طاهر قابيل
طاهر قابيل


أول سطر

سيرك العتبة

طاهر قابيل

الخميس، 29 أغسطس 2019 - 08:22 م

أسمع كثيرا عن فوضى منطقة العتبة ولكنى لم أتخيل أبدا أنها تحولت إلى مولد وصاحبه غائب فى قلب القاهرة التاريخية.. ساقنى القدر إلى «سيرك العتبة» الجمعة الماضية.. فقد دعانى صديق لمشاهدة أحد عروض المهرجان فثروت» وظهور منطقة الأوبرا التى كنا نتنزه فيها بالماضى ونقف مشدوهين أمام تمثال «إبراهيم باشا» الذى صنعه الفنان الفرنسى «كوردييه» بأمر من الخديو إسماعيل عام 1872 م وتم وضعه فى أول الأمر بميدان «العتبة» التى كانت «خضراء» ثم نقل إلى مكانه الحالى أمام الأوبرا القديمة وبجوار حديقة الأزبكية وتسبب فى أزمة بين مصر وتركيا.. فعند إقامته صنع الفنان الفرنسى لوحتين لوضعهما على قاعة التمثال الرخامية تمثلان معركتى «نزيب وعكا».. ورفضت السلطات التركية اللوحتين لأنهما تعبران عن هزيمتها أمام الجيوش المصرية.. فأخذ «كوردييه» اللوحتين وسافر إلى فرنسا وعرضهما فى معرض باريس واحتفظ بهما فى ستوديو صغير ببيته ولم يعرف لهما طريق حتى الآن.
 المهم بعد وصولى لميدان الأوبرا التاريخى وجدت نفسى تائها وسط فوضى مرورية ووجدت أمامى حائط صد مكونا من كوبرى الأزهر الذى يرفض الرحيل ونفق الأزهر الذى أنشئ كبديل عنه.. وكان علىّ الاتجاه إجباريا إلى اليسار متقاطعا مع سيل من السيارات والمارة لا يصلح معه «الكلاكسات» أو حتى الكلام والإشارات بالأيدى.. وعند وصولى للمسرح لم أجد مكانا محترما للانتظار.. ولم أجد طريقا للعودة سوى اختراق سيرك العتبة الذى يتكدس على جانبيه الباعة الجائلون مقتطعين ثلاثة أرباع الشارع لفرش بضائعهم والذى يستقبل أتوبيسات النقل العام والميكروباصات والسيارات القادمة أيضا من شارع «الجيش» علاوة على الأقدام اللاهثة بين السيارات المتكدسة وأصوات النشاز من الباعة لاضطر فى نهايته لوجود كشك أو جمعية استهلاكية على الرصيف المجاور للمسرح أن اتجه إجباريا أيضا إلى اليسار لتزداد الفوضى حتى تمنيت أن أترك سيارتى فى منتصف الطريق بعد أن مررت من أمام نجدة القاهرة لأجد سيارات «السرفيس» فى منتصف الشارع تنادى على الركاب.. وبجوارها موقف للأوتوبيس والمينى باص.
السير فى وسط البلد مغامرة غير محسوب عواقبها لأن الفوضى شعارها وواقعها.. ففى كل دول العالم «باعة» لا يملكون محلات لعرض بضائعهم.. ولكن الفرق بيننا وبينهم أن هناك نظاما ومكانا محددا يعملون فيه حتى لو كان أكشاكا فقيرة بالقرب أو فى طريق فرعى ومحدد لهم توقيتات عمل وإغلاق وقد زرت أماكن لذلك فى دول متقدمة اقتصاديا وأخلاقيا.. وأحيانا يتم تخصيص مكان فى حديقة عامة أو بالقرب منها يوما أسبوعيا ليعرض كل شخص بضاعته بعيدا عن نهر الطريق فى حماية الشرطة.. وبمجرد انتهاء اليوم يقوم كل واحد بجمع مخلفاته ووضعها فى صناديق «الزبالة» وترك المكان نظيفا كما كان فى الصباح.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة