صالح الصالحى
صالح الصالحى


يوميات الأخبار

افتح المندل

صالح الصالحي

الأربعاء، 29 يناير 2020 - 08:05 م

فى الطريق المسدود قد تمارس رياضة الكذب أو تفتح المندل.. لكن المهم ألا ينتهى الدرس وأنت غبى.. فالرسوب لمرة واحدة.

كثير من الأمور فى حياتنا.. بل كثير من الاسئلة أعجز عن الاجابة عليها. وأتصور أننى مثل كثير من الناس إلا من يدعى علمه ببواطن الأمور.. فأجد من يحاصرنى بالاسئلة فى أمور قد يظن البعض أنى لدى معلومات عنها.. أحيانا أفتى تجنبا للاحراج.. لأنى على يقين بأن من يطلب منى المعلومة يتوهم فىّ أنى أعلم وأعلم وعلىّ أن أقدم الاجابة.. وقد تكون الإجابة مخيبة لآماله إذا كانت لا أعلم.. وأنا والله العظيم لا أعلم بالفعل.. لكنى مثل الكثير من المصريين اخجل أن أقول لا أعلم.. وبسرعة ارتدى عباءة الفتوى وأشبك الكلام بجوار بعضه.. ويا سبحان الله أجد نفس تأليفاتى عادت إلى مرة أخرى وكأنها حقيقة.. الأمر.. بالنسبة لى لم يتوقف عند هذا الحد.. فأمور عديدة أنا شخصيا أود أن أعرفها ولا سبيل لمعرفتها سوى أن أجلس مع نفسى وأفكر وأفكر.. ولا أجد الاجابة.. حتى تلهمنى نفسى الشريرة إلى طريق الخرافات.. فلم يعد أمامى سبيل سوى ان أفتح المندل.
لكن ماذا يعنى المندل الذى يفتحه الشخص ليعرف المستخبى؟
فى تقديرى ان المندل هو الفأل.. مثل تقطيع الوردة بنعم ولا أو إدارة الراديو على أغنية آخذ منها الفأل الحسن أو النحس وهكذا..
وما الأمور التى ألجأ فيها لفتح المندل؟.. فى الوقت الحالى هو سؤال واحد لا ثان له.. يتردد على لسان كل الزملاء فى الوسط الصحفى والإعلامي.. التغييرات فى المؤسسات الصحفية والإعلامية.. متي؟
كل هذه المقدمة الطويلة التى سردتها للإجابة عن هذا السؤال.. نعم وأطول منها! فلا حديث يعلو على هذا السؤال.. حتى وان تم اطلاق الاسماء التى تتولى المناصب كل فترة زمنية.. وبعدها تهدأ الأمور لتعاود الاطلاق مرة أخري.
بعدما فتحت المندل اؤكد لكم ان لا أحد على مستوى الزملاء يعرف موعد التغييرات فى المؤسسات الصحفية والإعلامية.. وكل ما يتردد مجرد اسماء تطلق من شلل المنتفعين.. وربنا يوفق الجميع.
انتهى الدرس يا غبي
مازلت أتذكر مسرحية انتهى الدرس يا غبى للفنان محمد صبحي.. كنت اشاهدها فى طفولتى تعرض على شاشة التليفزيون.. وكثيرا ما حاولت أفهم الهدف من هذه الرواية التى تتعرض لشخص عمره العقلى أقل من عمره الحقيقي.. وكم تحدى به الطبيب ليعلمه الدرس.. فقط كان يتسابق مع الفأر ليحقق درجات من الذكاء تفوق الفأر فى الفوز فى المتاهة.. وحينما يصل للنهاية ينهار ويعود لطفولته العقلية بدرجة أشد قسوة.. الحكاية باختصار ان الدرس يستوعبه الانسان فى حياته فى حينه.. ولا يجوز أو يسمح له بالتخلف عن موعده.. فقد ينتهى الدرس دون أن يلحق به غير الفاهمين.. حياتنا دروس صعبة وسهلة.. لكن معيار الصعوبة من عدمها يحدده الشخص بقدراته العقلية.. فقد يكون الدرس صعبا على شخص وسهلا  يسيرا على آخر.. لكن حكمة الدرس لمن يتعلمها.. فقد تدفع الثمن إذا لم تفهمه.. وقد تعوض خسارتك أولا تعوضها.
نعمة الفهم منحها الله لأنبيائه.. فحينما مدح سيدنا سليمان قال له «ففهمناها سليمان» اذن نعمة الفهم عظيمة.
اذا كان الغبى من لا يتعلم من الدرس.. فالأغبى منه يرى الدروس تتكرر فى حياته ويرسب ولا يتعلم.. والناس فى حياتنا انواع وأصناف منهم الناجح وقد يصل للتفوق من كثرة تكرار نجاحه وانتقاله من نجاح إلى نجاح  فى دروس الحياة..  وآخر راسب شكله وتصرفاته تظهر على وجهه الفشل.. وتضيع من بين يديه الفرصة تلو الأخري.. وربما يمكث فى مكانه ولا يتحرك ولا يتعلم شيئا ولا يدري حتى ان الدرس انتهي!!.
نعيش حياتنا باحثين عن الفرص التى تغير وجه الحياة للأفضل.. ربما تسرقنا الدروس فتأتى إلينا وتذهب دون أن ندرى أن الفرصة جاءت فى شكل درس وامتحان.. وربما انتظرناها ولم تأت.. ونتوق للدرس الذى نجتازه، ليغير وجه حياتنا.. وربما نسعى ونسعى ظانين اننا فى الاتجاه الصحيح وبعد مرور اعمارنا نكتشف اننا فى الطريق الخاطيء ولم يتبق لنا وقت لنحصل على ثمار الدروس.. فالاقدار قدلا تمهلنا ان ندخل لحلقة الدرس مرة أخري.. وبانتهاء الوقت نخرج من القاعة ويأتى غيرنا ليدرس.. وقد يكون أفضل أو أسوأ لكن الدور جاء عليه ويجب أن يتبوأ مقعده مثلما تبوأ سابقوه.
معظمنا قد يدخل مدرسة الحياة ويخرج منها طالبا لا خريجا.. وقد يظل فى هذه الحياة فى مرحلة محو الأمية.. لا يزال يضربه المعلمون ويعاقبونه.. فهو قاصر لم ينضج بعد.. وقد يستوعب الدرس ويقوى وينتقل للصف الاعلي.
دروس الحياة لا تنتهي.. قد تكون طالبا نابها.. وقد تكون العكس لكن المهم الا تغتر فلا أحد يخرج من هذه الحياة بشهادة تخرج.. فأنت تظل فيها طالبا حتى ينتهى أجلك.. ويوم تخرجك تحصل على شهادة وفاتك.. لكن المهم ألا تخرج منها غبيا.. وتكون عبرة للآخرين الفاهمين.
كثيرا ما نندم وقليلا ما نصحح اخطاءنا.. لان الأسهل لأنفسنا أن نستمر فيها فالتغيير وتصحيح الأوضاع أمر صعب يعارض الطبيعة البشرية.. فالجهاد يحتاج إرادة ومجهودا قد يكون لدى البعض أو لا يكون.. شهادتك تكتبها بنفسك.. وترتيبك تحدده نتيجة دروسك التى خضتها.. الحياة لا تسمح لأحد بإعادة الامتحان.. فمرات الرسوب واحدة فى كل امتحان.
الطريق المسدود
لا أدرى لماذا يتملكنى اليوم التأثر بالروايات فى السينما والمسرح.. لكن رواية الكاتب إحسان عبدالقدوس «الطريق المسدود» والتى جسدتها على شاشة السينما فاتن حمامة.. حيث رفضت الانحراف مثل أمها وشقيقاتها.. وذهبت لتعمل مدرسة فى مدرسة بقرية صغيرة.. ووجدت نفس الشر الذى هربت منه.. وكأن الطريق مسدود أمامها ـ لتحيا حياة شريفة..  وحينما عادت لحضن أمها وأخواتها روت لهم الحكاية.. إذا بوالدتها هى التى تنقذها بعلاقاتها القوية.. لماذا الطريق مسدود أمام حياة كريمة؟..
فى تصورى أن الطريق لا يفرض علينا.. نحن من نختار الطريق وأى صعوبات تقابلنا فى طريقنا هى علامات.. هناك طرق مسدودة وأخرى مفتوحة أيضا.. وإلا كيف يعيش الناس من حولنا.. لا أحد يتصور أن كل الناس غير أسوياء.. إذا كانت نظرتك هكذا للآخرين.. فهذا يدل على أنك غير سوى أيضا.
حياتنا بها السوى وغير السوى.. طرق مفتوحة وأخرى مغلقة.. طرق الخير وطرق الشر.. وإذا أُغلقت طرق فى وجهك فهناك طرق أخرى ممكن أن تسير فيها.. عليك أن تصحح مسارك وتعدل من وجهتك..
أحيانا نرى أموراً سلبية فى حياتنا.. وقد تكثر هذه الأمور لدرجة إصابتنا بالإحباط.. لا تتعجب هذا حال الزمن من قديم الأزل.. الشر فيه صاحب وجه قاس قد يصل للتوحش، فيفترس أبرياء.. وقد يكون من الحنو واللين مع البعض لدرجة أنه يقول الزمان صالحنى.. لا تغتر بالزمان فاليوم تأخذ نصيبك وغداً العكس، فالدور لابد أن يأتى عليك لتفرح أو تحزن.. ويرحل ليذهب لغيرك..
الطريق قد يكون طويلا يحتاج منك الصبر، وقد يكون صعبا غير ممهد يحتاج منك الاجتهاد والقوة لتجتازه.. وقد تكون محظوظاً لدرجة أنك لا تسير فيه بل ممكن أن تطير وتحلق ولا تشعر بعناء أو مشقة.. فقد تمنح التنزه فى الطريق.. وغيرك كتب عليه السير وربما الزحف.. وقد يكون هناك من لديه وسيلة انتقال متواضعة لكنه محظوظ إذا ما قورن بالسائرين والزاحفين، طريقك لم يكتب عليك.. واختيارك لوسيلة عبوره ترجع لك وحدك.
رياضة الكذب
لكل منا هواية أو رياضة يمارسها.. وبالأدق يعشق ممارستها.. وفى نفس الوقت هناك من يهوى متابعة بعض الرياضات والمباريات ـ سواء كان يمارسها أو لا.. على أية حال هناك رياضات مشهورة ومشروعة نمارسها فى العلن.. وأخرى غير ذلك نمارسها فى الخفاء ليس لشىء سوى الحرج من إعلان ممارستها.. كل الرياضات والهوايات المشروعة تعبر عن الصحة النفسية والبدنية لأصحابها.. فهى تكسبهم لياقات بدنية.. ومنها ما تكسبهم لياقات ذهنية.. ومنها ما تكسبهم الاثنين معا.. ولكن أن يكون لدى البعض منا رياضة الكذب.. فهذا أمر جديد لاحظته فى الفترات الأخيرة من حياتى.. فتجد بعض الناس يهوى الكذب والآخر يحترفه والثالث وصل لدرجة عالية من التقنية فى ممارسته بأن أصبح بالنسبة له رياضة يومية وشبه يومية.. تمنحه من المكاسب والمزايا التى يرى أنها حققت له ما يجعله لا يستطيع أن يستغنى عنها.
فأنت تكذب لبعض أو طول الوقت.. إما على نفسك أو على الأخرين فى صور متعددة.. وبالطبع فأنت تخون نفسك، حتى وإن أقنعتها بالعائد.. فالنفس التى خلقها الله فى أحسن صورة مهما حاول صاحبها أن يلوثها تظل كارهة لأى شىء مخالف لفطرة المولى عز وجل.. ولذلك فصاحبها يصاب بالأمراض التى تنعكس إما فى فقدان الشهية أو النهم الذى يصيبه بالسمنة.. والنتيجة واحدة فى الاثنين هو اختلال النظام الغذائى على عكس الطبيعة.
الكذاب نموذج موجود بيننا فلا يوجد بيننا من لم يكذب ولو لمرة واحدة على الأقل فى حياته.. وعلى الرغم من المبالغة فأتصور أن مرة واحدة نادرة.
عموماً الكذاب تستهويه هذه العادة فتتحول لرياضة.. لأنه شخص يخاف من مواجهة الآخرين بأخطائه.. وقد يكون لصاً يسرق الآخرين فيكذب حتى ينجو من العقاب.. ويكذب ليحصل على ما يريد.. وقد يعلم أن الآخرين يعلمون كذبه.
نسيج الكذاب لا ينتهى.. فالكذب يكون فى سلسلة لا تنتهى.. فنكذب ونرتاح لمن يكذب علينا.. لأننا أصبحنا نكره الحقيقة حتى بعدت بيننا وبينها المسافات.
رياضة الكذب وإن كانت تبدو أنها رياضة خفيفة تتم باللسان بإشارة من العقل ولكنها ثقيلة جداً على النفوس النقية أكثر من رياضة رفع الأثقال والجرى لمسافات طويلة.. صاحبها يمارسها دون أن يتلعثم أو تزيد دقات قلبه من شدة الممارسة.. فقط يغمض عينيه أو بصره هذه معاناته لأنه حينما يكذب يفقد مشاعره الإنسانية وأحاسيسه التى خلقها الله له.. يريد أن يصل إلى عقل من أمامه ولا يهمه قلبه.. فعلاقة القلوب لا يعرفها الكذاب.. يقول ويقول حتى يموت ضميره لتصل به الأمور لشهادة الزور لإلحاق الأذى بالآخرين.
والسؤال هل الصدق مثل الكذب رياضة أيضا؟. الإجابة الصدق عند الصادقين لا يحتاج أى معاناة فهو سلس بسيط عفوى صاحبه مستريح القلب والنفس ولا يبذل مجهوداً عقلياً ونفسياً مثلما يبذله الكذاب الذى يعانى طوال الوقت.
رياضة الكذب لها أيضا بطولات وكئوس وميداليات يمنحها أصحاب هذه الرياضة بعضهم لبعض.. يخوضون فى سبيل الحصول على هذه الجوائز ماراثونا طويلا قد يموتون قبل أن يصلوا لنهايته فتأتى نهايتهم فى أى وقت وتنعدم فرصتهم فى التوبة.. فقط كذاب انتهى أمره.. لا نتذكر له سوى مغالطاته.. فلنقلع جميعاً عن الكذب، فلسنا ملائكة.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة