الدكتورة عواطف عبدالرحمن في حديثها لمحرر «الأخبار»
الدكتورة عواطف عبدالرحمن في حديثها لمحرر «الأخبار»


حوار| عواطف عبدالرحمن: لم أسئ لطه حسين.. والصحافة المطبوعة لن تموت أبدا

حازم بدر

الخميس، 26 ديسمبر 2019 - 01:54 م

بخل والدي جرحني نفسيا.. واستلهمت العزيمة من جدتي الضريرة

تجربة الاعتقال «هايلة».. ووالدتي أرسلت رسالة قاسية للسادات

«علقة» دفعتني لليسار.. و«إحنا مش كفار»

أتحدث لصورة «جيفارا» يوميا.. وارتديت ملابس الحداد بعد وفاته

جرأة مذكراتي تسببت في مشكلة مع شقيقي ونجحت في تجاوزه

اتهامي بالفتنة الطائفية أشبه بشق قلبي بمنشار

هيكل مهندس معركة مراكز القوى.. واعتقاله في سبتمبر 1981 «تصفية حسابات»

أمي اختلفت معي فكريا.. لكنها منحتني حرية الانتماء لليسار

السادات دعاني للقاء رئيس إسرائيل وكان ردي: العنوان غلط

 

لا يمكن للإنسان أن يقهر الزمن، فسنواته وأيامه ستترك أثرا بلا شك على ملامحه، وعلى طباعه الشخصية، فتصبح أكثر استسلاما وأقل قدرة على المقاومة.. ذهبت إلى أستاذتي في قسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، والتي احتفلت في أغسطس د.عواطف عبد الرحمن، أقدم أساتذة الصحافة في الجامعات المصرية، وفي مخيلتي أن الماضى ببلوغها سن الثمانين عاما، قد تركت السنوات العشرين منذ تركت الكلية أثرا على شخصيتها، فأصبحت أقل نشاطا، وأقل حمية فى دفاعها عن التقاليد الأكاديمية والمبادئ التى آمنت بها، ولكنى وجدتهاكما هى لم تتغير، اللهم إلا من بعض التغيرات البسيطة على الوجه التى لا يملك الانسان سبيلا فى مواجهتها.

 

كان لقائى معها بعد أن فرغت من احدى المحاضرات، وكما هو الحال قبل عشرين عاما، كان طابورا من الطلاب يسير خلفها إلى مكتبها، محاولا الاستفسار عن بعض المهام البحثية التى كلفتهم بها، لتظهر خـلال حوارها مع الطلاب دفاعا صلبا لم يتصدع مع مـرور الزمن عن المـبـادئ والتقاليد الأكاديمية التى آمنت بها، وفى مقدمتها الدقة والأمانة والعمل الجماعي.. ورغـم هذه الصرامة الأكاديمية، إلا أنها تحتفظ بشخصية «الأم الحنون» الحريصة على التواصل مع طلابها، والاستماع لهم، فتحقق معادلة صعبة لا يجيدها إلا القلة، وهى تقدير واحترام طلابها، بالرغم من عدم حصول بعضهم فى أحيان كثيرة على تقدير متميز بمادتها.

 

تستطيع أن تشعر بحالة من الرضا والسعادة على وجهها وهـى تستقبل طلابها الذين لم تعد تربطهم بها سوى تقدير الطلاب لأستاذة قديرة وضعت حجرا مهما فى أساس بنائهم المهني، وهى حالة كانت مناسبة جدا لتفتح «الأخبار » معها حوارا شاملا تجولنا فيه مع استاذة تاريخ الصحافة بين ماضيها وحاضرها الذى عبرت عنه بجرأة نادرة فى مذكراتها «صفصافة»، وحاولنا معها استشراف مستقبل الصحافة، فهى الأكاديمية التى اخترقت مجاهل المستقبل فـى كتابها «بـوابـات التفكير المستقبلى»، الـصـادر حديثا عـن المكتبة الأكاديمية.. وإلى نص الحوار:

 

أبـــدأ الحـــوار مــن مــذكــراتــك الــتــي تم إصدارها تحـت عـنـوان «صـفـصـافـة»، حيث لفت انتباهي جرأتها الشديدة، التي أعادتني إلى مذكرات أصدرها المفكر الكبير الراحل د.جلال أمين، والتي كانت لا تقل جرأة.. فهل سبب ذلك هو انتماؤكما لمدرسة فكرية واحدة وهى «اليسار»، أم أنه يعود إلى طبيعة المذكرات نفسها، والتي يجب أن تكون جريئة؟

 

 لم تنتظر إكمال السؤال وقالت: بالطبع الأمـر يعود لطبيعة كتابة السيرة الذاتية، فيجب على مـن يكتب سيرته الذاتية أن يتحرر من كل القيود الاجتماعية والنفسية، وإلا ستخرج مذكراته مجرد كلام عمومى ليس له قيمة، فالصدق والصراحة يخلقان القيمة لأى مذكرات.. وفكرة كتابة المذكرات تراودنى منذ فترة طويلة، واستشرت الراحل د.جلال أمين حول إلى أى مدى يكون الإنسان صريحا فى كتابتها، فكان رده: إلى أقصى مدى دون ان تضعى فى الاعتبار المشاكل التى قد تواجهك، ومنها أن البعض قد يقاضيك، وأن نصف أقاربك قد يقاطعوك.  

 

مخاوف القطيعة العائلية

 

 صراحة أن ما قاله لك د.جلال أمين جاء في ذهني وأنـا أقـرأ المذكرات، فقطعا وصف الأب فيها بالبخل، قد يتسبب في قطيعة عائلية؟

 


 تبتسم قـبـل أن تـقـول: هــذه لـم تسبب مشكلة، ولكن حدثت مشكلة مع شقيقي نجحت في تجاوزها، فهو لم يستسغ تطرقي إلى المقارنات التي كان يعقدها أبى بيني وبينه، بسبب تفوقي منذ الصغر، وإشارتي في المـذكـرات إلـى أن ذلـك سبب لـه نوعا مـن التوتر الاجتماعي، الذي نجحت مع والدتي فى احتوائه.. وهذه فرصة لأرسل نصيحة لكل بيت مصري: إياكم والمقارنات بين الأخوة، فهي تسبب توترا اجتماعيا قد يصعب احتواؤه.

 

 

ربما تكون صراحة المذكرات مفيدة فى الخروج بمثل هذه النصائح؟


 تومئ بالموافقة قبل أن تقول: طبعا، وهذه هى قيمة المذكرات. 

 

 ولكن ألم يكن من اللائق التجاوز عن الإشارة لبخل الأب، لأني صراحة لم استسغ أن يتحدث أحد عن بخل والده، حتى لو كان حقيقة؟ 


تومئ بالرفض قبل أن تقول وقد أصبحت نبرة صوتها أكثر انخفاضا: بخل والدي من الأمور التي جرحتني نفسيا في صغري، لذلك لم استطع تجاوزها في المذكرات، لاسيما ًا جدا بشكل يفوق انه كان ً شخصا ميسور عائلة والدتى التى تربيت فى كنفها وكانوا على النقيض كرماء جدا. وتصمت لوهلة قبل أن تقول وقد ظهرت مسحة حزينة على وجهها: البخل شيء بشع جدا، وهو أحد أسباب طلاق والدتي، التى عاشت فى بيت كل ما يهم أفراده هو الحفاظ على الأرض.

 

 

وتـضـيـف: لكنى كنت موضوعية جـدا، وأعطيته حقه فى أكثر من موضع، ومنها انــه منحنى الفرصة لاستكمال تعليمي، ورفض زواجى مبكرا من ابن عمتى لتفوقى الدراسي، وعندما ذهبت له وأنا بالجامعة خائفة من اعتقالى بسبب انتمائى لليسار، خفت ان يعنفني، لكنه أثنى على أن ابنته لها موقف سياسي، وقام باحتضانى والدموع تنهمر من عينيه قائلا إنى رفعت رأسه، فهو وإن كان بخيلا فى المال، لكنه لم يكن بخيلا فى العواطف.

 


تكريم «صفصافة»

 

 حسبما قــرأت فـإن عـنـوان «صفصافة» الذى تم اختياره للمذكرات هو اسم جدتك «خالة الوالدة»،فلماذا لم يقع اختيارك مثلا على اسم الأم « بهية»؟


 تظهر مشاعر الحماس على وجهها قبل أن تقول بنبرة صوت أكثر ارتفاعا: بعد انـفـصـال والـــدى عـن والـدتـى تربيت فى مرحلة التأسيس فى بيت عائلة والدتى بالصعيد، ولعبت «صفصافة» دورا مهما جـدا فى هـذه المرحلة، فهى من علمتنى الصلاة، وكانت تشرف على تربيتي، ومنها استلهم إلى الآن الإرادة والعزيمة، فهذه السيدة رغم أنها ضريرة، كانت تدير كل أمـور البيت، وتعرف كل صغيرة وكبيرة، ولديها ذكاء فطرى فى إدارة العلاقات مع الأقـــارب، فتعرف من جـاء لزيارتنا صلة للرحم، ومن جاء من أجل مصلحة، ومن جاء لمغازلة الخادمات، فكان من الواجب أن أمنحها هذا التقدير، وهو أقل ما يمكننى أن أفعله تجاه ذكراها.

 


ومـــاذا عـن الأم، ألــم يـكـن لـهـا دور فى حياتك لا يقل عن دور الجدة «صفصافة»؟ 

 


بعد مرحلة التأسيس التى كـان الـدور الكبير فيها للجدة « صفصافة»، انتقلت إلى القاهرة، حيث كانت أمى تقيم هناك فى منزل أسرتها، وقد لعبت أمى دورا مهما فى الإنفاق على تعليمى وتأسيسى الفكرى، ويحسب لها أنها رغم اختلافها معى فكريا، حيث كانت من بيت وفدى وطبقة بروجوازية، إلا أنها لم تعارض انتمائى الفكرى لليسار.

 

الدين واليسار


اسـمـحـى لـى فـى الـتـطـرق لأمــر قـد لا يـحـب الـبـعـض الحـديـث عـنـه، وهـو مساحة الدين فى الشخصية، حيث لفت انتباهى قـولـك فـى حــوار مـع مجلة «صـبـاح الخـيـر» عدد٢٢يوليو٢٠١٤، أن زيارتك لقبر الرسول منحتك راحة كبيرة، ألا يبدو هذا التصريح غريبا على المنتمين لليسار، الذين يرتبطون دوما فى الأذهان بأن مساحة الدين لديهم محدودة أو تكاد تكون منعدمة؟

 

قابلت سؤالي بابتسامة غير متوقعة، قبل أن تقول: تربيت في الأسـاس تربية دينية من خلال جدتي «صفصافة»، كما قلت لك فى البداية، وهذا لا يتعارض مع انتمائى للفكر اليساري، الذى تجذر فى شخصيتى منذ الطفولة، فقد كنت ألعب مع أقاربي، ولكنى كنت ألحظ الفوارق بيننا، فأنا أتناول طعام الغذاء يوميا لحوم وفطائر، وهم يأكلون الخبز الجـاف، وكنا نشعل الكلوبات ليلا، وهم يشعلون وسائل الإضاءة التقليدية جدا، وفى أحد الأيام حاولت أن أعطف عليهم، فوضعت نصف حمامة فى جيب فستاني، كى أمنحها لهم، فلاحظت ذلـك «الــدادة» الـتـى كـانـت مسئولة عـنـي، فـكـان نصيبى «علقة» ساخنة، وهى تصرخ «عايزه تديها للمقاطيع».

 

وتـشـيـر إلـــى جبهتها قـائـلـة: دفعتنى «الــــدادة» إلــى الأمـــام فارتطمت جبهتى بجزء مدبب من الحائط، تسبب فى اصابة استدعت نقلى إلى المستشفى، وظل هذا الموقف عالقا فى ذاكـرتـي، ومـا تبعه من حـوارات مع جدتى التى سألتها لماذا هم فـقـراء ونـحـن أغـنـيـاء رغــم أنـنـا أقـــارب، فقالت لى « وخلقناكم فوق بعض درجات»، ووقتها لم استطع فهم هذه العبارة، ولم أفهمها إلا وأنا فى الفرقة الثانية بالكلية، حيث قـرأت وقتها كتاب «أصـل العائلة» لـفريدريك أنجـلـس، والــذى قـال فيه ان العائلات تربطها علاقة الــدم، ولكن لا تربطها علاقات اقتصادية واجتماعية، يعنى تستطيع ان تقول إن الـواقـع الذى عايشته فى طفولتى بالصعيد قبل الانتقال للقاهرة، و«العلقة» التى كانت عقابا على تعاطفى مـع الـفـقـراء، هـمـا الـسـبـب فى انتمائى للفكر اليساري، فأنا لم استمده من الكتب، ولكن من الواقع الذى عايشته. 

 

 

ولمــاذا فـى رأيــك تـتـهـمـون بــأن مساحة الدين لديكم محدودة، بل قد يصل الاتهام إلى حد وصف بعضكم بـ «الملحدين» ؟


 ترتفع نبرة صوتها وهى تقول: هذه من الدعاية المضادة للفكر الاشتراكى التى قام بترويجها الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، فهم يريدون تشويه هذه الفكر ولن يجدوا أفضل من الطرق على منطقة الدين، لكن « احنا مش كفار»، وبالنسبة لى انا تربيت تربية دينية ومن ظهور هذه النزعة فى شخصيتى تم اختيارى أثناء دراستى فى المرحلة الثانوية للمشاركة فى افتتاح مسجد المدرسة، وهناك مواقف صعبة كثيرة مرت فى حياتي، وأناجى االله بأن يساعدنى فى حلها، عندما تعجزنى الحيل، ولم يخذلنى أبدا، وتستطيع أن تقول إنـى من أنصار مدرسة اعمال العقل فى تفسير النص الديني، لذلك فأنا من محبى الشيخ محمد عبده ومن بعده رشيد رضا، والشيخان محمود شلتوت وعبد المتعال الصعيدي. 

 


كتاب الأزمات من القضايا المهمة التى أخـذت زخما فى الصحافة ولم تعطيها مساحة كبيرة فى مذكراتك، هو اتهامك بسرقة مضمون كتاب « الصحافة الصهيونية فى مصر» من رسالة للباحثة د.سـهـام نـصـار، هـل تفاصيل هذه القضية تزعجك؟


 تطلق تنهيدة عميقة استعدادا لحديث طويل، بدأته بقولها: قصة هذا الكتاب الذى سبب لى أزمات كثيرة، بدأت أثناء اعدادى لرسالة الـدكـتـوراة وكـانـت عـن الصحافة المصرية والقضية الفلسطينية، حيث رصدت نفوذ صهيونى فى بعض الإصــدارات التى كانت تصدر فى مصر، ولكن استاذى د.محمد أنيس، نصحنى بألا أقحم هذا الموضوع فى الرسالة، واحتفظ بالمعلومات التى جمعتها لإصـــدار كـتـاب يـوثـق لهذا الأمــــــر بــعــد مـنـاقـشـة الدكتوراه.

 

وبالفعل أعددت الكتاب الذى رصدت فــيــه كيفية توغل المنظمة الـصـهـيـونـيـة العالمية فى الصحافة، من خلال مندوبهم فى مصر وهو «ليون كاسترو» سكرتير سعد زغلول، وكيف استطاعوا خداع بعض المثقفين ومنهم طه حسين، الذى كان يرأس تحرير مجلة الكاتب، وكشف تحليل المضمون الذى قمت به، كيف أن المجلة كانت تكتفى بأربعة أسطر فى الإشارة لما يحدث فى فلسطين، معتبرة أن معارك النضال التى كانت تتم هناك مجرد اضطرابات وحوادث فردية.. وبالطبع آثار ذلك غضب البعض الذى تصور أنى اتهم عميد الأدب العربى طه حسين بأنه داعم للصهيونية، ولكنى لم أقل ذلك فقد أحزننى انه تعرض للخداع.

 

 


وماذا عن اتهامك بسرقة المضمون الذى سبب لكى كل الأزمات؟


 تبتسم ابتسامة سـاخـرة قبل أن تقول: سأحكى لـك موقفا يشهد عليه كثير من الزملاء، حيث جاءنى موظف من الرئاسة موجها لى دعـوة لحضور لقاء المثقفين مع رئيس اسرائيل اسحاق نافون، أثناء زيارته لمصر فى أكتوبر عام ١٩٨٠ ،وكان ردى عليه : أنتم جئتم فى العنوان الخاطىء، فأنا ضد الصهيونية والتطبيع، فكان رده : مش انتى طلعتى كتاب عن «الصحافة الصهيونية»، فقلت لهم نعم، فرد: ده ثمنه غالي، فكان ردى عليه بسذاجه: د ثمنه جنيه وربع، فنبهنى من حولى أنه يقصد أنى سأدفع ثمن إصداره، وقد كان، فأنا اعتبر هذا الكتاب أحد أسباب اعتقالى فى اعتقالات سبتمبر عام ١٩٨١.

 

هل معنى ذلـك ان كبار الكتاب ومنهم رجاء النقاش والسيد ياسين، الذين اتهموك بذلك، كانوا مدفوعين لهذا الأمر؟ 


ربما اختلط عليهم الأمر، لأنى درست نفس الصحف التى عملت عليها د.سهام نصار التى ادعـوا انى نقلت منها، ولكنى تناولت الصحف بطريقة مختلفة من خلال تحليل مضمون ما جاء بها، وكانت هناك محاولات للنيل من سمعتى الأكاديمية، ولكنى دافعت عن نفسى دفاعا شرسا، وأثبت دقتى وأمانتى الأكاديمية، وهذه من المعارك التى توليت فيها مسئولية الـدفـاع عن نفسي، ولكن هناك معارك أخرى بعد خروجى من المعتقل ربحتها جميعا بمساعدة ٥ محامين أكفاء، حيث كانت هناك محاولات لإبعادى عن الجامعة. 


هيكل والرؤساء


  ما أعلمه أن مبارك عندما التقى بالمفرج عنهم من المعتقلين بعد توليه المسئولية عقب اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، منح بعضهم، وعلى رأسهم الكاتب محمد حسنين هيكل حرية الاتـصـال به فى أى وقـت، فهل لم تكن لك هذه الميزة، حتى تطلبين دعمه لاجهاض محاولات ابعادك عن الجامعة؟


 تشعر بحالة من الغضب بدت على وجهها عند ذكر اسم هيكل، قبل أن تقول: طبيعى ان مبارك يطلب منه هذا الطلب، فقد كان يريد أن يستخدمه، كما استخدمه السادات من قبل فى ما أطلق عليه « ثورة التصحيح» لضرب مراكز القوى فى مايو ١٩٧١ ،فهيكل كان مهندس هذا العمل، لأن مراكز القوى لم تكن تحبه، فتلاقت رغبته مع رغبة السادات، ولكن السادات لم يكن يحب هيكل منذ كان نائبا للرئيس عبد الناصر، وأدخله السجن مع المعتقلين تصفية لحساب قديم.

 

 

 لـم تجيبي على سـؤالي بخصوص الميزة التي منحها لكم مبارك عند لقائه؟


 لـم أكـن مـن الـذيـن التقوا مـبـارك، فقد خرجنا مـن المعتقل على دفعتين، وكانت الدفعة الأولى هى التى التقت مبارك، أما الدفعة الثانية التى كنت منها، فلم نلتقيه.

 

 تجربة الاعتقال

 


  أشـعـر دائــمــا بـحـالـة مــن الـفـخـر تـبـدو واضحة على وجهك عند التطرق لتجربة الاعتقال؟ 


تضحك قبل أن تقول وقد امتلأ وجهها بمزيد من مشاعر الفخر: بالطبع، فتجربة الاعتقال، كانت تجربة «هايلة». 

 

تجربة هايلة ؟!.. هل هذا وصف يليق بالاعتقال؟ 


تخرج الكلمات من فمها سريعة: تجربة هايلة لأنى كنت صاحبة قضية، وسجنت لأنى آمنت بها ودافعت عنها، وهى رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني.

 

 ذكرت فى مذكراتكأن التهمة التى كتبت فى أوراق اعتقالك هى التخابر مع الاتحاد السوفيتى؟ 


تظهر مسحة من الحزن على وجهها قبل أن تقول: فى البداية كان الاتهام هو إثارة فتنة طائفية، وهــذا الأمــر أحزننى جـدا، لأنه فى طفولتى بالصعيد كان منزل جارتى القبطية ملاصقا لمنزلى يفصلنا جـدار واحد، فكيف يتهمونى هذا الاتهام الشنيع، حيث شعرت حينها وكأنهم جـاءوا بمنشار وشقوا قلبى وقلب مصر إلى شقين، وكان بعض المحيطين بى يحاولون تهدئتى بالقول: أفضل ما يتهموك بالتخابر، فهذه عقوبتها اما الإعدام أو السجن المؤبد، وكنت أرد عليهم هذا أهون عندى من تلك التهمة، وفوجئت بعد ذلك أنهم أعـادوا توصيف تهمتى إلى تخابر مع الاتحاد السوفيتي.. وتختفى مسحة الحزن من وجهها لتطلق ضحكة عالية، قبل ان تقول: من المواقف الطريفة التى حدثت أنه أثناء التحقيق سألنى المحقق : هل رأيت ضباطا من الاتحاد السوفيتي؟.. فكان ردى السريع عليه ؟ نعم.. فسألنى مجددا : أين التقيت هؤلاء الضباط؟ فرددت عليه قائلة : حضرتك سألت هل رأيت وانا قلت نعم، ولكنى لم ألتق.. فنظر لى وقد شاط غضبه: أيـن رأيـت الضباط، فقلت له : فى أفلام الحرب العالمية الثانية بسينما أوديو.


وما هى تفاصيل الرسالة التى أرسلتها والدتك للسادات بعد اعتقالك، فقد ذكرت فى احد حواراتك ان هناك رسالة أرسلتها والدتك، لكن لم تكشفى عن تفاصيلها؟


 هى كانت رسالة شفهية قاسية، فبعد اعتقالى زار بيتنا اثنان من الضباط برتبة عقيد، وجاءا ليطلبا من والدتى ان تقنعنى بكتابة خطاب اعتذار حتى أخرج من المعتقل، لكنها صرخت فيهما أنها فخورة بى وبموقفى المعادى للكيان الصهيوني، وطلبت منهما أن يعودا للسادات ويخبراه ان عواطف التى يعتقلها هى ابنة شقيقة محمد فهمى الذى أواه عندما صدر عليه حكم بالإعدام عام ١٩٤٤ فى قضية أمين عثمان. 

 

 

 أعــلــم ان تجــربــة الاعــتــقــال مـلـيـئـة بالتفاصيل الـتـى تحـتـاج لأكـثـر مـن حــوار، لـذلـك دعـيـنـى انـتـقـل منها إلــى قـولـك فى أحــد الحـــوارات أنــك تـتـحـدثـين يـومـيـا فـور الاستيقاظ من النوم إلى مانديلا وجيفارا وغاندي، فهل انضم آخرون لهذه القائمة؟ 


تطلق ضحكة عالية قبل أن تقول: طبعا القائمة بها آخـرون، ولكن بمناسبة « تشى جيفارا» زعيم الثورة الكوبية، فقد حزنت حزنا شديدا عند وفـاتـه، لأن علاقتى به لم تكن مجرد القراءة عنه أو مشاهدته من بعيد، ولكنى جلست معه ٨ ساعات عند زيارته لمصر، وارتديت ملابس الحداد لفترة طويلة، حتى أن زوجى غار من ذلك، وقال: إذا كنت تفعلين ذلك عند وفاة جيفارا، فماذا ستفعلين عندما أموت؟ 


 وماذا عن القائمة الصحيحة؟


القائمة تضم بالطبع أمي، فهى أول صورة أتحدث معها صباحا، ثم صورة لبائعات الخبز فى اليمن، وهى لقطة مؤثرة جدا تعكس كفاح المرأة ونضالها، ثم جيفارا ومانديلا وغاندى وعبد الناصر وخالى الطيار المدنى محمد فهمي، وهو احد أعضاء الفريق المدنى لثورة يوليو ١٩٥٢ ،وكان يستضيف أعضاء مجلس قـيـادة الــثــورة فـى مكتب جــدى «٤ ميدان عـرابـي»، وجـاء انضمامه للثورة من خلال علاقة الصداقة التى كانت تربطه بالطيار الحربى حسن عـزت، وكـان هذا الطيار هو الذى عرض على خالى مشكلة أنور السادات عندما صدر بحقه حكم بالإعدام، وعرض استضافته عـنـده.. وكـان خالى على علاقة طيبة بالرئيس عبد الناصر، ولكن حدث خـلاف بينهما بعد نجـاح الـثـورة، حيث كان خالى يرفض التأميم، ويرى أن الحل الأمثل لتحقيق العدالة الاجتماعية، هوفرض ضرائب تصاعدية، بينما أصر عبد الناصر على توجه التأميم، فخشية أن يتطور هذا الاختلاف، سافر خالى إلى الخارج وترك مصر، وكانت هذه من المواقف المؤثرة جدا فى حياتي. 

 

 ورغم ما حدث بين عبد الناصر وخالك محمد فهمي، تحرصين على الحديث لعبد الناصر صباح كل يوم؟


 ترد على الفور: ما حدث بينهما لم يؤثر على تقديرى لعبد الناصر، لأنى مختلفة مع خالى فى هذا الأمر، فأنا مؤمنة بالتأميم، وأراه إلى جانب مجانية التعليم والإصلاح الــزراعــى وانـشـاء الـسـد الـعـالـي، مـن أهم انجازات عبد الناصر، وإن كنت أعيب عليه فقط أنه لم يحقق الديمقراطية، وتسببت علاقته الشخصية بعبد الحكيم عامر ومحمد حسنين هيكل فى كثير من السلبيات مستقبل الصحافة المطبوعة.

 


 بما أننا انتقلنا فى الحديث إلى العمل الأكاديمي، لا يمكن أن نكون بحضرة كبيرة اساتذة الصحافة دون أن نسأل عن القضية الأكـثـر إثــارة للجدل حاليا، وهـى مستقبل الصحافة المـطـبـوعـة، فهل تتفقين مـع من يقول أنها إلى زوال؟


 تـومـىء بـالـرفـض قبل ان تـقـول بلهجة متحمسة للصحافة المـطـبـوعـة : كـل من تحـدث عن نهايتها كـان مدفوعا بالتبعية للرؤية الغربية، حيث نقل ما يحدث هناك إلـــى واقـعـنـا الــعــربــي، وهــــذا قـيـاس غير عـلـمـي، فـهـى لــن تمـــوت أبـــدا لأن السياق الإجتماعى مختلف، فنسبة الأمية عندنا لا تزال مرتفعة، والفئة التى تتعامل مع الإعلام سواء المطبوع أو الإلكترونى محدودة جدا.

 

هذه الفئة المحدودة سيميل الشباب منها إلى الإلكتروني، بينما غالبيتها يفضلون المطبوع، وإضــافــة إلــى هــذا البعد الاجتماعي، فقد ثبت بعد ٢٠ عاما من بداية الصحافة الإلـكـتـرونـيـة، أنـهـا لا تخلق وعـيـا، وتظل الصحافة المطبوعة هي القائد فى معركة الوعي، وأشعر بأن الشعوب وقيادتها بدأت تــدرك هـذه الحقيقة، بعد زوال الإنبهار بالإعلام الإلكتروني. وتكتسب الصحافة المطبوعة هذه القيمة من خلال كونها هى ملكة مواد الـرأى وما وراء الخبر، وهى ميزة تجعلها متفردة عن الإعلام الإلكتروني، ولكن هذا يقتضى من الصحف أن تولى اهتماما أكبر بهذه المواد، على حساب الخبر، لأن الخبر هو مجال تميز الصحافة الإلكترونية.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة