عبدالله البقالى
عبدالله البقالى


حديث الأسبوع

لا مناص مـن فهــم جديــد للظاهــرة

بوابة أخبار اليوم

السبت، 28 سبتمبر 2019 - 09:07 م

عبدالله البقالى

 

أهم ما يكشف عنه تقرير حديث صادر عن الأمم المتحدة، قبل أيام قليلة من الآن، حول المهاجرين وطالبى اللجوء فى العالم يتمثل فى ضرورة الإقرار بالفشل الذريع، الذى منيت به السياسات القطرية والإقليمية، والجهوية والدولية المتعلقة بالهجرة، كما أن مضمون التقرير يصلح جوابا واضحا لسياسة التشدد والتطرف، التى أبدتها العديد من الأقطار، خصوصا الولايات المتحدة الأمريكية والقارة الأوربية، وبالأخص الدول التى وصلت فيها حركات شعبوية إلى الحكم، محمولة فوق أكتاف ناخبين ساخطين عن الأوضاع، والباحثين عن تجريب بدائل، مهما كانت هذه البدائل، لعلها تخلصها من الأوضاع المتأزمة، التى أوصلتها إليها حركات سياسيةتقليدية، ولم تدخر هذه الحكومات جهودا فى إبداع مختلف أشكال التشدد والتضييق، ضد مهاجرين طردتهم الحروب والفتن، والأزمات الاقتصادية الخانقة فى أقطارهم، وقامروا بحياتهم من أجل البحث عن موقع عيش جديد يشعرون فيه بالأمن والأمان، وهى الجهود التى وصلت حد رفض استقبال مهاجرين فى حالة خطر، وتركهم يلقون مصيرهم المحتوم.
التقرير الحديث يؤكد حقيقة مركزية، مفادها أن أعداد المهاجرين فى العالم بلغ هذه السنة ما مجموعه 272 مليون شخص، وقد حقق ارتفاعا كبيرا، بالنظر لما كان عليه فى السنوات الماضية، حيث لم يتوقف مؤشر القياس عن الاتجاه نحو الأعلى بوتيرة سنوية لافتة، وهكذا، يذكرنا التقرير نفسه أن أعداد المهاجرين فى العالم لم يكن يتجاوز سنة 2010 ما مجموعه 220 مليونا، بما يعنى أن هذه الأعداد ترتفع بخمسة ملايين مهاجر سنويا، ويتوقع أن تزداد ارتفاعا بنسب أعلى خلال السنين القادمة، لأن أسباب الهجرة ستزداد قوة وضغطا.
وينبهنا التقرير الأممى الجديدإلى أن المهاجرين فى العالم أضحوا بذلك يمثلون 3،5 بالمائة من سكان العالم. ومهم أن ننتبه إلى أن التقرير يؤكد أن 82 مليونا من هؤلاء المهاجرين وصلوا إلى أوروبا خلال الفترة الأخيرة، بينما كان نصيب منطقة أمريكا الشمالية، الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، 59 مليون شخص من هؤلاء المهاجرين.
الأكيد، أن مضامين التقرير تذكر من جديد أن المقاربات، التى اعتمدت فى غالبيتها على الآليات الأمنية، سواء عبر تكثيف المراقبة على الحدود، وتشديد إجراءات الاستقبال وإغلاق المنافذ،لا يمكن أن تمثل حلا ناجعا وفاعلا، للحد من ظاهرة تنامى الهجرة فى العالم، إذ أن نسبة كبيرة وعالية جدا من المهاجرين، لا يختارون الهجرة فى إطار إرادي، بهدف الرغبة فى التغيير والاطلاع على أنماط عيش الآخرين، بل لأن الهجرة فى جزء كبير منها، سواء الهجرة العادية المنظمة أوالهجرة غير المشروعة، تكون نتيجة عوامل ضغط قاهرة لا يمكن مواجهتها، وتجنب مخاطرها الكثيرة والكبيرة، من حروب وفتن، ونزعات استعداء، التى تصل حد الإبادة وعدم الشعور بالأمن، والاستقرار فى ظل أنظمة سياسية شمولية لا تسمح بالتعدد والتنوع، وتعرض المعارضين السياسيين لها، إلى مختلف أشكال المخاطر، ومن سيادة مظاهر الفقر والتخلف والتهميش والبطالة، مع انسداد كامل للآفاق، وفى كلتا الحالتين، فإن الأفراد والجماعات يكونون مضطرين لهجرة أوطانهم، تاركين وراءهم انتماءهم الجغرافى والحضاري، هاربين من واقع يمثل خطرا حقيقيا عليهم، باحثين عن أوضاع بديلة لا توجد إلا فى مناطق بالعالم استحوذت على مصادر الثراء العالمي، لأسباب تاريخية تتمثل فى الاستعمار والهيمنة على مراكز القرار السياسى والاقتصادى فى العالم. وأمام هذه الحقائق، التى تعاند سياسات أوروبية وأمريكية فى إلغائها، يتأكد باستمرار أن المقاربات التقليدية المبنية على اعتبارات الأمن، والحفاظ عن المصالح القطرية بشوفينية تزيد الأوضاع استفحالا، ولم تنجح هذه المقاربات إلا فى الرفع من حجم الكوارث الإنسانية المرتبطة بالهجرة، وفى معدلات المآسى المتعلقة بها، حيث تحولت كثير من الممرات المائية البحرية فى العالم، إلى مقابر بحرية جماعية لأشخاص أبرياء، والأسلاك الشائكة، الممتدة على الحدود البرية فى العديد من مناطق العالم، إلى مشانق جماعية تنشر عليها جثث أشخاص حلموا فى لحظة ما بحقهم المشروع، فى أن يقاسمهم سكان المناطق المحظوظة جزءا مما تبقى من ترف العيش، الذى يرغدون فيه، ولم تزد العلاقات الدولية، التى كان يجب أن تبنى على إرادة التعايش المشترك، بين مختلف الشعوب إلا احتداما وتأزما. ومهم أن نلتقط من التقرير أن بعض الدول، التى وصلت إلى سدة الحكم، فيها طبقة سياسية جديدة تبدو من حيث الشكل، أنها يمينية متطرفة، ولكنها فى الحقيقة ليست كذلك، لأن اليمين، مهما اختلفنا معه يبقى حركة سياسية، بمراجع واضحة وبخيارات معلومة، بيد أن الأمر يتعلق هذه المرة بحركات جاءت من العدم، ومثلت فى حقيقتها ردود فعل انفعالية لناخبين، لم تعد الحركات السياسية التقليدية قادرة عن الاستجابة لحجم انتظاراتهم، إن هذه الدول كانت فى مقدمة الدول التى عرفت نموا كبيرا فى ظاهرة الهجرة إليها من قبيل إيطاليا، التى وصل إليها خلال السنين القليلة الماضية ما يتجاوز ستة ملايين مهاجر ولاجئ، والولايات المتحدة الأمريكية التى دخلها خلال السنين الماضية 51 مليون مهاجر، وهم المهاجرون الذين تسلل عدد كبير منهم إلى داخل تراب هذه الدول، رغم أنف الإجراءات الاحترازية، التى اتخذتها السلطات هناك.
لا مناص من الاقتناع بفهم جديد لظاهرة الهجرة يرتكز على التسليم بأحقية جميع سكان الكرة الأرضية فى العيش الكريم، والاستفادة من مصادر الثراء العالمي. فمحاربة الهجرة يجب أن تبدأ بمحاربة الأسباب، التى تفرض وتحتم الهجرة، وليس التركيز على استهداف ضحاياها من البشر، ويجب أن تتجه إلى الجغرافية، التى تفرزها، ولو كانت الأموال الخيالية والطائلة، التى صرفت فى مواجهة الهجرة بهواجس أمنية، وفى المنتديات والمؤتمرات والندوات، التى نظمت للتوعية بها صرفت عِوَض ذلك فى إنجاز مشاريع تنموية بالمناطق المصدرة للهجرة لكانت أعداد لا بأس بها من المهاجرين فضلوا البقاء فى ديارهم، بين أحضان التربة التى أنجبتهم.

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة