يوسف القعيد
يوسف القعيد


يحدث فى مصر الآن..

مواجهة العشوائيات

يوسف القعيد

الخميس، 02 يناير 2020 - 07:03 م

أنزعج كثيراً من وصف العشوائية الذى أصبحنا نلصقه، بوعى أو بدون وعى، بكثير من أمور حياتنا. مع أن العشوائية حسب معاجم اللغة العربية التى تمتلئ بها بيوتنا. ولا نعود إليها إلا عند الضرورة. «وهذا قصور وتقصير». كلمة العشوائية مشتقة من فعل عشُوَ وعَشا عَشْواً. وتعنى من ساء بصره بالليل والنهار. أو من أبصر بالنهار ولم يبصر بالليل.
فالعشاوة هى سوء البصر ليلاً ونهاراً. أو ليلاً فقط. وتستخدم للتعبير عن انعدام الغرض والغاية. فالعشوائى يعبر تماماً عن هذا المعنى من فقدان الهدف أو السبب أو الترتيب. بمعنى أن العشوائية فقدان التخطيط. ويستخدم مصطلح العشوائية مع كثير من المصطلحات المتعلقة بخواص إحصائية قابلة للقياس. مثل فقدان الارتباط أو فقدان الانحياز.
ولدينا فى مسميات حياتنا كثير من الأماكن أو الأزمنة أو الأحداث من نطلق عليها بسخاء نحسد عليه وصف: العشوائية. لدينا مساكن وأحياء وطرق وبضائع وخبز ومواقف سيارات ومعديات فى النيل ومواصلات واتصالات ومقاهٍ ودور سينما ومطاعم. أى أن كل هذه الأمور التى تشكل حياتنا اليومية نسبقها أو نلحق بها كلمة عشوائية. ونمارس ذلك براحة ويسر.
كلما مررت فى صباح يوم الجمعة بسوق السيارات فى مدينة نصر. ينطبق عليه ما سبق أن وصفته. سبق أن نُقِل السوق إلى مكان آخر بعيداً عن مدينة نصر. لكن بقى قرار المحافظ حبراً على ورق. لأن المحافظ تم تغييره. والتغيير سنة الحياة. لكن ما هو الحل أمام منجز المحافظ؟ أو الخطط التى فكر فيها؟ أو الأحلام التى حلم بها؟ لأن من يأتى بعده يسير على ما قام به من سبقه "بأستيكة" حتى يبدو أنه بدأ من الصفر.
أعود لموضوعى لأن العشوائيات تشترك فيها العزب والكفور والقرى والمدن الصغرى والمدن الكبرى، وصولاً إلى قاهرة المعز لدين الله الفاطمى. أى أن الأمر تحول لمرض اجتماعى وعرض نفسى ومشكلة حياتية نعانى منها كلما انتقلنا من مكان إلى مكان. أو حتى لو توقفنا فى نفس أماكننا سنجد أن العشوائيات تحاصرنا من كل جانب.
أعترف أن دولتنا المصرية تبنى أسواقاً على أحدث طراز. لكن الناس تحن إلى كل ما هو عشوائى، حتى لو كانت لديهم بدائل ممتازة وجيدة لهذه العشوائيات. فكيف نطارد العشوائيات فى عقولنا وخيالنا قبل أن تطاردها الدولة فى الواقع اليومى؟.
قلت إن الدولة تبنى وتقيم. لكنى لا ألقى على مصر الدولة مسئولية مواجهة العشوائيات وحدها. لابد أن يبدأ الأمر من مصر الناس. مصر الأهالى. مصر الأماكن التى كانت منسية تماماً من قبل الدولة. صحيح أنه يتم البناء على قدم وساق. لكن السلوك اليومى لأصحاب العشوائيات لا يتراجع بسهولة. بل يتوطن فى النفس كأنه وباء لابد من مواجهته.
لا أدرى بماذا أطالب؟ هل بأسبوع لمقاومة - وليست محاربة - العشوائيات وتقديم بدائل لها؟ حتى ولو استمر الناس فى التردد عليها كنوع من الحنين لما تعودوا عليه. فكل جديد لا تقبل عليه النفس الإنسانية بسهولة ويسر. ألا يقلق من هذه الكلمة المسئولون عن التخطيط؟ فالتخطيط وتجلياته أملنا الأول والأخير، وربما الوحيد لمواجهة العشوائية.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة