هشام مبارك
هشام مبارك


احم احم !

فاتن عبد الرازق.. حاملة المسك

هشام مبارك

الأربعاء، 02 أكتوبر 2019 - 06:50 م

عندما بدأت العمل فى القسم الاقتصادى بجريدة الأخبار منتصف الثمانينيات وفى أول يوم لى بالقسم أخذنى أستاذى وأستاذ الأجيال الصحفية الكاتب الكبير جميل جورج - أطال الله عمره ومتعه بالصحة والسعادة - من يدى وقدمنى لسيدة بطعم ملكات الجمال تجلس إلى مكتبها تمسك ورقة وقلما وكأنها ملكة من ملكات العصور الوسطى جلست تخط قراراً خطيراً يخص المملكة. تركت السيدة مافى يدها وانتبهت لصوت الأستاذ جميل وهو يداعبها بطريقته المعهودة مع جميع الزملاء قائلا: وحياتك يافاتن تشوفى الواد الصعيدى ده حاينفع معانا فى القسم ولا لأ. ثم تركنى وخرج. كنت مرتبكا أيما ارتباك مندهشا أيما اندهاش أن يكون فى مصر صحفيات بهذا الجمال الراقى. كنت وقتها كالغريق الذى يريد التعلق بقشاية وهو يصارع الأمواج فإذا به يجد نفسه وجها لوجه مع عروس البحور بجلالة قدرها تأخذ بيديه فى أول يوم سباحة. أوشكت من رهبة الموقف أن أنادى على الأستاذ جميل لأقول له أننى قد عدلت عن فكرة الصحافة وأنى سأعود لبيتى وبلدى منتظرا القوى العاملة لتقذفنى أينما أرادت.ويبدو أن فاتن عبد الرازق قد شعرت بما يدور بخلدى فمدت يدها لتسلم على وهى تقدم نفسها لى فى تواضع شديد وقبل أن أقدم لها نفسى قالت: الأول تشرب إيه؟ وجاء المشروب ولا أدرى الوقت الذى استغرقته فى تناوله ولكنى أتذكر جيدا اننى أدركت فى تلك اللحظات البسيطة أن جمال هذه السيدة الخارجى لا يعد شيئا مقارنة بجمال روحها وعقلها وقلبها.
مر على هذا التاريخ حوالى أربعة وثلاثين عاما لم تتغير فيه ملكة جمال الصحافة المصرية فاتن عبد الرازق متعها الله بالصحة والعافية عن أول يوم التقيتها فيه. نفس الجمال والشياكة والبشاشة والروح العالية. أما عن الكفاءة فلا يجوز لتلميذ أن يحكم على من علموه ولكن تاريخ فاتن عبد الرازق فى الصحافة الاقتصادية معروف. ولعلى أذيع سرا واحداً من أسرار استمرار تألق هذه السيدة فى عملها هو أنه مع خبرتها الطويلة لاتزال حتى اليوم تعتبر نفسها صحفية تحت التمرين، لم تفقد لحظة حماس البدايات مع كل هذا العطاء. فإذا كانت تنوى إجراء تحقيق صحفى فهى تجهز له الخطة وتبدأ فى تجميع المعلومات والملفات التى تساعدها وتدرس كل جوانب الموضوع قبل أن تبدأ فى الاتصال بمصادرها لتناقشهم فيما سوف تكتبه. أما إذا كانت بصدد تغطية ندوة أو مؤتمر صحفى فهى تسبق الجميع وتجلس فى الصف الأول تمسك بالورقة والقلم تسجل كل شاردة وواردة تسأل وتناقش ثم تعود للمكتب فرحة بما دونته لتبدأ مرحلة التفريغ والصياغة وهى فى حالة مزاجية رائعة وكأنها سوف تكتب أول موضوع فى مشوارها الصحفى، تفرح بخبر جديد حصلت عليه من مصادرها أو موضوع كتبته. وكثيرا ما أداعبها قائلا: والله باحسدك على هذا الحماس ماشاء الله تبارك الله، لو كل الصحفيين مثلك لكان للصحافة شأن آخر. فتتهلل أساريرها خجلا مثل عذراء تداعب أذنيها كلمات غزل لأول مرة.
كم أنا فخور بأن أكون زميلا لفاتن عبد الرازق التى جاورتها فى نفس المكتب سنوات طويلة، لم أضبطها يوما تحقد أو تحسد أو تغار من أحد ولا وجدتها لحظة واحدة تحلم حلم غيرها أو تسطو عليه، بل كانت ولاتزال مثل حامل المسك الذى إما أن يحذيك ـ يهبك الهدايا الجميلة ـ أو تبتاع منه أو تشم منه ريحا طيبة. فقد منحتنى فاتن عبد الرازق هدية معنوية ما أجملها من هدية ألا وهى مساندة زميل والأخذ بيده وهو يخط بداياته فى بلاط صاحبة الجلالة. كما ابتعت من هذه السيدة حاملة المسك دروسا طيبة هى كل مايحتاجه أى صحفى مبتدئ، وشممت منها أجمل روائح ألا وهى روائح الإخلاص والعطاء والتفانى فى العمل. أما عن الحياة فقد تعلمت منها درسا عمليا يقول بأنه إذا أردت أن تكون دائماً فى بهجة وجمال طلة فاتن عبد الرازق فعليك أن تمتلك مثل تلك الروح الخلابة التى اعتادت دائما على العطاء والمنح والحب لكل الناس. شكرا فاتن عبد الرازق ويارب يحفظ لك أسرتك الجميلة الرائعة ويحفظك لدار أخبار اليوم ولنا دائما أختا وصديقة وصحفية نادرة الوجود.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة