رفعت رشاد
رفعت رشاد


يوميات الأخبار

طبول الحرب

رفعت رشاد

الأربعاء، 08 يناير 2020 - 06:22 م

كيف لمصر أن تأمن وتشيح بوجهها وكأن الأمر لا يعنيها ؟! إن الخطر على الأبواب لكن مصر تثق فى أن الأشقاء فى ليبيا قادرون على حسم أمورهم لصالح بلادهم وردع الخطر القادم.

الأجواء الساخنة التى تلهب المنطقة تملأ مواقع التواصل الاجتماعى بعبارات ساخنة أيضا عن الحرب هنا أو هناك. الموقف فى ليبيا هو الأقرب لنا من حيث الاهتمام والمصلحة العليا والأمن القومى. شحنة حماس متزايدة بين أهلنا لمساندة وتدعيم الحالة المعنوية لجيشنا ثقة فى رجاله ورغبة فى تأكيد الشعور العام بوحدة الصف. لا سر فى أن حديث الناس كرأى عام يؤكد اطمئنانهم لقدرة جيشنا على ردع كل ما يهدد الوطن. المؤكد أن لا شعب ولا دولة ترغب فى الحرب إلا إذا كانت مجبرة على خوضها لأسباب دفاعية تتمثل فى الحفاظ على الأرض والشعب أو لرد عدوان، وهنا أيضا دول تخوض الحروب بغرض الاعتداء والغزو.
عانى شعبنا من الحروب فى الزمن المعاصر وقد شاهدت كيف كنا فى فزع خلال نكسة 1967 وكيف فرحنا بنصر 1973.
الآن نتحدث عما يحدث فى ليبيا، لا أحد يتمنى الحرب فهى أكثر أفعال الإنسان شرا وفيها الدمار وتراجع التنمية وغير ذلك. صدور بيان من جهة أو أخرى لا يعنى أن مصر تسير الجيوش للحرب، فتسيير الجيوش ليس بالأمر السهل وله مقدمات معقدة، كما أن للحرب الحديثة ألف شكل وشكل ولا تقتصر على الجيوش. الأمر أن مصر تتحسب لأمنها القومى فى مواجهة خصم قادم من أراض بعيدة ليحشر نفسه فى أمور داخلية لدولة عربية شقيقة هى ليبيا لا يفصلها عن مصر شبر واحد، فكيف لمصر أن تأمن وتشيح بوجهها وكأن الأمر لا يعنيها !! إن الخطر على الأبواب لكن مصر تثق فى أن الأشقاء فى ليبيا قادرون على حسم أمورهم لصالح بلادهم وردع الخطر القادم. وفى حالة أن تطورت الأمور يكون لمصر تصرف آخر.
لست فى موقع يسمح لى بالزعم أن هذه معلومات، لكن قراءة المشهد وإدراك قوة الثبات الانفعالى عند الرئيس وقادة البلاد يعطينا الفرصة للتأكيد على أن المغامرات أمر ليس مطروحا على أجندة النظام السياسى المصرى ولا علاقة لذلك بعقدة حرب اليمن التى يحرص البعض على ترسيخها لدينا، ليس لأنها حقيقة ولكن لغرض فى نفوسهم يرتبط بعبد الناصر ومصر فى زمن عبد الناصر. المغامرة ليست مطروحة أقصد أننى على ثقة فى أن كل الأمور محسوبة بحسابات دقيقة وقرار مصر بأى شكل سيكون لتحقيق المصلحة الوطنية العليا وليس استجابة لاستدراج أو استفزاز، فالآخرون هم المستفزون وغير قادرين على السيطرة على ثباتهم الانفعالى وهو أمر سيجنون ثماره السلبية فى الفترة القادمة.
نثق فى جيشنا وفى صواب قرار القيادة السياسية وفى قدرة شعبنا على مساندة قواته المسلحة كما نثق أن الأشقاء فى ليبيا سيقدمون مصلحة وطنهم على أى شىء. لا عقدة لدينا من حروب خضناها من قبل ولا عقدة من نكسة 67 التى أعقبها نصر 73 ومحا آثارها. لم تكن مصر فى يوم دولة معتدية لكنها دائما دافعت عن أرضها وشعبها وبقيت وزال كل من اعتدى عليها.
كريمة السروجى
كنا فى الطابق الرابع بالمبنى الرئيسى لمؤسسة أخبار اليوم. فى بدايات الثمانينيات عندما التحقت بشرف الانتماء لمدرسة الصحافة المتميزة. مكاتب محررى التحقيقات كانت تشغل جزءا من صالة كبيرة تضم أقساما أخرى فكانت وكأنها جريدة أصغر بما تضمه. كان ينتمى لتلك الصالة الأستاذ فايز بقطر العزيز على قلبى رحمه الله والأستاذة مجيدة إبراهيم الأم الحنون والصحفية قوية الشخصية والصديق القريب إلى قلبى مجدى عبد الغنى محرر الداخلية والشرطة المشاغب والأستاذة ثريا حنفى محررة باب العلم وهى من الشخصيات الطيبة وآخرون من الزملاء الذين كانت عشرتهم ومعاملتهم دافعا إضافيا لمواصلة مسيرتى الصحفية.
من بين هؤلاء كانت هناك شابة فارعة الطول رشيقة سمراء بخفة دم مصرية أصيلة اسمها كريمة السروجى. كانت تسبقنى فى المهنة لكنها لم تتعامل معى بتعال كما يفعل بعض القدامى مع الأحدث منهم فى أى مجال للعمل، بل ألغت المسافات والشكليات فاعتبرت نفسى صديقا لها. لم تبخل بنصيحة ولم تتردد فى التخفيف من شكوى ولم تكن تتصرف معى وحدى بهذه الطريقة إنما كانت تعامل الجميع بأسلوبها الذى جعلها محبوبة من الزملاء.
ذات يوم قرر الأستاذ موسى صبرى رئيس التحرير ورئيس مجلس الإدارة طرد جميع الصحفيين تحت التمرين وكنت أحدهم مع آخرين صاروا بعد ذلك من مشاهير ونجوم الصحفيين والإعلاميين. بالتوازى مع محاولاتى العودة للأخبار توسط لى صديقى الجميل حازم الحديدى لدى أستاذى العزيز المرحوم محمود خطاب بجريدة الجمهورية العدد الأسبوعى لكى أعمل معه محررا لباب التليفزيون. وقد سعدت واستفدت كثيرا من فترة وجودى فى الجمهورية وتعرفت على زملاء هناك مازالوا قريبين إلى قلبى. وبمرور الوقت تزايد شعورى باليأس من العودة للأخبار إلى أن كنت أمر فى الشارع الواصل بين شارعى الجلاء والصحافة الذى يعج بالمقاهى حاليا، فقابلت عزيزتى كريمة السروجى التى أبدت سرورها بمقابلتى وقالت إنها كانت تبحث عنى ولم تعرف كيف تتواصل معى، وأكملت: الأستاذة ثريا حنفى طلبت منى ترشيح بعض الشبان للعمل معها فى شغل جديد بالأخبار وقد رشحتك بالفعل وعليك أن تقابلها فهى تنتظرك كما أنها تعرفك جيدا لوجودك معنا فى الصالة الكبيرة.
مضى على هذا الحوار ما يزيد على 35 عاما تغيرت فيه الدنيا كلها لكنى لم أنسه. فى صغرنا نحتاج لمن يمد يده إلينا وها قد مدت كريمة الجميلة يدها بدون أن يكون لها أى مصلحة إلا شعورها بالآخر وهى سمة من أنبل السمات فى الإنسان، أن تمد يدك للمساعدة بدون انتظار المقابل. وعدت للأخبار مع احتفاظى بعملى فى الجمهورية تحسبا لأى ظرف سلبى، وقد حدث بالفعل أن غادرت الأخبار مرة أخرى بإرادتى إلى أن عدت بعد ذلك وحتى الآن. كانت كريمة صاحبة الفضل فى عودتى للأخبار وربما سخرها القدر لكى تعيدنى، لأننى ورغم عدم استمرارى مع الأستاذة ثريا حنفى إلا أن عودتى كانت سببا فى إلحاق زملاء آخرين بالعمل فى الأخبار كان لهم نصيب الاستمرار وصاروا من القادة والمشاهير حاليا. كل سنة وأنت طيبة وأجمل كريمة فى حياتى.
ارتباك فى الأحزاب
عشت داخل الحياة الحزبية سنوات طوالا كنت ممارسا وصحفيا متابعا فعرفت الكثير مما يدور فى كواليس الأحزاب التى كانت محدودة العدد فى الثمانينيات. كان الحصول على قرار بتأسيس حزب بمثابة فتح كبير على (صاحب) الحزب الذى كان يتمتع بمزايا غير تقليدية، فقد صار له حصانة من نوع ما ويتمتع بالدعم المالى الحكومى للحزب ويصرح له بإصدار أى عدد من الصحف بدون تعقيدات، لدرجة أن حزبا ما كان له ما يقرب من 15 جريدة لا يعرف عنها أحد شيئا، وكان رئيس الحزب ضيفا فى غالب لقاءات رئيس الجمهورية وغيرها من المناسبات الرسمية. صار وقتها الحصول على حزب ولو بالشراء أمرا عظيم الفائدة.
مرت الأيام وصار عدد الأحزاب حاليا يزيد على المائة لكن وكما كان يقول المثل الشعبى (العدد فى الليمون ـ عندما كان الليمون يباع بالشوال). لا يظهر على ساحة الممارسة الحزبية سوى عدد محدود من تلك الأحزاب بينما البقية صارت كما يطلق عليها فى الوسط الحزبى عبارة عن (أوضة وصالة) أى مكان يجتمع فيه بعض ممارسى السبوبة وليس الحزبية ينشط بعضهم للحصول على مكاسب من أى نوع، فلا عقيدة حزبية ولا فكر ولا تدريب ولا تخريج كوادر ولا سعى لكسب الأنصار بين الجماهير، بل إن النسبة الغالبة من قيادات الأحزاب لم تمارس العمل السياسى من قبل ولذلك صارت الممارسة الحزبية سمك لبن تمر هندى، ونظرا لأن هذه الأحزاب عديمة الجدوى فإن لجنة الأحزاب أو الحكومة لا تهتم بها ومهما كانت ممارساتها أو الصراعات داخلها فإنها غير مؤثرة.
حتى الأحزاب القديمة شاخت وتصدعت جدرانها ولم يبق منها إلا صور قادتها القدامى معلقة على جدران المقرات الكالحة التى فقدت الحياة. بل إن حزبا حديث التأسيس اكتسب شهرة ودفعة من أحد كبار رجال الأعمال وحصل على مقاعد برلمانية، انهار بسبب صراعات داخلية خان خلالها رئيس الحزب الحالى كل من ساهم بجهد فى تأسيس الحزب وضرب الجميع وأغلق على نفسه مأزوما فتسرب النواب أعضاء الحزب وذهبوا إلى حزب آخر. وفقد هذا الحزب أى تأثير له فى البرلمان بسبب رعونة قياداته.
هذا العام حاشد بالانتخابات البرلمانية والمحلية، ولو استمر حال الأحزاب بهذا الشكل لما وجد الشارع الكوادر التى تستحق أن ينتخبها، فقد انشغلت الأحزاب الملقبة بالأوضة وصالة فى تشغيل السبوبة ونسيت دورها فى إعداد الكوادر والقيادات التى يختار منها الوزراء والمحافظون ونوابهم والقيادات الأخرى فى المواقع المختلفة. لست من أنصار إغلاق الأبواب أمام الانتشار والممارسة السياسية الواسعة لكن لا يجب أن تترك الحبل على الغارب للأحزاب فأصحابها لهم مصلحة فى استمرارها بهذا الشكل وكل ما يهم هؤلاء هو التفاوض للحصول على مقعد برلمانى لرئيس الحزب ولو استطاع لأخذ مقعدين أحدهما له والآخر لابنه أو لزوجته ولا يعنيه المصلحة العامة ولا خدمة البلاد. لابد من قواعد لاستمرار الأحزاب الضعيفة جدا ووضع شروط لهذا الاستمرار وإذا فقد أى حزب هذه الشروط يتم إلغاؤه وتسريح القائمين عليه لأنه بلا جدوى، بل باب مفتوح للفساد ونشر الضعف فى الحياة السياسية.
خديجة عفيفي
عرفت الأستاذة خديجة عفيفى مدير تحرير الأخبار التى رحلت عن عالمنا بالأمس منذ سنوات طويلة قبل أن تلتحق بالقسم القضائى. اقتربت منها أكثر بعدما جاء شقيقها محمد عفيفى وكيل الوزارة بالتعليم العالى حاليا للتمرين بقسم التحقيقات الصحفية فى بدايات الثمانينيات فتصادقنا وكان قريبا إلى قلبى. التحقت بالقسم القضائى بعد سنوات مارست العمل خلالها فى أقسام أخرى ورغم ذلك اجتهدت بحب للمهنة لكى تحقق لنفسها مكانة متميزة فى عملها، وقد نجحت فى ذلك إلى درجة أن علاقاتها كانت تسمح لها بالحديث إلى أى مصدر أو مسئول كبير فى أى وقت وبكل الاحترام المتبادل. ورغم أقدميتها إلا أنها كانت تعمل كأى زميل شاب وبنفس جهده ولا تهدأ إلا بعد أن تطمئن على عملها. رحم الله خديجة عفيفى رحمة واسعة.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة