د. غسان محمد عسيلان
د. غسان محمد عسيلان


نقطة ارتكاز

العرب .. وعام هجرى جديد

بوابة أخبار اليوم

الإثنين، 07 سبتمبر 2020 - 08:10 م

قبل ثلاثة أسابيع احتفل المسلمون بذكرى هجرة النبى صلى الله عليه وسلم، وهى مناسبة جليلة نتذكر فيها كيف ابتدأ تكوينُ الأمة الإسلامية وإنشاؤها فى المدينة المنورة، وذلك بعد سنوات عاشها الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله تعالى عليهم يعانون من اضطهاد المشركين لهم فى مكة، ذاقوا خلالها أشد صنوف التعذيب، وعانوا أبشع وأقسى أنواع المعاناة والابتلاء، لكن الله تعالى منَّ على عباده المسلمين بالنصر والفتح المبين، وعندما هاجروا إلى المدينة صارت لهم شوكة، وأصبح للإسلام دولة تحمى المسلمين وتدافع عنهم، وانطلق هؤلاء النفر ينشرون دين الإسلام فى أصقاع الجزيرة العربية كلها، وتخلَّصت القبائل العربية من جاهليتها ووثنيتها، ودخلت فى دين الله أفواجًا، وحمل العرب مشعل الهداية الربانية، وانطلقوا باسم الله يبلغون رسالة الدين الخاتم الذى ارتضاه الله تعالى لعباده.
فى الواقع لم يكن حادث الهجرة النبوية الشريفة أمرًا هيِّنًا بل كان حَدَثًا جللًا ومفصليًّا فى تاريخ الإنسانية كلها غيَّر وجْه الحياة فوق هذه البسيطة، فهذه الثلة المؤمنة من العرب تجرَّدَت لله تعالى، وحملت راية دينه وراحت تنشره فى العالمين، ولم يكونوا قبل ذلك سوى قوم فقراء بسطاء حفاة عراة، لكن الله تعالى رفع ذكرهم واصطفاهم لتبليغ دينه ونشر رسالته وشريعته السمحاء، وذلك بعد أن هيأهم لأداء هذه المهمة العظيمة.
ومن أروع المواقف التى خلَّدها التاريخ والتى تلخص لنا فلسفة الإسلام ورؤيته للكون والحياة موقف الصحابى الجليل ربعى بن عامر رضى الله عنه مع رستم قائد جيش الفرس فى معركة القادسية، فقد أرسل رستم إلى سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه قائد المسلمين أن ابعث إلينا رجلًا نكلمه ويكلمنا، فأرسل سعد ربعى بن عامر إليهم، وأراد رستم أن يُظهر عظمة الفرس فى مجلس فخم مهيب ليخيف رسول المسلمين إليه، فزيَّن مجلسه بالنمارق المذهَّبة، والزرابى المبثوثة، وأظهر اليواقيت والوسائد المنسوجة بالذهب، وغير ذلك من الأمتعة الثمينة وألوان الأبهة والزينة العظيمة، وجلس على سريرٍ من الذهب، وعلى رأسه تاجٌ من الذهب!!
وجاء ربعى بن عامر بثياب صفيقة، يركب فرسًا قصيرة، ومعه رمح وترس، وسيف بسيط وضعه فى خرقة بالية.. وظلَّ راكبًا الفرس حتى داس بها على البسط الثمينة.. ثم نزل وربط حبل فرسه بطرفى وسادتين، فلما اقترب من رستم قال له الجنود: ضع سلاحك! فقال: إنى لم آتكم فأضع سلاحى بأمركم، ولكنى أتيتكم حين دعوتمونى فإن تركتمونى هكذا وإلا رجعت من حيث أتيت!! فقال رستم: ائذنوا له، فأقبل ربعى وهو يمشى متكئًا على رمحه الذى كان يمزق الوسائد والنمارق التى فى طريقه، فلما وصل إلى رستم تعجب من هيئته البسيطة، وقال له فى دهشة: ما جاء بكم؟!!
قال ربعى بن عامر ذلك العربى البسيط الذى فهم دينه وعرف حقيقة الدنيا هذه الكلمات العظيمة التى سطرها التاريخ وحفظها لنا كى ندرك حقيقة الحياة، قال: (لقد ابتعثنا الله لنخرج من شاء من عباده من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام)، أولئك هم العرب المسلمون يدركون قيمة أمتهم وأهمية رسالتها وعظمة دورها التنويرى فى حياة البشر!!
ومع بداية هذا العام الهجرى الجديد يحسُن بنا أن نقف نحن العرب وقفة صدق وتأمل فى حالنا وحال أمتنا!! إن الصراعات الداخلية فيما بيننا تمزقنا تمزيقًا، وبدلاً من أن نستدرك ما فاتنا ونلحق بركب الأمم المتحضرة ونقطع شوطًا كبيرًا فى مجالات العلم والمعرفة التى تركنها وأهملناها قرونا عديدة حتى صرنا فى مؤخرة الأمم، وبدلاً من أن نحمل نور الإسلام للعالمين ونريهم عظمته وعظمة منظومته القيمية والأخلاقية نعيش فى صراعات ونزاعات طائفية وعرقية ومذهبية، ولا نكاد نسمع عن الحروب والمعارك والمآسى اليومية إلا فى الأمة الإسلامية!!
ونتابع الآن الصراع العلمى المحموم بين الدول الكبرى لإيجاد لقاح لفيروس كورونا الذى شل حركة الحياة فى جميع أنحاء العالم، فأين العالم العربى والإسلامى من هذا السباق العلمى لإنقاذ البشرية من براثن هذا المرض الخطير الفتاك؟!!
نحن هنا لا نتكلم من منطلقٍ سلبى يشيع فى النفوس اليأس والإحباط، فليس هذا فى واردنا ولا من أهدافنا، نحن فقط نحاول أن ندق نواقيس الخطر كى نستفيق وتنهض أمتنا وتزيل عن نفسها هذا الركام الهائل من الفشل والجهل والطاقة السلبية التى تملأ نفوسنا بمشاعر الأسى والحسرة.
وعلينا كأفراد أن نتعظ ونعتبر بمرور الأيام وكر الأعوام فإن عجلة الزمن تدور، وقطار العمر يمضي، وأيام الحياة تمر، وهذه الأيام والليالى ما هى إلا وعاء عميق لأفعالنا، وخزائن محفوظة لأعمالنا وهى شاهدة لنا أو علينا بما نفعله فيها من خير أو شر، وكلنا يعلم أن الوقت هو الحياة، وفى الأثر قال الصحابى الجليل أبو الدرداء رضى الله عنه: (يا ابن آدم إنما أنت أيامٌ، كلما ذهب يوم ذهب بعضك)، وصدق الشاعر حين قال:
نسير إلى الآجال فى كل لحظةٍ > > > وأيامنا تطوى وهن مراحلُ
ولله در الشاعر القائل:
دَقَّاتُ قلبِ المرءِ قائلةٌ له: > > > إنَّ الحياة َ دقائقٌ وثواني
فارفع لنفسك بعدَ موتكَ ذكرها > > > فالذكرُ للإنسان عُمرٌ ثاني
ويحسن بنا أفرادًا وجماعات بل وعلى مستوى الأمة كلها ونحن فى بداية عامٍ هجرى جديد أن نخطط لأعمالنا، ولا بأس من وضع خطةٍ زمنية لما نريد أن ننجزه من أعمال، ونتخلى عن العشوائية التى تصف سلوكنا وسلوك أمتنا، وتفقدنا الكثير من الفرص !!

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة