عبدالله البقالى
عبدالله البقالى


حديث الأسبوع

قدم الإلــهاء والتضليـل

بوابة أخبار اليوم

السبت، 01 فبراير 2020 - 06:55 م

قبل أيام قليلة جدا من انعقاد قمة دافوس الاقتصادية العالمية، التى سوق لها فى السابق باعتبارها إحدى أهم القمم العالمية، التى تبحث عن حلول ناجعة وفعالة لمجمل إشكاليات الاقتصاد العالمي، لكنها مع مرور الزمن تحولت إلى ما يشبه محفلا من محافل تبادل التحايا والسلام والتقاط الصور التذكارية.
قبل أيام من اجتماع العديد من القادة السياسيين وكبار رجال ونساء الأعمال ورؤساء كبريات المنظمات الاقتصادية والمالية العالمية فى بلدة دافوس الصغيرة، التى تتربع فوق قمة جبل يتجاوز ارتفاعه 1560 مترا وتجاور نهر لاندويس بسويسرا، ألقت منظمة أوكسفام العالمية بحجرة كبيرة جدا فى المياه الراكدة لهذه القمة، بأن كشفت عن معطيات وحقائق مذهلة وصادمة تهم إحدى أهم القضايا التى يقولون إن قمة دافوس منشغلة بها منذ سنوات خلت، ويتعلق الأمر بالتفاوت فى المداخيل المالية بين الفئات والشعوب، وهو الاستباق الذى أقحم القمة ومن حضرها فى وضعية حرجة زادت من رفع الغطاء عما تبقى لهذه القمة من مصداقية. فقد كشفت هذه المنظمة الدولية التى تتكون من تحالف عدة منظمات فى الكثير من أقطار المعمورة تهتم بمحاربة الفقر، أن 2153 شخصا فقط فى العالم ممن يسمون بالمليارديرات يملكون أكثر من 60 بالمائة مما يملكه باقى سكان العالم، الذين يتجاوز عددهم السبعة ملايير شخص منتشرين فى خمس قارات عبر العالم، وأن ثروة 1 بالمائة من المحظوظين الأكثر ثراء فى العالم تمثل ضعف الثروة التى يملكها 6،9 مليار من ساكنى العالم، وهذا يعنى من خلال الإحصائيات التى وردت فى التقرير الصادم أن 1 بالمائة من المحظوظين يسيطرون على 92 بالمائة من الثراء العالمى، وأن 22 فقط من الرجال الأكثر ثراء فى العالم فقط يملكون أكثر مما تملكه جميع النساء فى القارة الإفريقية مثلا. وفى فرنسا وحدها كنموذج، فإن سبعة أشخاص من أصحاب المليارات يملكون ما يملكه الأشخاص الأكثر فقرًا، الذين تمثل نسبتهم 30 بالمائة من السكان، وأن 10 بالمائة من الأكثر ثراء هناك يملكون نصف ثروات بلاد الجنرال ديغول، التى يتضمن شعار جمهوريتها كلمة (مساواة). والأدهى من ذلك أن 119 شخصا من بين الذين شاركوا فى قمة دافوس هم من كبار رجال الأعمال من فئة المليارديرات يحتكرون ثروة تصل قيمتها إلى 500 مليار دولار، وهى القيمة القادرة لوحدها على إيجاد حلول جذرية وحقيقية لأزمة كبيرة جدا من الكوارث الاجتماعية، التى يواجهها العالم الحديث خصوصًا فى الدول ذات الدخل المحدود، من فقر ومجاعة وجهل وتشرد وهشاشة اجتماعية وغيرها كثير، وكان البحث عن الأسباب الحقيقية وراء تكديس الثروات لدى مجموعة قليلة من الأشخاص كافية لوحدها لإعفاء المشاركين فى قمة دافوس من متاعب التنقل والحضور فى جلسات تزداد رتابة وانعدام القيمة.
طبعًا، قمة دافوس لا تقترب من مثل هذه القضايا الشائكة وتقتصر عن الحديث فى قضايا عامة فيما يشبه مناظرة فكرية، والدليل أن هذه القمة بلغت من السن عتيا إذ عمرت خمسين سنة كاملة. وفى المقابل فإن الكوارث الاجتماعية والاقتصادية استفحلت وازدادت حدتها حيث أسفرت عن تفاقم أوضاع مآت الملايين من الأشخاص فى العالم، وزادت مساحة الفقر والحاجة انتشارًا لتطال ملايين الأشخاص جذبتهم الظروف المالية الصعبة لتنقلهم من الطبقة الوسطى نحو الطبقة الفقيرة والمعوزة. ولذلك، من الطبيعى أن يتزامن انعقاد قمة دافوس الاقتصادية مع تنامى حركات احتجاجية قوية فى العديد من أقطار المعمورة، وهى كلها حركات احتجاجية بحمولة اجتماعية واقتصادية تطالب بحدود دنيا من الكرامة والحق فى العيش الملائم، كما هو الحال فى الشيلى وفرنسا وإيران وفى دول بالشرق الأوسط، لأنه لم تعد لقمة دافوس ما يكفى من المصداقية لإقناع شعوب العالم بأن القمة تنعقد فعلا لبحث الحلول الكفيلة بالاستجابة لانتظارات البسطاء والفقراء من سكان الكرة الأرضية.
تقرير أوكسفام الذى شد الخناق على قمة دافوس أكد أن النساء فى العالم هن أكثر ضحايا انعدام المساواة فى الدخل، بسبب ما يعتبره خبراء اقتصاديون (سيادة نظام اقتصادى تمييزى بحقهن والذى يحصرهن فى مهن أكثر هشاشة والأقل أجرًا).
ويرى مسؤولو هذه المنظمة الدولية أنه لا يوجد من سبيل للتقريب بين الهوة الساحقة فيما يتعلق بالتفاوت فى المداخيل، غير القضاء على النزاعات والحروب فى العالم واعتماد سياسات عمومية فاعلة تنمى من مداخيل الفئات الأقل دخلا فى العالم، وتفرض مشاركة الفئة الأكثر ثراء فى جهود التضامن عبر الخضوع والامتثال للضريبة وتحصينها لضمان عدم التهرب والإفلات من أداء الضريبة، والرفع من الميزانيات المخصصة لتمويل الخدمات الاجتماعية.
تقرير أوكسفام لم يكن وحيدًا فيما ذهب إليه، فقد عمق برنامج الأمم المتحدة للأغذية الشعور بالقلق من ظاهرة التفاوت فى المداخيل، حينما قال قبل أيام قليلة خلت (إن عددا قياسيا يبلغ نحو 45 مليون شخص فى 16 دولة فى مجموعة التنمية لإفريقيا الجنوبية يعانون من انعدام شديد فى أمن الغذاء بعد موجات متكررة من الجفاف والفيضانات وتدهور الأوضاع الاقتصادية)، وأوضحت المديرة الإقليمية لبرنامج الأغذية العالمى لجنوب القارة الإفريقية أن (أزمة الجوع وصلت إلى مستوى لم نشهد له مثيلا من قبل والمؤشرات تظهر أن الأمر سيتفاقم)، بيد أن صندوق النقد الدولى زاد من تعميق الجراح فى هذا الشأن، إذ قام خلال الأسبوع الماضى بخفض توقعاته للنمو الاقتصادى العالمى للعامين 2020 و2021 وعزا ذلك إلى (تباطؤ أكثر حدة مما كان متوقعا فى الهند واقتصادات ناشئة أخرى).
إذن، لم يعد المشاركون فى قمة دافوس وما شابهها من قمم ولقاءات ومؤتمرات ومنتديات دولية، قادرين على إضفاء شرعية ما على ما يقومون به من أنشطة تكاد تكون سياحية بحمولة تضليلية، لأنه بالقدر الذى تزداد أعداد هذه القمم، بالقدر الذى تتعاظم فيه المعضلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمجتمع البشرى العالمي، جراء نظام اقتصادى عالمى فرضه منظمو هذه القمم والمشاركون فيها.

 

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة