د. محمد أبو هاشم
د. محمد أبو هاشم


قضية ورأى

خير الأجناد.. فى مسكن الأنبياء

بوابة أخبار اليوم

الأحد، 26 يوليه 2020 - 08:47 م

بقلم/ د. محمد أبو هاشم

بعدما فتح عمرو بن العاص رضى الله عنه مصر وقف على منبره فى مسجده المعمور بمصر القديمة يتحدث للمصريين عن مكانتهم فى الإسلام وفضلهم فى مسيرته ومستقبله، ذاكرا حديثا سمعه من عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنَّه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إذا فتح الله عليكم مصر بعدى فاتخذوا فيها جندًا كثيفًا؛ فذلك الجند خير أجناد الأرض» فقال له أبو بكر: ولم ذلك يا رسول الله؟ قال: «لأنهم فى رباط إلى يوم القيامة».
ومن حكمة الله تعالى التى أخفاها عن عباده أنه فضَّل بعض الشُّهور على بعض، وبعض الأيَّام على بعض، وبعض اللَّيالى على بعض، وبعض المساجد على بعض، وبعض الرسل على بعض، وبعض البلاد على بعض، وبعض الجنود على بعض، واختص بالأفضلية مصر على سائر البلدان، وشهد لها فى كتابه بعِظَم المنزلة، بأن ذكرها باسمها وخصَّها دون غيرها، وكرَّر ذكرها فى آيات القرآن العظيم تلميحا وتصريحا فى قرابة ٢٨ موضعا، فلم يُعلم بلد من البلدان فى جميع أقطار الأرض أثنى عليه القرآن الكريم بمثل هذا الثَّناء، أو وصفه بمثل هذا الوصف، أو شهد له بالكرم غير مصر؟
مصر مسكن الأنبياء وأمنهم، ومقام الصالحين وحماهم، وكتبت العلماء والحكماء، والخواصِّ والملوك، كان بمصر إبراهيم الخليل، وإسماعيل، وإدريس، ويعقوب، ويوسف، واثنا عشر سبطاً، ووُلد بها موسى، وهارون، ويوشع بن نون، ودانيال، وأرميا، ولقمان عليهم جميعاً أفضل الصَّلوات وأزكى التَّسليمات،
وكان بها من الصِّدِّيقين والصِّدِّيقات: مؤمن آل فرعون الذى ذكره فى القرآن فى مواضع كثيرة، وكان بها الخضر، وآسية امرأة فرعون، وأم إسحاق، ومريم ابنه عمران، وماشطة بنت فرعون، من مصر تزوَّج إبراهيم الخليل هاجر أمَّ اسماعيل، وتزوَّج يوسف عليه السَّلام من زليخا، ومنها أهدى المقوقس الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام مارية القبطية، فتزوجها وأنجبت له إبراهيم.
ودخل مصر من الصَّحابة الزَّبير بن العوام، والمقداد بن الأسود، وعبادة بن الصَّامت، وأبو الدَّرداء، وسعد بن أبى وقاص، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعقبة بن عامر، وعمار بن ياسر، وعمرو بن العاص، وأبو هريرة وغيرهم.
وعاش فى مصر من الفقهاء والعلماء الكثير منهم: اللَّيث بن سعد، والعزُّ بن عبد السلام، والإمام الشافعي، وابن تيمية، وابن حجر العسقلاني، والإمام الشَّاطبي، ووُلِد فيها عمر بن عبد العزيز.
ولنستمع لأبى بصرة الغفارى فى وصفه مصر، قائلا : إن مصر خزانة الأرض كلِّها، وسلطان مصر هو سلطان الأرض كلِّها، وبمصر من الخير ما يكفى لإطعام الأرض كلِّها، وقد وصف الله مصر بكونها مبوَّأ صدق، وأخبرنا أنَّها أرض مباركة، وأعلمنا الله تعالى على لسان يوسف عليه السَّلام: أن مصر خَزَائِنِ الْأَرْضِ، ولم تكن تلك الخزائن بغير مصر، فأغاث الله بمصر وخزائنها كلَّ حاضر وباد من جميع الأرض.
ولنترك الغفارى ونلقى السمع لسعيد بن أبى هلال فى حديثه عن مصر قائلا : مصر أمُّ البلاد، وغوث العباد، بينما يقول عنها عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما : من أراد أن ينظر إلى الفردوس؛ فلينظر إلى أرض مصر، حين تخضرُّ زروعها، ويزهر ربيعها، وتكسى بالنَّوار أشجارها، وتغنِّى أطيارها، وكان كعب الأحبار يكرر بين جلسائه : لولا رغبتى فى الشَّام لسكنت مصر؛ فقيل: ولم ذلك يا أبا إسحاق؟ قال: إنى لأحبُّ مصر وأهلها؛ لأنَّها بلدة معافاة من الفتن، وأهلها أهل عافية، فهم بذلك يعافون، ومن أرادها بسوء أكبَّه الله على وجهه، وهو بلد مبارك لأهله فيه.
إنها مصر،مصر مقبرة الغزاة، حمت الإسلام من الضياع، على صخرة جيشها المتين الأمين القوى، تحطمت أطماع الغزاة والمعتدين، أفلا تعلمون أنباء التتار، ولا الحملات الصَّليبيَّة، ذلك الجند الذى يرفض المساس بأرضه، الجند الذى يرفع راية الشرف ويؤمن بمنهجية السلم، الجند الذى يحمى ولا يعتدى، ويدافع ولا يبغى، إنهم جند الله فى أرضه، ابتعثهم الله لتحرير دينه من طغيان الإرهاب وفجور داعميه الذين يحرفون الكلم عن موضعه، يحملون أرواحهم على أكُفهم بلا خوف ولا خجل، ولا ضعف ولا وهن، فرسان الميدان، نسور الجو، لا يخافون فى الله لومة لائم، فمن بغى عليهم فقد كتب نهايته، ونبش قبره بيديه، ومن جهل ذلك فلا يلومن إلا نفسه، فالتاريخ صادق لا يعرف الكذب.
< عضو مجمع البحوث الإسلامية

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة