صورة تعبيرية
صورة تعبيرية


التحرش الجنسى.. فيروس يهدد المجتمع

بوابة أخبار اليوم

الأحد، 26 يوليه 2020 - 02:15 ص

تحقيق: ميادة عمر

 ◄خبراء: تغليظ العقوبات الجنائية ضد المتهمين.. ورضا المجنى عليهن لا يعفى المجرم من العقاب

◄ زيادة النصح وإرشاد الشباب وتبنى المدارس حملات للتعريف بخطورة تلك الظاهرة

◄خبير معلومات: التحرش الإلكترونى يطال ضحاياه فى بيوتهم.. واستغلال الأطفال والفئات الأقل وعيًا الأسوأ

باتت ظاهرة التحرش الجنسى آفة المجتمع الحقيقية التى ضربت بالعادات والتقاليد المصرية عرض الحائط، واغتالت حرية الفتيات وأفقدتهن الثقة فى كل من حولهن، حتى أولئك الذين لم يتعرضوا لحالات تحرش من قبل، إلا أن أعينهم وآذانهم إلتقطت الكثير من تلك الحوادث.

وبدأت هذه المشكلة تتفاقم خلال الفترة الأخيرة فى كثير من المجتمعات العربية، وتعددت آراء الفقهاء والعلماء حول سبب التحرش، فيرى البعض أن ملابس المرأة سبب فى ذلك إلا أن رد الأزهر كان واضحا باعتبار التحرش إشارة أو لفظا أو فعلا هو تصرف محرم وسلوك منحرف يأثم فاعله شرعا.

كانت البداية عند « ن.ا» ٢٨ عاما، تعمل صيدلانية تروى حكايتها مع ظاهرة التحرش وتقول إنها كانت تعمل فى إحدى الصيدليات الشهيرة وأثناء عملها حاول زميلها التحرش لفظياً فنبهته بعدم الحديث فى تلك المواضيع لكنه فى ذات يوم طلب منها إقامة علاقة غير شرعية، فهددته بإبلاغ صاحب الصيدلية ورفده لكنه لم يبال لتهديداتها واستمر فى أفعاله كل يوم.

وفى أحد وذات مره استغل تواجدهما بمفردهما فى الصيدلية حاول مغازلتها بكلمات الحب والوعود الواهنة التى بالتأكيد قالها للكثيرات قبلها، وعندما لاحظ عدم استجابتها لكلماته حاول التعدى عليها جسديا، فركلته بقدمها، فحاول ضربها والتحرش بها لكنها قاومته وصفعته على وجهه، اشتاط غضبا وصمم على عدم تركها دون النيل منها واقتناص عذريتها، إلا أن العناية الإلهية وقفت فى صفها وفرت هاربة منه وتركت العمل بهذه الصيدلية على ألا تعود إليها مرة أخرى.

وبالانتقال إلى «س.ح» طالبة تبلغ من العمر ٢٠ عاما، قالت إن التحرش بدأ معها بتلقى رسائل عبر موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك من زميل لها فى الجامعة كانت تقدره وتحترمه فى البداية إلا أن وجهه الآخر بدأ فى الظهور عندما طلب منها إرسال صورها الشخصية له ولكنها رفضت وعنفته بشده فقام بالتحرش بها لفظيا بأقوال بذيئة خادشة للحياء فقامت بعمل «بلوك» من على حساباتها على مواقع اتواصل الاجتماعي، إلا أنه حاول التحدث معها من خلال حسابات أخرى فلم تستجب، ليبدأ فى تهديدها بأنه يملك صورا شخصية لها حصل عليها من إحدى صديقاتها وسوف يفضحها بها، إلا أنها تحركت سريعًا وقامت بكتابه ما حدث معها عبر صفحتها على فيس بوك لتحذر الفتيات منه، واكتشفت حينها أن الشاب حاول تكرار الأمر مع فتيات أخريات.

وأما «ه.ح» ٢٩ عاما فمازالت تتذكر قصتها التى كانت سبب صدمتها، حينما تعرضت للتحرش وهى فى سن الثامنة من عمرها من قبل أحد المارة فى الشارع، وتمر الأيام ويحدث معها نفس الموقف فى المواصلات وهى ذاهبة للجامعة ليقوم أحد الركاب بلمسها فصفعته على وجهه، ليرد عليها بالكلمة المعتادة «ماكنش قصدى»، وكان الموقف الأخير بمثابة صدمة كبيرة اغتالت عقلها وفكرها، فقدت الثقة فى نفسها حتى وصل بها الأمر إلى عدم الذهاب للجامعة بشكل نهائي، تقدم لخطبتها أكثر من شخص إلا أنها رفضتهم جميعا قبل أن تراهم، مما دعا والدها لعرضها على الكثير من الأطباء النفسيين.

وأما أ.ف روت حكايتها عن التحرش الجنسي، وقالت إنها فور تخرجها من كلية الحقوق بحثت عن مكتب محاماة للتدريب فيه، وبالفعل وجدت مكتب محاماة كبيرا يطلب فتيات للتدريب، وبحماس شديد توجهت مسرعة وتأمل أن يتم قبولها، وتحققت آمالها وتم قبولها، لكن سعادتها وفرحتها لم تكتمل بعد أن شعرت بنظرات سيئة من صاحب المكتب واعتقدت أنها قد تكون مخطئة وسيئة الظن لذلك قررت الاستمرار فى العمل، حتى جاء اليوم الذى حاول فيه صاحب المكتب ملامستها، بل وحاول التهجم عليها ووعدها بتعيينها والزواج منها عرفيا لكنها دفعته وتركت المكتب.

عقوبات غليظة

وقال د. نبيل مدحت سالم، أستاذ القانون الجنائى بجامعة عين شمس، إن القانون الجنائى يحمى المرأة بصفة عامة وخاصة فى حالات هتك العرض والتحرش حيث قسم جرائم هتك العرض والتحرش إلى جنايات وجنح ووضع لمرتكبها عقوبات غليظة.

وأوضح أن التحرش له أشكال عديدة ومنها التحرش اللفظى بالإشارة أو بالقول على نحو يخدش حياءها وهذا يعد جنحة عقوبتها الحبس، أما ما يسمى قانونا هتك العرض أو مواعدة أنثى بغير رضاها فهذا يعد جناية وقد تصل عقوبتها إلى الإعدام أو السجن المؤبد أو المشدد، وأشار إلى أن المشرع فرق بين تلك الجنايات على أساس عمر المجنى عليه أو فى صفات معينة إذا كان الجانى من أصول المجنى عليه أو المتولين تربيته ورعايته وقد تشدد العقوبة بسبب ظروف الواقعة إذا هتك عرض إنسان بالقوة أو بالتهديد..


وأشار إلى أن التقادم فى الدعاوى الجنائية وسقوط الحق فى الإبلاغ يكون ٣ سنوات فى الجنح و١٠ سنوات فى الجنايات ويحسب ذلك التاريخ من يوم علم المجنى عليه بارتكاب الواقعة، أما فى سقوط العقوبات الجنائية الصادرة تطبيقا لأحكام المحاكم الجنائية فتكون ٥ سنوات فى الجنح و٢٠ سنة فى الجنايات و٣٠ سنة إذا كانت العقوبة الإعدام.

ومن جانبه أكد شعبان سعيد ، المحامى بالنقض، أن رضا المجنى عليهن لا يعفى المجرم من العقاب وذلك فى مراحل عمرية معينة وحتى إذا قامت بعض الفتيات اللاتى يتجاوزن السن القانونية بارتكاب علاقة جنسية مع الجانى بمحض إرادتهن عقب ذلك تم ابتزازهن وتهديدهم بافتضاح أمرهم فتنشأ جرائم أخرى وهى التهديد وفقا للمادة ٣٢٧ من قانون العقوبات وجريمة التسجيل والالتقاط لمقاطع مرئية صوتية بدون إذن والتهديد بإفشائها وفقا للمادة ٣٠٩ مكرر أ، كما أن المحكمة المختصة قد تكون محكمة الجنايات والجنح حسب طبيعة الجريمة وقد تكون محكمة الأحداث وفقا لعمر الجانى وقت ارتكاب الجريمة.

حق المرأة

ومن جانبها تقول دينا المقدم، المحامية المختصة فى حقوق المرأة والطفل، إن ظاهرة التحرش الجنسى فى المجتمعات العربية، ينظر إليها على أنها وسيلة ترفيهية للتخفيف عن النفس، لكنهم أجهل من أن يدركوا الآثار السلبية التى يتركها التحرش الجنسى على ضحيتهم والغريب أيضًا أن هناك أطفالًا مراهقين متحرشين ينظرون إلى التحرش على أنه نوع من أنواع الرجولة.

وقالت إن فى السنوات القليلة الماضية سجلت الدول العربية ارتفاعًا مخيفًا فى عدد حالات التحرش الجنسى، والمخيف أكثر أن جريمة التحرش أصبحت فى أماكن عامة وأمام أعداد كبيرة من الناس ولسبب غير معلوم قرروا الوقوف على الحياد وفى الجامعات والمدارس والعمل والبيت، والأسوأ من المتحرش هو المتفرج الأخرس، وأكدت أنه يجب على كل فتاة تتعرض للتحرش التوجه فورا للجهات المختصة والمطالبة بمعاقبة المتحرش.

وأضافت المقدم أن التحرش له نوعان الأول جسدى وهذا أكثر بشاعة ومن أكبر الجرائم التى يعاقب عليها القانون، ولم يكن هناك قانون ينص على معاقبة المتحرشين، وبعد زيادة حالات التحرش الجنسى بالفتيات فى المناسبات العامة والأعياد، تم وضع قانون للحد من حالة التحرش وينص على السجن لمدة عام واحد وغرامة ٥٠٠٠ جنيه كحد أدنى و١٠ آلاف جنيه كحد أقصي، مع إمكانية زيادة العقوبة عندما يكون المتحرش من السلطة الوظيفية أو أكثر من شخص أو يقوم بالتحرش حاملاً سلاحا حيث تصل العقوبة إلى السجن لمدة سنتين أو 5 سنوات وغرامة مالية تتراوح بما بين الـ٢٠ ألفا والـ ٥٠ ألف جنيه، وكذلك فهناك التحرش الرقمى أو ما أطلق عليه التحرش الإلكترونى وهو أسوأ الأنواع، وغالبا ما يكون تحرشا لفظيا بإرسال رسائل مخلة بالآداب العامة أو صور جنسية وهنا على الضحية التوجه فورا لمباحث الانترنت وتقديم بلاغ رسمى.

وأضافت أن الصمت جعل الجريمة فى تزايد وعدم معاقبة الجانى جعل الباقون يتحرشون بأمان دون خوف، وأشارت إلى أن الدولة تتوجه حاليا بشكل رائع نحو ترسيخ مبادئ وقيم المجتمع الذى افتقدناها منذ سنوات وتحاول جاهدة الحد من آفات عدة من ضمنها التحرش، وعلى المؤسسات المدنية والمجلس الأعلى للمراة تشكيل لجان خاصة ضد التحرش تعمل على التوعية.

وطالبت المقدم بتغليظ العقوبات ضد المتحرشين، ليتوفر الردع ضد هؤلاء، وحتى يكونوا عبرة لمن يحاول تكرار هذا الفعل البعيد تمامًا عن الأخلاق والعادات والتقاليد التى نشأ عليها الشعب المصري، وكذلك عن تعاليم كافة الأديان.

قالت الدكتورة سامية الساعاتى أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس أن لظاهرة التحرش أسباب عديدة، ولكن أساسها التربية والنشأه الغير سوية، والتى تخلق الكبت داخل الشباب وهو ما يجعلهم يقدمون على التحرش بالسيدات.

وأوضحت الساعاتى أن الأسرة لها دور كبير فى مواجهة هذه الظاهرة، من خلال النصح وإرشاد الشباب بخطرها، وكذلك يجب أن تتبنى المدارس حملات لتعريف النشأ بخطورة تلك الظاهرة، وأنها تخرج خارج تعاليم الأديان السماوية، وكذلك العادات والتقاليد.

وأوضحت الدكتورة نهلة السيد أستاذة الطب النفسى بجامعة عين شمس أنه يوجد نوعين من التحرش هستيرى وسيكوباتى والتحرش الهستيرى هو الفعل العابر من خلال محاولة ملامسة الفتاة أو النظر إليها بطريقة غير لائقة، أو التعدى عليها بألفاظ خادشة للحياء، وأنما التحرش السيكوباتى هو التحرش الذى يتبعه الابتذاذ والاستغلال والتهديد.

وأضافت نهلة أن التحرش ظاهرة خطيرة ويعد مرضا نفسيًا، وذلك يجب البدأ بمحاربته من الأسرة من خلال التوعيه بخطورته وبعده عن تعاليم الأديان السماوية.

التحرش الإلكتروني

قال المهندس وليد حجاج خبير أمن المعلومات أن التحرش الإلكترونى لا يختلف عن التحرش بمفهومه القانونى وإنما يتم عبر الوسائل الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعى وهو نتيجة حتمية للتطور التكنولوجى والرقمى الذى تواكبه المجتمعات فى العصر الحديث، وأشار إلى أن الجريمة الالكترونية تتم بطريق التحايل والتخفى بإنشاء صفحات وهمية للحساب الالكترونى واستغلال الأطفال والفئات الأقل وعيا وذلك بإستدراجهم لارتكاب الجرائم الإلكترونية والتحرش بهم.

مضيفًا أن المشرع المصرى فطن لذلك، فقام باستحداث قانون لمواجهة الجرائم الإلكترونية والذى حمل رقم ١٧٥ لسنة ٢٠١٨ لمكافحة جرائم تقنية المعلومات، وأكد أن القانون قد راعى التخطيط والتنفيذ فى الجرائم الإلكترونية وقد تصل العقوبات فى الجرائم الإلكترونية إلى الحبس والغرامة.

ونصح خبير أمن المعلومات بالمحافظة على الأخلاق والمتابعة والمراقبة المنضبطة من الأسرة وخاصة الاباء والامهات لما لهم من دور هام فى متابعة أبنائهم، واقترح وجود مادة غير أساسية بالمدارس من الصف الأول الابتدائى وتسمى (سوشيال ميديا) أو أمن معلومات على أن تقدم المفاهيم الأساسية والتعريفات بمستويات مختلفة حسب السنة الدراسية مما سيكون له أكبر الأثر على أبنائنا والآباء أيضا وخاصة مراقبة التطبيقات الإلكترونية التى يستخدمها الأطفال، ولابد من وجود حد أدنى من المعرفة والوعى لثقافة أمن المعلومات لدى مستخدمى المواقع الإلكترونية وأفراد المجتمع الرقمى.

شكاوى المرأة

ومن جانبها شرحت د. أمل عبدالمنعم مديرة مكتب شكاوى المرأة بالمكتب القومى كيفية تلقى البلاغات من خلال الوسائل وقنوات الاتصال المختلفة لمكتب شكاوى المرأة وفروعه بالمحافظات، ويتم ذلك من خلال الخط المختصر 15115، وأضافت أنه يكون هناك استجابة فورية مع الشكوى، من خلال المقابلة الشخصية بمقرات مكاتب شكاوى المجلس بكافة محافظات الجمهورية، أو تلقى الشكاوى عبر تطبيق الواتس اب، أو الصفحة الرسمية للمجلس على مواقع التواصل الاجتماعى، بالإضافة إلى تلقى الشكاوى عبر الايميل الخاص بالمكتب.

وأضافت أنه يتم فحص ودراسة كل شكوى وفقا لطبيعتها من الناحية القانونية ويتم تبصير الفتاة بالإجراءات التى سوف يتم اتخاذها، كما أنه يتوقف نوع المساندة التى يتم تقديمها للضحية وفقا لطبيعة كل حالة ولكنها تتمثل فى مساندة قانونية بالمشورة الفورية المجانية وفحص دقيق لموقف كل حالة، فيمكن توفير محامى متطوع من شبكة المحامين المتطوعين وفقا للنطاق الجغرافى للدعوى لتولى إجراءات التقاضى فى حالة غير القادرات.

وأضاف عبدالمنعم أنهم يقومون بإعداد دورات تدريبية بالتنسيق مع الجهات المعنية لرفع كفاءة مقدمى الخدمات والمتعاملين مع الناجيات من العنف خاصة التحرش، والتعاون والتنسيق بين المؤسسات المعنية سواء حكومية او منظمات المجتمع المدنى لتقديم خدمات متكاملة للسيدات دون اضافة اعباء نفسية واجتماعية واقتصادية على كاهل السيدات، وإجراء دراسات تحليلية مستوحاة من واقع الشكاوى التى تم استقبالها لتوضيح ابعاد الظاهرة وتطوراتها بالإضافة إلى الوقوف على جوانب القوة والضعف بالخدمات المقدمة باختلاف أنواعها سواء كانت قانونيا أو جتماعية أو نفسية كما يجرى حالياً إعداد المزيد من التعديلات التشريعية والجهود لضمان حماية المرأة من جميع أشكال العنف ضدها.

أحكام جنائية رادعة للتحرش

وبالنظر إلى قضايا التحرش فيوجد العديد من القضايا التى شهدها المجتمع المصرى والتى حصل المتهم فيها على أحكام قاسية منها، الحكم بالإعدام شنقا على المتهم ع.ل لاعتدائه على طفل وتحرش به وألقاه من أعلى سطح عقار فى القضية المعروفة إعلاميا ب» طفل البامبرز»، كما تم بالسجن المشدد ١٠ سنوات على قهوجى لقيامه بطلب الزواج من أهل الطفلة «ك» التى تبلغ من العمر ١٤ عام، وتم رفض طلبه لصغر سنها فثار غضبه وبات بمراقبة الطفلة تكرارا حتى تمكن من خطفها عنوة داخل المقابر وبمساعدة آخرين مجهولين قام بتكميم فمها وطرحها أرضا وتم الاعتداء عليها جنسيا وقام أهلها بالإبلاغ عن اختفائها وتمكنت الشرطة من القبض عليه وتسليمه للعدالة..

كما قضت محكمة جنايات بالسجن المشدد ٧ سنوات لكهربائى شرع فى هتك عرض طفله بتحسس أماكن فى جسدها خلال عمله بتوصيل أعمال كهربائية بالوحدات السكنية تحت الإنشاء مما جعل الطفلة تصرخ بصوت عالٍ حتى أمسك بالجانى وقدم للمحاكمة الجنائية
 

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة