جمال فهمي
جمال فهمي


من دفتر الأحوال

يوم واحد للغلابة

جمال فهمي

الخميس، 05 مارس 2020 - 06:50 م

الشهر الماضى، وتحديدا فى اليوم العشرين من فبراير، حل الموعد السنوى للاحتفال بما سمته الأمم المتحدة اليوم العالمى للعدالة الاجتماعية، بعدما اتخذت الجمعية العامة للمنظمة الدولية فى العام 2007 قرارا باعتبار هذا اليوم يوما لهذا المبدأ الإنسانى الخطير الذى تأخر جدا الاعتراف الأممى به، وإن كان قد أشير فى تواريخ سابقة إلى بعض مقتضيات وشروط تطبيقه (وليس المبدأ نفسه) فى العديد من المواثيق والمعاهدات الدولية، ربما أشهرها «العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية»الذى أقرته الأمم المتحدة عام 1966، لكنه لم يوضع موضع التنفيذ إلا فى العام 1976، أى بعد إقراره بعشر سنوات كاملة.
و.. بعد
فإننى أدرى وأعرف أن الحديث اليوم فى أمر «العدالة» عموما والعدالة الاجتماعية خصوصا، هو حديث مؤلم وموجع بالنظر إلى مستوى المظالم والمآسى الإنسانية المروع المتفشى حاليا فى العديد من المجتمعات البشرية ومنها مجتمعاتنا للأسف، على رغم الرطان والضجيج المشتعل صباح مساء، فى بلادنا على الاقل، عن تلك العدالة الغائبة.
لذلك، فتشت ونقبت فى رأسى طويلا عن شئ يمت بصلة للموضوع ويكون فيه بعض «الطراوة»، وأخيرا اهتديت إلى ما تبقى فى الذاكرة الواهنة من وقائع فيلم «سارق الدراجة»الذى حققه أبرز رواد تيار «الواقعية الجديدة» فى السينما الإيطالية، المخرج والمبدع الشامل «فتريو دى سيكا» (1901 ـ 1974) مفتتحا به ثلاثيتة الرائعة (معجزة فى ميلانو، وإمبرتو دى، إضافة لسارق العجلة) وهى ثلاثية أطلق عليها دى سيكا نفسه وصف «ثلاثية دموع الفقراء».
تجرى أحداث «سارق العجلة» فى العاصمة الإيطالية روما التى كانت خارجة توا من لهيب الحرب العالمية الثانية وهى تجرجر أّذيال هزيمة ثقيلة معجونة بخراب الحكم الفاشى بينما البؤس والحرمان والبطالة يسحقون بقسوة أغليية أفراد مجتمعها المنهك، ومن بين هؤلاء بطل الفيلم العامل «أنطونيو»الذى أضناه البحث عن عمل ليتمكن من توفير حد الكفاف لأسرته، لكنه إذ يجد ـ بشق الأنفس ـ فرصة رزق شحيح من خلال شغلانة مؤقتة تتطلب منه اللف والدوران يوميا فى شوارع المدينة لكى يلصق إعلانات ورقية على الجدران، يكتشف أن الفرصة النادرة قد تضيع إذا لم يتمكن من شراء «عجلة» لا يملك من ثمنها مليما واحدا فيضطر إلى بيع «الحِرامين»أو «البطانيتين» اليتمتين اللتين تتغطى بهما الأسرة فى زمهرير الشتاء، ثم بعد أن يفعل ويشترى «العجلة» تُسرق منه قبل أن يبدأ العمل الذى عقد عليه آماله كلها.
وكما يتمسك الغريق بقشة فإن صاحبنا «أنطونيو»يقرر أن يبحث بنفسه عن عجلته المسروقة فيصطحب صغيره «برونو»معه فى رحلة تستغرق كل زمن الفيلم يبحر خلالها (مع كاميرا «دى سيكا»العبقرية) فى عالم الفقراء والبؤساء أمثاله، وفى اللحظة التى تتحقق فيها المعجزة ويعثر «أنطونيو»على عجلته يصدمه أن سارقها يعيش حال أسوأ وأشد عدما من حالته، عندئذ لايستطيع أن يقاوم تعاطفه مع هذا الحرامى الغلبان فيترك له «العجلة» مشفقا ومؤمنا بأن لا حل سوى أن يسرق هو «عجلة»بديلة يراها مركونة فى الطريق.. غيرأنه ما أن يمد يده أليها ويحاول أن يختلسها وينطلق بها حتى يمسكه المارة متلبسا بالسريقة فيوسعونه ضربا وركلا بلا رحمة ولا شفقة، وينتهى الفيلم و»برنو» الصغير يجاهد عبثا لإنقاذ والده الطيب من الهلاك!!
وصباح الخير على كل الغلابة البائسين.

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة