إيهاب الحضرى
إيهاب الحضرى


بالشمع الأحمر

أرقام مراوغة!

إيهاب الحضري

الأربعاء، 09 سبتمبر 2020 - 06:15 م

 قديما كانت هناك قناعة بأن طبيعة الأرقام لا تعرف الخداع، غير أن البشر نجحوا كعادتهم فى هتك براءتها، وأصبحت تتلوّن حسب أهداف مُستخدميها، وتعامل البعض معها باستخفاف، ليصلوا إلى استنتاجات بعيدة عن الدقة، رغم أن تحليلها غالبا ما يقود لنتائج مغايرة تماما.
قبل أيام أصدر الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات تقريرا مهما، يرصد استخدام المصريين للإنترنت على مدار ستين دقيقة، خلال شهور الصيف الماضى. قدّم إحصاءات لسلوك الملايين على الشبكة العنقودية، لكن من الخطأ التعامل معها بصورتها الأوّلية على أنها معلومات، فهى فى الحقيقة مجرد مادة خام، يجب أن تخضع للتحليل، كى يبدأ الخبراء بعد ذلك فى استكشاف دلالاتها.
يقتنص المصريون من وقتهم 11 ألف ساعة لممارسة الألعاب على شبكة الإنترنت، يبقى الرقم منزوع الدلالة إذا لم نعرف كم يستغرق ذلك من أعمارهم، المفاجأة أن هذا كله يتم فى ستين دقيقة فقط. قد يبدو الأمر غريبا فى البداية، لكن الرؤية ستبدو أكثر وضوحا بعد الإشارة إلى أن الرقم المبالغ فيه يخص نصف مليون شخص، يلعب كل منهم بالتوازى فتُصبح الساعة أكثر اتساعا بكثير، وتستوعب آلاف أضعاف حدودها الزمنية المعروفة، وإذا قسمنا عدد الساعات على اللاعبين يصبح متوسط نصيب كل منهم دقيقة ونصفا فقط!
هكذا تبدو الأرقام خادعة إذا لم تخضع للتحليل، فالرقم الأول يعطى انطباعا بأن المصريين لا يفعلون شيئا سوى اللعب، بينما يتحول فجأة إلى النقيض بعد اكتشاف نصيب الفرد من الدقائق. ووفقا للأسلوب نفسه نكتشف المزيد من الدلالات فى التقرير، فقد بلغ عدد زوار مواقع التواصل مليونى مستخدم فى الساعة، قاموا بنحو 52 مليون زيارة، أى أن كلا منهم قام بنحو 26 زيارة خلال هذه الفترة، بمعدل مرّة كل دقيقتين! وضربت الدردشة الإليكترونية رقما قياسيا، حيث اجتذبت 1٫5 مليون فرد، تداولوا ثلاثة مليارات رسالة، أى بمعدل ألفى رسالة للفرد فى الساعة. وهكذا يتضح أن «الرغى» هو الأكثر جذبا للمصريين، مقارنة باستخدامات أخرى، مثل الاستعانة بمحركات البحث (جوجول ونظائره)، فقد زارها 1٫2 مليون شخص، وأجروا نحو 70 مليون عملية بحث، وبهذا يكون نصيب كل منهم 58٫3 عملية، بمعدل عملية كل دقيقة تقريبا، وهو أمر يستحق وقفة، فوفقا للمنطق يمكن استنتاج أن المصريين أكثر إقبالا على المعرفة مقارنة بإقبالهم على اللعب، لكن ما هى العقلية التى تستوعب معلومة جديدة كل دقيقة؟ عموما كنت أتمنى أن يذكر التقرير المجالات الأكثر استقطابا للمُستخدمين، كى نتمكن من تحديد اهتماماتهم.
المفارقة أن البريد الإليكترونى مهدد بالانقراض، ليشرب من الكأس نفسها التى سبق أن سقاها للبوسطجية التقليديين، فقد استخدمه 700 ألف شخص، تداولوا 291 ألف رسالة فقط، أى أقل من نصف رسالة لكل منهم! وهو ما يبعث على التساؤل عن سبب دخول كل هؤلاء إلى البريد الإليكترونى، إذا لم يكن معظمهم راغبين فى إرسال «إيميلات»، والواضح أن الغالبية فى انتظار رسائل مهمة، تدفعهم للدخول باستمرار أملا فى استقبالها.. وربما لا تصل!
يتضمن التقرير إحصاءات أخرى، تخص بث مقاطع الفيديو، تنزيل الملفات، التسوق الإليكترونى، الاجتماعات عن بعد، وغيرها، ويمكن التعامل معها وفقا للأسلوب ذاته والوصول إلى عشرات الاستنتاجات، لكنها مهمة المراكز البحثية التى يجب أن تُصبح أكثر نشاطا، كى لا تتحول التقارير إلى مجرد أداء روتينى، يلتهم الوقت والمجهود بلا فائدة، وحتى لا نكتشف ذات إفاقة.. أننا وقعنا ضحية للأرقام المراوغة!

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة