محمد بركات
محمد بركات


يوميات الأخبار

الهجوم الفيروسى.. والضعف البشرى!!

محمد بركات

الثلاثاء، 07 أبريل 2020 - 07:16 م

الهجوم الفيروسى الشرس، جاء بمثابة لحظة الانكشاف العظمى لحقيقة الضعف والعجز البشرى، وسقوط أوهام القوة والمقدرة التى تملكت البشر، ودفعتهم لتصور انهم ملكوا زمام الكون كله.. وليس الأرض فقط.

دون سفسطة طبية أو ادعاء بالعلم،...، بل فى حدود المعلومات العامة المتداولة والمتاحة للجميع، نستطيع القول إن لكل مرض من الأمراض خصائص بذاتها وصفات خاصة، تميزه وينفرد بها دون غيره من الأمراض التى تصيب البشر، وتعرض صحتهم العامة للخطر، سواء كان هذا الخطر قليلا أو جسيما، مؤقتا أو مستديما،..، وصولا الى تهديد الحياة ذاتها وانهاء الوجود ذاته.

ولعلى لا آتى بجديد إذا ما ذكرت بأن وراء كل مرض يصيب الانسان نوعا محددا من الميكروبات أو الجراثيم، سواء كان ذلك الميكروب أو تلك الجرثومة من عائلة البكتيريا أو من فصيلة الڤيروسات، أو غيرهما من مخلوقات الله سبحانه جلت قدرته وعظم خلقه وتجلت حكمته.


المعلوم والمجهول
وهذه الكائنات الدقيقة قد لا تستطيع رؤية الكثير منها أو أغلبها بالعين المجردة، ولا حتى بالميكروسكوبات العادية، إلا انها موجودة ولا نستطيع نكران وجودها أو عدم الاعتراف بتأثيرها فينا وعلينا بصورة محسوسة وملموسة وواضحة.. بل مؤلمة.. ومميتة أو مهلكة ايضا.
وبالتأكيد هناك من سمع أو عرف بعض المعلومات، عن بعض هذه الكائنات، فى حين أن هناك من لم يسمع أو يعرف،...، ولكن ما هو معلوم ومؤكد هو، ان عامتنا يجهلون الكثير من هذه الكائنات الدقيقة، التى تشاركنا الحياة والوجود على سطح هذا الكوكب الذى نعيش عليه «الأرض».

وما هو معلوم ومؤكد ايضا، هو أن هذا المجهول بالنسبة لنا، هو فى نطاق المعلوم بالنسبة للخبراء والمتخصصين من العلماء والأطباء، بما اتيح لهم من علم وما فتح الله عليهم من نور المعرفة والاطلاع والكشف، فى ظل الاجتهاد والبحث والسعى الدؤوب للدراسة والعلم.

وفى هذا السياق، علينا أن نأخذ بالتصور العلمى الذى يرى أن للڤيروسات أو الجراثيم بصفة عامة هوية خاصة أو طبيعة محددة، تجعل أو تتيح لها نوعا من المقدرة على اختيار فرائسها المفضلة من مكونات الجسم البشرى،..، بمعنى أنها يمكن أن تختار أحد الأعضاء فى جسم الإنسان، لتغزوه وتحتله وتعيش فيه أو عليه وتصيبه بالمرض دون غيره من الأعضاء.
هذا التصور يفتح لنا طريقا لفهم بعض الأشياء والمعلومات عن هذه المخلوقات الدقيقة، التى تقع فى دائرة المجهول وغير المعلوم بالنسبة للغالبية العظمى منا أو حتى لبعضنا على الأقل.


فيروسات متخصصة
وفى ظل ذلك نستطيع أن نجد تفسيرا مقبولا لما نراه واقعا أمام أعيننا، من أن لكل ڤيروس أو ميكروب أو جرثومة تخصصا لايحيد عنه، فى إصابته بالقصد ومع سبق الإصرار والترصد، لعضو أو جزء محدد فى الجسد البشرى،..، وفى هذا السياق نجد ڤيروسا معينا أو ميكروبا محددا يصيب الكبد وآخر يصيب الطحال أو الكلى، وثالثا أو رابعا يصيب المعدة أو الأمعاء،..، وغيرهما يصيب الجهاز العصبى أو الجهاز التنفسى أو.. أو.. وصولا إلى الڤيروس المنفلت «كورونا» المتخصص فى إصابة الجهاز التنفسى العلوى أو السفلى أو الاثنين معا،..، والذى أصبح اكثر شراسة وضراوة فى حربه التى يشنها الآن على البشر، واكثر سرعة وقدرة على التنقل والانتشار، بعد أن تحور وتعدل وأصبح «كورونا المستجد» أو «كوفيد 19» المرعب.
وكان من نتيجة هذه الشراسة وتلك الضراوة، التى أصبح عليها الڤيروس المنفلت، أن رأينا العالم كله يعانى ويتخبط، فى حالة متصاعدة من القلق والتوتر وضبابية الرؤية غير المسبوقة فى تاريخه المعاصر،..، فى ظل الحرب التى يشنها على البشر بطول الأرض وعرضها، رغم كونه من أصغر وأدق الكائنات التى خلقها الله عز وجل.

ورأينا هذا الكائن الدقيق ذا السرعة غير المسبوقة على الانتشار والانتقال عبر بلاد الدنيا، يربك العالم كله، ويصيب العلماء والباحثين فى الطب وعلم الڤيروسات بقدر ليس بالقليل من الاندهاش وكثير من التحدى.
ولأن اندهاش وتحدى العلماء ليس اندهاشا سلبيا أو تحديا يؤدى الى القنوط واليأس،..، بل هو اندهاش ايجابى وتحد يدفع الى مزيد من البحث واعمال العقل،..، رأينا العلماء فى كل بلاد العالم سواء فى الصين أو اليابان أو فرنسا أو روسيا أو أمريكا أو مصر يسابقون الزمن بحثا عن علاج ناجع للوباء أو مصل أو لقاح يوفر الحماية من الڤيروس المنفلت،..، ونأمل أن يوفقهم الله قبل أن يفتك هذا الڤيروس بالبشر.


انكشاف الحقيقة
وإذا ما أردنا الحقيقة دون رتوش أو تجميل لا يليق ولايصح ولايجب، فلابد أن نقول.. ان الوباء الذى انتشر وتفشى فى العالم كله الآن، فى ظل الاجتياح الشامل لڤيروس «كورونا المستجد» لكل القارات والدول والشعوب، قد فاجأ العالم على حين غرة وجاء له من حيث لا يحتسب ولا يتوقع،..، بل والأكثر من ذلك انه كان ولايزال بمثابة لحظة الانكشاف العظمى لحقيقة وواقع الضعف البشرى الهائل، وسط أوهام القوة والمقدرة التى تملكت البشر وسيطرت عليهم، وجعلتهم يتصورون أنهم ملكوا زمام الكون وليس الارض فقط، وانهم أصبحوا قادرين على فعل كل شىء بما اتيح لهم من علم ومعرفة،..، وهم لايدركون انهم مجرد مخلوق من مخلوقات الله فى هذا الكون اللامحدود،..، وانهم ما اوتوا من العلم الا قليلا.
فها هو ذلك الكائن الڤيروسى الدقيق فى حجمه ومساحته، والذى هو فى واقعه وحقيقته أصغر وأدق آلاف المرات من حجم ومساحة جناح بعوضة، يهب عليهم فجأة ومن حيث لا يحتسبون ليوقعهم فى عواصف عارمة من الرعب والفزع، وموجات متتالية من الإحباط واليأس، ويجبرهم بين ليلة وضحاها على عزل انفسهم وإعادة الرؤية لواقعهم، واعادة التقييم والنظر فى أوهام القوة والمنعة والمقدرة التي ركبت رؤوسهم وسيطرت على عقولهم، وجعلتهم يتصورون أنهم أصبحوا قادرين بلا حدود ليس على الأرض فقط.. بل على الكون كله.

من أجل ذلك.. نقول ان ما جرى وما كان فى قصة الڤيروس المنفلت «كورونا المستجد» أو «كوفيد19» معنا نحن البشر، منذ لحظة استيقاظه التلقائى،..، أو بفعل فاعل كما يقول البعض، كان لحظة اكتشاف الحقيقة وسقوط وتبدد أوهام كثيرة ظنها الإنسان قواعد ثابتة، لا يأتيها الباطل من بين يديها أو خلفها، فإذا بها أضغاث أحلام.. ووهم كاذب.


الحرب.. والمواجهة
وفى هذا الإطار، وقياسا على ما هو قائم الآن على الأرض أمام أعيننا، نستطيع القول دون تهويل أو تهوين، إن العالم كله فى حرب الآن مع ڤيروس «كورونا المستجد»، بعد أن أضحى هذا الڤيروس يهدد كل البشر وانتشر فى كل انحاء الدنيا، ولم يترك قارة من القارات إلا  وغزاها ولا دولة من الدول إلا واحتلها.
ولكننا وفى اطار المصارحة الواجبة لابد أن نعترف، أن هذه الحرب لم تكن شاملة بالقدر الكافى،..، بمعنى أن العالم لم يوحد صفوفه، ويقف جميعا ومنذ بداية الهجمة الشرسة للڤيروس المنفلت على قلب رجل واحد فى مواجهة الڤيروس،..، بل كان للأسف مشتت القوى، كل دولة تخوض حربها مع الڤيروس متفردة، ودون معاونة أو مساندة ذات قيمة من الدول الأخرى.

هذه الحقيقة التي وضحت منذ بداية المواجهة حيث انكفأت كل دولة على ذاتها ولم تلتفت الى معاناة ومتاعب الدول التى تخوض الحرب والمواجهة، وتركتها تواجه الڤيروس الخطر وحدها.

وهكذا رأينا الصين تخوض الحرب وحدها دون التفات أو اهتمام ذى قيمة من الدول الأخرى، ماعدا مصر والقليل والنادر من دول العالم، التى وقفت معها معنويا وساندتها قدر الاستطاعة، بينما اكتفت دول العالم الكبرى بالمشاهدة من بعيد،..، وللأسف لم يكتف البعض بالمشاهدة والفرجة من بعيد بل كان هناك ايضا بعض الشماتة،..، وكان ذلك خطأ فادحا بالتأكيد،..، وقد تكرر ذلك للأسف مع ايطاليا واسبانيا بعد ذلك.
ولم يستمر ذلك كثيرا، إذ سرعان ما استطاعت الصين كسر حدة انتشار الڤيروس  ووقف خطره، بعد اتخاذها العديد من الاجراءات القاسية لمواجهته والنجاة منه، والتى وصلت الى عزل مقاطعات ومدن كاملة وفرض حجر صحى عليها،..، بينما انتقل الڤيروس وانتشر فى بقية دول العالم، وراح يضرب بكل شراسة فى اوروبا. وينشر الألم والموت والحزن فى ايطاليا، واسبانيا، ثم فرنسا،وبريطانيا، وألمانيا، وروسيا وغيرها وغيرها. وصولا الى الولايات المتحدة الامريكية التى استشرى فيها الآن بصورة ضخمة.

وهكذا.. مازال الڤيروس المنفلت يجتاح العالم، ويتوغل فى كل دوله وشعوبه، ناشرا الفزع والرعب وظلال الألم والموت،..، ومازال البشر جميعا ونحن معهم يتضرعون الى الله العلى القدير، آملين فى رحمته الواسعة راجين ان يشملهم بفضله ونعمته، ويرفع عنهم الغمة ويزيل البلاء والوباء، ويدعونه سبحانه ان يوفق العلماء والمتخصصين للوصول الى علاج ناجع له أو لقاح أومصل فعال يقيهم شره وخطره،.. إنه على كل شىء قدير.
ومع توجهنا بالسؤال والرجاء لله العزيز القدير، أن يحمى مصر ويقيها كل شر ومكروه نتوجه الى كل الأبناء والأخوة فى وطننا الحبيب، أن يلتزموا التزاما تاما بالإجراءات الاحترازية، التى اقرتها الدولة والأطباء والمؤسسات الصحية، للحفاظ على السلامة والوقاية من الاصابة.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة