بقلم : عبدالله البقالى
بقلم : عبدالله البقالى


حديث الأسبوع

لحظة تعرضت فيها الإنسانية إلى الاختبار العسير

بوابة أخبار اليوم

السبت، 25 أبريل 2020 - 08:33 م

    بقلم : عبدالله البقالى

الذين ينظرون إلى الأزمة الخانقة التى خلفها الانتشار المذهل لوباء كورونا ( كوفيد 19 ) من خارج دائرة القرار، من مواطنين وفعاليات المجتمع المدنى والرأى العام بصفة عامة، ينجزون تقييمات فى وضعية مريحة نسبيا، لأن هذه التقييمات تبقى متحررة من مجمل الضغوطات والإكراهات،إلا أن انعكاساتها على مسار الأزمة تبقى محدودة،إن لم تكن منعدمة، فى حين فإن المتعاملين مع الأزمة من داخل دائرة المعالجة من مختلف مواقع المسئوليات،تكون بالضرورة مختلفة ومتباينة عن التقييمات التى تجرى من الخارج، لأن المسئولين مطالبون باتخاذ القرارات، وبالتالى فإن هذه القرارات تكون لها تداعيات كبيرة وهائلة على المستويات النفسية،وبصفة خاصة على المستوى الاقتصادى والاجتماعي، تهم بالأساس أوضاع المقاولات والانتاج والدورة الاقتصادية بصفة عامة، وتترتب عنها عواقب تخص اليد العاملة التى تجد نفسها بدون مصدر عيش، لذلك من الطبيعى أن تكون هذه القرارات موضع مساءلة عامة من طرف مختلف وسائل المراقبة داخل البلاد،ولأن هذه القرارات تمس عمق الحياة العامة وتفضى إلى حالة عامةً من القلق والخوف، التى قد تتطور إلى تنامى الاحتجاجات التى تصل إلى مستوى المساس بالاستقرار العام فى البلاد.
لذلك كان من الطبيعى أن تتباين أشكال التعاطى مع استمرار وتيرة انتشار الوباء بما يترتب عن ذلك من إصابات ووفيات، وضغط كبير على البنية الصحية فى البلدان التى تجد نفسها فى حالة عجز كبير عن الاستجابة إلى الحاجيات الملحة والمتنامية للاستقبال والعلاج. حيث برزت مقاربتان مختلفتان ومتباينتان شكلا ومضمونا. فمن جهة برز توجه لدى كثير من الدول تميز بالصرامة وبالعنف فى كثير من الأحيان،هذه المقاربة فضلت الإنسان على الاقتصاد وتجلى ذلك عبر اتخاذ تدابير استباقية تتميز بالتشدد والصرامة،حيث تعطلت الحركة الاقتصادية، من حجر صحى وتباعد اجتماعى وحظر الجولان وتقنين حرية التنقل وربطها بالحالات القصوي، وتوقيف الدراسة وإغلاق المقاهى والمطاعم وإقفال أماكن العبادات، ومنع مختلف أشكال التجمعات بما فى ذلك التجمعات الاجتماعية،و فرض العمل عن بعد، وإغلاق العديد من المعامل ووحدات الإنتاج، وكان الهدف من هذه التدابير محاصرة الوباء وقطع أوردة سريانه بين الأفراد والجماعات. ومن الطبيعى أن يترتب على إعمال هذه المقاربة تعطيل شبه تام للحياة الاقتصادية وتسجيل خسائر مالية واقتصادية كبيرة ومكلفة، المهم بالنسبة لفلسفة هذه المقاربة، هو حماية الإنسان أولًا وأخيرًا، وإن صاحب إعمالها اتخاذ تدابير مرافقة حاولت التخفيف من التداعيات عبر تقديم مساعدات مالية استثنائية للفئات الهشة المتضررة منها، التى وجدت نفسها بصفة مفاجئة بدون مصدر عيش، فإن تأثير ذلك اقتصر على التخفيف من التكلفة الاجتماعية، وهى تبقى محدودة فى بعدها الزمني، لأنها تبقى مرتبطة بفترة انتشار الوباء التى إن طالت ستجد الدولة نفسها عاجزة على مواصلة التخفيف من آثارها، ومع ذلك فإن هذه المقاربة جعلت الدولة حاضنة لاحتياجات الأفراد والجماعات، وأعادت بذلك الاعتبار لمفهوم الدولة الاجتماعية،و دشنت مرحلة مصالحة هامة بين المواطن والدولة، وهذا قد يؤشر على تغيير فى مفهوم الدولة خلال فترة ما بعد مرور الأزمة.
أما المقاربة الثانية فقد ارتأت تفضيل الاقتصاد على الإنسان، وهى مقاربة بمرجعية ليبرالية رأسمالية، وبررت هذه المقاربة شرعيتها فى القول بأن الجائحة عابرة فى الزمان والمكان، وهى إلى زوال، لذلك من الخطورة بمكان ربط معالجتها بمصير الاقتصاد بالنظر إلى التكلفة الاقتصادية والمالية الكبيرة والخطيرة، وأن هذه الجائحة ستصيب آلاف الأشخاص وستقتل ببشاعة آلاف الأفراد الذين يموت أكثر منهم بسبب الأنفلونزا العادية، لذلك من الأفضل ترك الحياة على طبيعتها والقبول بالخسائر البشرية المحدودة، مقابل حماية البنية الاقتصادية التى ستكون الضامن الرئيسى لاستمرار الحياة العادية ما بعد انتشار الوباء.و هذه مقاربة فرضتها المصالح الاقتصادية الكبيرة والهائلة للشركات الاقتصادية الكبرى التى تتحكم فى القرارات السياسية والاقتصادية فى العالم،والتى تنظر إلى الإنسان كأداة مسخرة فى عملية الإنتاج، وإلى مجرد عامل من عوامله لا أقل ولا أكثر. ولذلك لم تبادر كثير من الدول التى نهجت هذا الخيار باتخاذ أى تدابير احترازية أو استباقية تخوفًا من الإضرار بالاقتصاد، وتحسبًا لأوضاع اجتماعية مستجدة ستكون أكثر ضراوة مما سيخلفه وباء كورونا.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة