نوال مصطفى
نوال مصطفى


حبر على ورق

تواصل أم تناحر؟

نوال مصطفى

الأربعاء، 29 يوليه 2020 - 06:46 م

أقتبس عنوان هذا المقال من وصف جاء فى مقال لجلالة الملك عبد الله ملك حول الدور الخطير لبعض مواقع وصفحات ومنصات السوشيال ميديا وما تتسبب فيه الشائعات وتزييف المعلومات من لغط وفوضى. حيث قال هل هى «منصات التواصل أم التناحر الاجتماعي؟».
أنظر إلى هذه القضية بعقل مفتوح، فالسوشيال ميديا أصبحت واقعا لا فرار منه، لكنها فى نفس الوقت صارت سلاحا مهما يعمل لخدمة أهداف مختلفة، منها الجيد والمفيد، ومنها الخطير والمدمر.
نظرة سريعة على حسابات البشر على كوكب الأرض، الذين قررت الغالبية العظمى منهم أن تجتمع وتتواصل على الفضاء الافتراضى تكشف بصورة شديدة الوضوح هذه الرؤية لقضية السوشيال ميديا.
يمكننى أنا شخصيا أن أحلل شخصية أى شخص سواء أعرفه فى العالم الواقعى أو تقتصر معرفتى به على العالم الافتراضى من خلال ما ينشره على حساباته المختلفة على مواقع التواصل الاجتماعى، وأشهرها فيسبوك، تويتر، وانستجرام.
فهذا شخص اكتئابى لا ينشر إلا صور المآسى، والراحلين عن عالمنا سواء يعرفهم أو لا يعرفهم، كما يتفنن فى نشر الشائعات التى تربك الرأى العام، وتلقى بالرعب فى قلوب الناس، وهذه سيدة مهتمة بالموضة تنشر أحدث موديلات بيوت الأزياء العالمية، وصور الفنانين من مشاهير هوليوود، وتحس أن البهجة ترقص بين منشوراتها. وهذه تتفنن فى وصفات المطبخ وتغرق حائط صفحتها بصور لأطباق شهية، وليس مهما بالطبع أن تكون صحية لأكلات من صنع يديها.
هناك من يهتم بنشر معلومات مفيدة موثقة معلومة المصدر، وهناك من يحب الضحك ويحول كل خبر إلى نكتة أو قلشة، لا يأخذ أى أمر بجدية حتى لو كان خبرا لا يحتمل السخرية ولا المسخرة.
طبعا وسط كل هذه «الأكونتات» البريئة، المعلومة المصدر، هناك «أكونتات» مزيفة تنشئها كتائب الإخوان وغيرهم من أصحاب الأجندات السياسية الذين ينفذون أهدافا معينة عن طريق تسميم الأفكار ونشر الأفكار المغلوطة عن طريق تلك المواقع التى تملك قوة انتشار هائلة ويمكنها أن تصل إلى الملايين فى وقت قياسى.
هذا ما حدث فيما سمى بـ«ثورات الربيع العربي» التى كانت بداية استخدام السوشيال ميديا فى قلب الأنظمة السياسية والإطاحة بالرؤساء العرب فى أكثر من بلد عربى ضمنها مصر. منذ 2011 توغلت السوشيال ميديا فى كل مجالات الحياة، وازدادت قيمتها، وتولدت آلاف بل ملايين الأفكار لاستغلال قوتها الجبارة فى التأثير سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. هل معنى ذلك أن السوشيال ميديا أداة هدم فحسب؟ بالقطع لا. فهناك صفحات تؤدى أدوارا مهمة، مؤثرة، مفيدة جدا فى دفع الشباب وحتى الكبار إلى التغيير إلى الأفضل. هناك عشرات الصفحات التى تقدم علما نافعا، وأفكارا مضيئة، وقصص نجاح تملأ القلب بهجة وأمل.
السوشيال ميديا مثلها مثل أى شيء فى حياتنا لها وجهان. الجميل والقبيح. نستفيد جميعا من الوجه الجميل، أما القبيح فيحتاج إلى تشريعات حاسمة وناجزة تردع استخداماتها فى الإضرار بالبشر. وأتمنى أن يناقش مجلس النواب وكذلك مجلس الشيوخ الذى ستجرى انتخاباته قريباً هذا الموضوع وأن يتقدم نوابه بدراسات معمقة وحلول عملية لمواجهة شرور السوشيال ميديا قبل أن تتوحش، وتفاجئنا بأمور تتجاوز الخيال فى الدناءة والحقارة والتفاخر بالموبقات تحت لافتة غريبة اسمها «الحرية الشخصية»!.
وأدعو الباحثين فى علم الاجتماع وعلم النفس إلى التعمق فى دراسة الآثار الإنسانية المترتبة على الاستغراق غير الرشيد فى العالم الافتراضى على الأطفال والشباب، وكذلك الكبار الذين فقد بعضهم الكثير من حكمتهم بسبب السوشيال ميديا!.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة