د. محمد حسن البنا
د. محمد حسن البنا


يوميات الأخبار

فلنعترف.. بعيدا عن الفيس بوك !

محمد حسن البنا

الأربعاء، 18 ديسمبر 2019 - 07:12 م

«الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعى يمكن أن يورث مشكلات، قد تصل إلى الاكتئاب، وعمل حوادث، بل وحتى الموت»

ما نعيشه على الفيس بوك يدمى القلب والعقل، وكثيرا ما يثير الشفقة والحزن على المآسى التى نشاهدها ونقرأها، والأسوأ من ذلك أنه أصبح ساحة لنشر الشائعات وتصديقها. أقول هذا تأكيدا للرؤية التى طرحها العزيز الأستاذ الدكتور عصام نصر سليم أستاذ الصحافة والإعلام بجامعة القاهرة، والتى تناول فيها قضية الفيس بوك وتأثيره على حياة الناس. يقول د. عصام: «أصبح الفيسبوك مسرحاً لتزييف المشاعر والأحاسيس.. والأخطر من ذلك، رغم كونه وسيلة للتواصل، أنه أصبح بديلاً غير شرعى لمشاعرنا وحياتنا ورؤيتنا الحقيقية، عالم افتراضى بامتياز، الانسحاب منه منجاة للنفس، وعودة لتنقيتها مرة أخرى، ونفض غبار النفاق الاجتماعى المقيت، تعالوا نعيش حياتنا الحقيقية لا المزيفة، حياتنا الواقعية لا الافتراضية، عودوا لأنفسكم وذواتكم لإعادة اكتشافها، أو اجعلوا الفيسبوك ساحة للآراء كما يفعل البعض، لا نافذة مفتوحة بلا ضابط ولا رابط ولا رقيب لحياتنا وأسرارنا وخصوصيات أسرنا، لا تجعلوا حياتكم سواء الحقيقية منها أوالمزيفة التى ترغبون فى تصديرها للآخرين، مضغة للعيون المتلصصة، والنفوس المريضة الحاقدة، لا تعرّوا حياتكم وخصوصياتكم طواعية لمن لا يهمه أمركم، حياتكم ملككم وحدكم ومن تثقون فى صدقهم، فالموتى الذين تناجونهم لا يقرأون الفيسبوك فلمن تكتبون؟!، حتى توجهاتكم نحو الله ورسوله ليست فى حاجة إلى الفيسبوك، وإنما هى فى حاجة إلى التعامل بالحسنى مع الآخرين، والكثير من الأخلاق والعمل الجاد، ما بينك وبين الله ورسوله مكانه فى النية والقلب، ومظهره السلوك والمعاملة الطيبة، ولا يحتاج إلى فيسبوك للتعبير عنه».
ما قاله الدكتور عصام يوافق ما كنت أفكر فيه منذ انزلقت رجلى إلى الفيس بوك، ولهذا فأنا نادرا ما أدخل عليه، ونادرا ما أعلق على بوستات الأصدقاء، ونادرا ما أنشر مقالاتى على صفحتى بالفيس بوك، لكنى، وأعتقد الدكتور عصام، نقدر أهميته فى حياتنا كوسيلة تواصل، أو إعلام، تستخدم التكنولوجيا الحديثة، فأنت على الهواء مباشرة مع الآخرين، ويمكنك من خلاله التعبير عن رأيك بحرية تامة، وبسهولة ويسر، ليس هذا فقط، بل تتبادل الرأى مع الآخرين، وما يحققه ذلك من مشاركة طيبة بين الأصدقاء، أصحاب الرأى، ومن خلاله تستطيع أن تعلم ما يحدث فى العالم من حولك، وتستطيع أن تقول رأيك فيما يحدث، وتستطيع أن تصوب وجهة نظرك، وفوق كل هذا يمكن الأجهزة المعنية من قياس الرأى العام، ومعرفة توجهاته ومزاجه العام.
هذه من فوائد الإنترنت والفيس بوك، لكن للأسف نستخدمها بصورة خاطئة، فقد فضحت البيوت أسرارها، وتبادل الناس الرأى فى خصوصيات الآخرين، وأضحت صفحاتنا مليئة بالغيبة والنميمة والهمز واللمز، وأصبحت ألسنتنا،على صفحاته، تلوك أسرار وخصوصيات الناس، وتثير الضغائن والحقد بين البشر، والأخطر من ذلك أنها وسيلة سهلة لنقل وترديد الشائعات ليتها ككذبة أول إبريل، لكنها من النوع المدمر والمخرب للأوطان، والمثير للنفوس، لقد لاحظت كثيرا ترديد البعض لشائعات على صفحاتهم دون أن يتحققوا منها ومن مصدرها، وغالبا ما تأتى تحت كلمة «منقول»، فتجد الكثير ينشرها من دون وعى، وهذه الشائعات تهدم أمما، وتثير الأحقاد بين الناس. وإذا كنا نريد شفافية وصراحة لنعترف بما فى أنفسنا أنصح الجميع بأن نعترف بعيدا عن الفيس بوك.!
من هنا يجب التفكير بجدية فى بحث قضية الفيس بوك، ليس بمنعه، أو تقييده، لأن الممنوع دائما مرغوب، إنما بحثه من مختلف جوانبه، حتى نحمى الوطن والشعب من زلاته. وليتنا نخرج بدراسة مثلما فعلت مؤسسة «جلوبال ويب إندكس»، والتى نعرضها هنا.
الفلبينيون فى المقدمة
تأكيدا لما نقول صدرت مؤخرا دراسة عالمية توصلت إلى أن الوقت الذى يقضيه المستخدمون على منصات التواصل الاجتماعى على مستوى العالم ارتفع بنحو 60 فى المئة فى المتوسط على مدى السنوات السبع الأخيرة.وحللت مؤسسة «جلوبال ويب إندكس» البحثية فى لندن بيانات من 45 من أكبر دول العالم فى «أسواق الإنترنت»، ورأت أن الوقت الذى يكرسه كل شخص لمواقع التواصل الاجتماعى أو تطبيقاتها ارتفع من 90 دقيقة يوميا عام 2012 إلى 143 دقيقة فى الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2019.
تقول الدراسة إن هناك تفاوتا كبيرا فى الاستخدام على المستويين الإقليمى والوطنى : ففى أمريكا اللاتينية، حيث أكبر عدد من مستخدمى وسائل التواصل الاجتماعى عالميا، يبلغ متوسط الوقت المنقضى يوميا 212 دقيقة. فى المقابل، فإن المعدل الأدنى إقليميا فى الوقت المنقضى على وسائل التواصل الاجتماعى هو فى أمريكا الشمالية (116 دقيقة). ويتصدر الفلبينيون قائمة الشعوب التى تقضى أكثر الأوقات على وسائل التواصل الاجتماعي، بمعدل 241 دقيقة يوميا، مقارنة بـ 45 دقيقة فقط فى اليابان.
امتد البحث للإجابة على أسئلة من نوعية :كيف تعرف أنك أصبحت مدمنا لمواقع التواصل الاجتماعي؟ ماذا يقول العلم فى أضرار وسائل التواصل الاجتماعي؟، ربما كان المفاجئ فى الأمر أن تحليل بيانات نحو 1.8 مليون شخص كشف عن أن الأوقات المنقضية على وسائل التواصل الاجتماعى ظلت فى معدلاتها أو تناقصت فى نحو نصف تلك الدول (20 دولة). تقول مؤسسة جلوبال ويب إندكس إن البيانات تشير إلى أن «العديد من مستخدمى الإنترنت باتوا ينتبهون إلى الوقت الذى يقضونه على منصات وسائل التواصل الاجتماعي». وقد صرح مدير قسم الاتجاهات الرئيسية لدى جلوبال ويب إندكس، تشيس باكل، لبى بى سى الإنجليزية: «بات مستخدمو الإنترنت يقضون أكثر من ست ساعات على الشبكة يوميا، وثلث هذا الوقت مكرّس لوسائل التواصل الاجتماعي. وبات معدل التصفح اليومى لوسائل التواصل الاجتماعى موضوعا له أهميته، وتُعدّ المدة التى نقضيها على تلك المنصات يوميا إحدى أهم وسائل قياس هذا النشاط، وقد ساعد التطور الذى تشهده الهواتف الذكية فى سهولة رصْد ذلك الأمر».
من بين الدول التى شملتها الدراسة، سجلت تايلاند أكبر تراجُع فى معدل استخدام وسائل التواصل الاجتماعى يوميا؛ حيث هبط من 194 دقيقة العام الماضى إلى 171 دقيقة عام 2019.وفى فيتنام، هبط الاستخدام اليومى 10 دقائق مقارنة بالعام الماضي. رغم هذا فقد سجلت الفلبين معدلا مرتفعا بقضاء أكثر من أربع ساعات يوميا على وسائل التواصل الاجتماعى، كما شهدت كل من إندونيسيا وبلجيكا وغانا والولايات المتحدة تراجعا حادا فى معدل استخدام وسائل التواصل الاجتماعى يوميا.غير أن معدل الاستخدام فى معظم الدول التى شملتها الدراسة يسجل ارتفاعا. وفى بعض هذه الدول كان هذا الارتفاع ملحوظا. ويقضى المستخدم العادى فى الصين الآن على مواقع التواصل الاجتماعى 139 دقيقة يوميا، بزيادة 19 دقيقة مقارنة بالعام الماضى 2018. أما فى السعودية فقد زاد معدل زمن استخدام وسائل التواصل الاجتماعى 14 دقيقة، وفى تركيا كانت الزيادة 13 دقيقة. وقد لاحظت الدراسة أنه فى آسيا، مشهد وسائل التواصل الاجتماعى مختلف؛ فثمة تطبيقات رائجة جدا تحظى بشعبية، وهى تطبيقات للتواصل الاجتماعى تتجاوز الدور الذى تقوم به هذه المنصات بالمفهوم الغربى. وعبر هذه التطبيقات يتسنى للمستخدمين التواصل مع أصدقائهم والقيام بمهام أخرى كثيرة كدفع فواتير، وحجْز غرف فى فنادق، واستدعاء سيارة أجرة، ودفع ثمن سلع فى متاجر». وفى الصين، يهيمن تطبيق 'وى تشات' على فضاء التواصل الاجتماعي، ويواصل التطبيق استقطاب المزيد والمزيد من الأنشطة، مما يعزز تمسك المستهلكين باستخدام وسائل التواصل الاجتماعى للوفاء بمتطلبات احتياجاتهم اليومية.»
تقول الدراسة إنه يبدو أن ارتفاع مدة الوقت المنقضى على وسائل التواصل الاجتماعى مرتبط بتراكيب سكانية بعينها، لاسيما الفئات العمرية بين 16 و24 عاما. وتقضى هذه الفئات أوقاتا أكثر من غيرها يوميا على الإنترنت، حيث إن هذه الفئات استخدمت وسائل التواصل الاجتماعى يوميا بمعدل 180 دقيقة على الأقل عام 2018. وكلما كانت الفئة العمرية للسكان فى دولة ما أصغر، زاد معدل الوقت المنقضى فى استخدام وسائل التواصل الاجتماعى فى تلك الدولة، ولهذا فإن دول الأسواق الناشئة تتصدر ذلك، فلا يزال الشباب يمثلون الفئة الأعلى بين مستخدمى وسائل التواصل الاجتماعى مقارنة بالفئات الأخرى.
السعادة والاكتئاب !
يحذر الخبراء من أن قضاء وقت أطول على وسائل التواصل الاجتماعى على الشاشات مرتبط بسلسلة من مشكلات الصحة النفسية. وهو ما تنقله البى بى سى على لسان آشلى وليامز، الباحثة فى كلية هارفارد للأعمال: «بحسب الدراسة فإن الأشخاص الذين يقضون وقتا أطول فى استخدام وسائل التواصل الاجتماعى هم أقل سعادة، وإن الاستخدام المفرط لهذه التقنية يمكن أن يورث مشكلات، قد تصل فى بعض الحالات إلى الاكتئاب، وعمل حوادث، بل وحتى الموت». وقد تمخضت هذه المخاطر المحتملة عن إطلاق تغيرات سلوكية، فضلا عن صعود نجم تطبيقات رقمية معنيّة بخير وسلامة المستخدم، كتلك التى تحدّ من وقت التصفح أو تتتبّع مساره. والثابت من الدراسة أن «مدمني» استخدام وسائل التواصل الاجتماعى أكثر ميلا إلى استخدام هذه التطبيقات الجديدة، بمن فيهم فئة الشباب.وتوضح : «هذه التقنيات الرقمية المتطورة تساعد المستخدمين فى تنظيم أوقاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي. ويعترف أكثر من ثلثى الفئة العمرية من 16 إلى 24 عاما بوجودهم بشكل متواصل على الإنترنت، بينما يقول أكثر من ثلث هذه الفئة إن التقنيات تزيد تعقيدات الحياة. وثمة وعى واضح لا يزال قائما بتأثير التطور التكنولوجى على حياتهم».
هذا الأمر لفت نظر منظمة الصحة العالمية لأن تصدر بيانا فى فى أبريل الماضى بأولى توصياتها الخاصة بقضاء الوقت على وسائل التواصل الاجتماعى والنظر فى الشاشات، واستهدفت المنظمة الأطفال دون سن الخامسة. وقد كشفت دراسة أجريت فى جامعة بنسلفانيا عن أن قَصْر استخدام وسائل التواصل الاجتماعى على 30 دقيقة فى اليوم أسفر عن «تراجع ملحوظ فى معدلات الشعور بالوحدة والاكتئاب» فى مجموعة من 143 طالبا شملتهم الدراسة. لكن بعض الخبراء يعتقدون أن المسألة أكثر تعقيدا. وهذا ما يعارضه أندى شيبيلسكي، الباحث فى معهد أكسفورد للإنترنت بقوله : «وسائل التواصل الاجتماعى متنوعة تنوعا هائلا؛ فثمة مواقع مختلفة تطرح موضوعات مختلفة، مما يجعل من الصعب التعميم بشأن آثار وسائل التواصل الاجتماعى».

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة