كــــــــــــرم جبــــــــــــر
كــــــــــــرم جبــــــــــــر


إنهــا مصـــــــر

كرم جبر يكتب| ذكريات ثورة يوليو

كرم جبر

الجمعة، 24 يوليه 2020 - 04:52 م

ويتبقى من ثورة يوليو، الشدو القادم من أعماق الذكرى، فمازلنا نشعر بالحنين لأغانى الثورة.. ليس مهماً أن نستدعيها فى أيام الذكرى، ولكن أن نتذكر أننا شعب كان يتوج أفراحه بالغناء، ونجوم عاشوا فى زمن الإبداع.

فى ذكرى ثورة يوليو، ما أحوجنا لاستدعاء أغانى الثورة، ليس حنيناً للماضى بأفراحه وأحزانه، ولكن للعودة إلى الحاضر والمستقبل، من بوابة المشاعر الوطنية الجميلة.

غنى عبدالحليم حافظ للسد العالى، وأبدع فنانو مصر فى الاحتفاء بمناسباتهم الوطنية، أم كلثوم وعبدالوهاب ومحمد قنديل وغيرهم، وكان حفل أضواء المدينة فى احتفالات الثورة، مولداً جديداً لفنانين، وأغنيات مازالت رابضة فى الوجدان، واعتاد الموسيقار محمد عبدالوهاب أن يقدم ملحمة وطنية كل عام، يشدو فيها كبار نجوم الفن المصريين والعرب.

من أجمل أغانى عبدالحليم حافظ "وصحيت على ثورة، بترج الدنيا، ولقيت أوطانى حكمها فى إديا، وجمال قدامى بينادى عليا"، وعندما تغنى الشعوب لثوراتها، يسمو الفن بالمشاعر الحماسية، ويخفف حدة الاحتقان، ويضمد جراح الضحايا، فالفن هو البوابة التى يعبر منها الحدث إلى القلوب.

كان عبدالحليم زعيماً لأغانى ثورة 23 يوليو، ورسم صوتها على الشفاه، وزود الجماهير المشتاقة للحرية بالحماس والأمل، وأهم مزايا ثورة يوليو أنها وضعت الفن فى مكانة عالية، فرفعتها الفنون فى قلوب الجماهير، فلماذا جفت الكلمات فى الأفواه، ولم نعد نغنى لثوراتنا واحتفالاتنا الكبرى؟
لم يكن الغناء ملهاة، ولم تكن الكلمات الوطنية للتسلية، ولكنها ملأت الفراغ الوجدانى لأجيال بأكملها، وعلمتهم حب العلم والنشيد والأرض والسماء والمياه، وشيدت بينهم وبين قوى الشر جداراً عازلاً، واختفى المشككون فى حب الأوطان، وكلما ارتفعت المشاعر الوطنية، انحسرت فى مواجهتها دعاوى الطائفية والتشرذم والتطرف، وهكذا عاشت مصر أياماً حلوة من عام 1952 حتى 1967.

تعودت الأسر المصرية أن تسهر ليلة الخميس، للاستماع إلى حفلات أم كلثوم الشتوية، وكانت مهرجاناً كبيراً حول الراديو، واكتست كلمات الأغانى فى هذه الفترة بريقاً من ذهب، وعاشت مصر أفضل سنوات الإبداع، لأن المصريين أحبوا بلدهم، ومن يحب يتحمل الصعاب ويغفر الأخطاء.

وجاءت "حرب يونيو" بمؤامرة متعددة الأطراف، ولكنها تصب فى مجرى واحد هو كسر مصر، ولكن الشعب استدعى رصيده الوطنى الكامن فى الأعماق، وقرر أن يتحدى الهزيمة، واستيقظت قوى الشر والتطرف من كمونها، وقادت حرب التشكيك فى الهوية الوطنية، واشتعلت معارك الكر والفر، بين أبناء جيل الثورة، ولوبى أعداء الثورة.

وشهدت مصر منذ سنوات قليلة أحداثاً تحتاج قروناً، وتغيرت الأمزجة وتعددت الولاءات، وتجمع الحصاد المر فى أحداث 25 يناير، حيث قفزت جماعة الشر فوق المشاعر الوطنية، واختارت لها علما غير العلم ونشيداً غير النشيد، واختلطت الدفوف الصاخبة بالإيقاعات الحالمة.. وظهر بيننا من يدعى أن حب الأوطان ضد الأديان، ومن يصوب رصاص الغدر فى صدر أخيه المصرى المسلم والمسيحى، ومن يقتل صائماً، ويحرق مسجداً وكنيسة.

واستدعت قوى الشر مخزون الوقيعة، لتفتيت الكتلة الصلبة على أساس دينى وطائفى، دون أن يدركوا أن مصر ليست قبائل تتنازع على آبار المياه فى الصحراء، ولكنها نيل عظيم يفيض خيراً فى المشاعر والوجدان، ولا يمكن لرياح الصحراء الساخنة أن تقهر نسائم الأرض الطيبة.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة