبناء محطات كهرونووية منذ الستينيات وكان مخططا بناؤها فى منطقة سيدى كرير وبرج العرب ثم انتهت الدراسات إلى ان افضل مكان لوجود هذه المفاعلات فى منطقة الضبعة وفى الثمانينيات توقف المشروع تماما لأسباب سياسية والآن لابديل امام مصر سوى الحصول على الطاقة النووية ونقلل من اعتمادنا على البترول او الفحم او الغاز الطبيعى لأن كل هذا الوقود الاحفورى يساهم فى زيادة بيئتنا الملوثة..والسد العالى كان عند بداية إنشائه يمنح مصر نصف احتياجاتها من الكهرباء الآن لاتمثل طاقته سوى 6 % فقط من حجم الكهرباء فى بلادنا نظرا لتوسع الرقعة السكانية والإنشائية وزيادة استهلاك الطاقة. وبالتالى كان لابد من ادخال الطاقة النووية النظيفة إلى منظومة مصادرنا فى الحصول على الكهرباء فى مصر وأرى ان علينا فى ان نقوم بتنويع مصادرنا فى الحصول على الطاقة النظيفة لتكون الطاقة النظيفة من المصادر المائية والشمس والرياح والنووية أساسا متكاملا لتوليد الطاقة الكهربية.

< البعض ينتقد قيام مصر ببناء محطات كهرونووية فى حين أنها تمتلك مخزونا جيدا من الغاز الطبيعى خاصة مع الاكتشافات الجديدة ؟

هذه رؤية محدودة لاترى المستقبل ولننظر حولنا سنجد دولا خليجية بالرغم من توافر البترول والغاز لديهم بوفرة كبيرة لكنهم قرأوا المستقبل وعرفوا انهم لابد ان يستثمروا فى مجال الطاقة النووية لتنويع مصادرهم من الطاقة وتكوين كوادر قادرة فى المستقبل على ادارة مثل تلك النوعية من المحطات النووية.

الجيل الثالث

< ما تقييمك لشركة روساتوم الروسية المسئولة عن بناء مفاعل الضبعة؟

روساتوم الروسية هى من افضل الشركات العالمية فى مجال بناء المحطات الكهرونووية فى العالم ولها مشاريع بناء فى مختلف انحاء العالم كما ان نوع المفاعلات الذى تم الاتفاق على بنائه فى مصر يعتبر من افضل واحدث المفاعلات الآمنة من الجيل الثالث المعدل ونسبة الأمان بها مرتفعة للغاية ومعظم المحطات التى وقعت بها حوادث من قبل تعتبر من الجيل الأول او الثانى وتم الاستفادة من الدروس والأخطاء التى وقعت بهما وتجاوزهما فى الجيل الثالث والجيل الثالث المعدل، وما يهمنى كمهندس نووى ان تصميم مفاعلات الجيل الثالث الروسية تضمن عدم وجود اى تدخل بشرى لمدة 72 ساعة فى حالة وقوع اى مشكلة بالمفاعل وستقوم بإغلاق نفسها ذاتيا ذلك بالإضافة لخواص أمان اخرى تفوق الموجود فى المفاعلات الأخرى. وهو امر مهم للغاية فى زيادة فعالية الأمان بالمفاعل وهى ميزة كبيرة حتى ان العلماء الأمريكيين الذين تحدثت إليهم اكدوا لى ان تصميم المفاعل الروسى لروساتوم يعتبر من افضل التصميمات الموجودة فى العالم والأكثر أمنا حاليا، وكان ذلك مؤشرا بالنسبة لى ان الاختيار المصرى لتلك الشركة لم يأت من فراغ بل من واقع دراسة للشركات الدولية المصممة والمنفذة.

آمنة على البيئة

< هل الحياة بجوار المفاعلات تمثل خطرا على السكان المحليين أو عائقا للسياحة أو الزراعة مستقبلا؟

رأيت بعينى مفاعلات كهرونووية فى الولايات المتحدة ومحاط بها مساحات كبيرة من المزارع النباتية والحيوانية ولم تتأثر البيئة المحيطة بها وبالتالى فهى آمنة على البيئة حولها ولاتوجد خطورة منها ومن ضمن الوسائل التى أقوم باستخدامها فى محاضراتى لشرح المخاطر أبعاد الإقامة بجوار تلك المحطات الكهرونووية إن الاشعاع الناتج عن تلك المحطات اقل 100 مرة من الإشعاع الذى قد يتعرض له الإنسان عندما يقوم بمشاهدة التليفزيون او التعرض للأشعة الكونية الصادرة عن الشمس لأنه ببساطة الوقود النووى داخل المحطة يكون محاطا بحواجز خرسانية وفولاذية سميكة للغاية، والمعلومة العلمية التى قد لا يعرفها الكثيرون ان من يقيم بالقرب من محطة تعمل على انتاج الكهرباء بالفحم يتعرض لأشعة نووية اكثر 10 مرات من المواطن الآخر الذى يقيم بالقرب من محطة كهرونووية والسبب ان الفحم به شوائب نووية. والأغرب ان بعض المدن الأوروبية حاليا تتنافس على اقامة المحطات الكهرونووية فيها لأنها ستتحول فيما بعد إلى مزار سياحى يتوافد عليه الناس كذلك تؤدى إلى انتعاش اقتصاد المنطقة. فضلا عن كميات الطاقة الضخمة التى ستعمل على زيادة التنمية فى تلك المدينة وتنفيذ المشروعات مما يؤدى إلى انتعاش اقتصادى لهذه المدينة.

< ما رأيك فى التجارب العسكرية التى تجريها كل من روسيا والولايات المتحدة على صواريخ تعمل بالوقود النووى؟

أعتقد أنه إضاعه للموارد من الجانبين التى يمكن توجيهها لاستخدامات اخرى مفيدة لشعوبهم...الطرفان يدركان ان هذه الصواريخ لن تستخدم لأن فيها دمارا كبيرا للجانبين لكن ما يقومون به هو مجرد محاولات لإظهار القوة العسكرية.

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة