حي السكرية
حي السكرية


حكايات| «سكرية» نجيب محفوظ .. حين يذوب الأثر!

أسامة حمدي

الإثنين، 05 أكتوبر 2020 - 07:10 م

47 عاما بالتمام والكمال مرت على تصوير الجزء الثالث من فيلم «السكرية».. هنا حي السكرية بالدرب الأحمر بقاهرة المعز، ذلك الحي العريق الذي دارت حوله أحداث الجزء الثالث من رواية الأديب الكبير نجيب محفوظ فى رائعته «الثلاثية»  وهي بالترتيب «بين القصرين»، «قصر الشوق»، «السكرية»، والتى حاز فيها على جائزة نوبل للأدب عام 1988.

أبطال «السكرية»..

تحولت رواية «السكرية» إلى فيلم عام 1973 من إخراج حسن الإمام، سيناريو وحوار ممدوح الليثى، وبطولة يحيي شاهين، ميرفت أمين، نور الشريف، مها صبرى، عبد المنعم إبراهيم، زهرة العلا، محمود المليجي، هدى سلطان، تحية كاريوكا، حسين الإمام، نجوى فؤاد، مديحة كامل، وغيرهم...

الأيام الأخيرة..

وتدور أحداث الفيلم حول عائلة السيد أحمد عبدالجواد عبر ذريتهم من الجيل الثاني والثالث، والتي تتمثل في كل من ياسين وكمال الابن الأصغر، وأولاد البنات عائشة/ خديجة، في سن الشباب، والتحولات السياسية والاجتماعية وتأثيرها على نضجهم ومساراتهم الحياتية، حيث يسير عبد المنعم في اتجاه ديني بحثًا عن الخلاص من وجهة نظره، بينما يرى أحمد أن الخلاص في السير في اتجاه اليسار بحثاً عن قيم العدل، أما أحمد عبدالجواد التاجر الذي يقترب من أيامه الأخيرة حيث يعيش مع زوجته أمينة وأصغر أبنائهما ياسين.

«السكرية» من زمن فات..

وداخل حي السكرية رصد واقع وظروف هذا الحي القديم بعد مرور 47 عاما على تصوير الفيلم من داخل الحارات والبيوت والشرفات الموجودة به، والتى ظلت حتى الآن شاهدة تروي تفاصيل العمل الدرامي الذي عبر عن واقع وظروف سياسية واجتماعية مر بها المجتمع المصري آنذاك وثقافة سادت بين أفراده.

 

قد يعجبك _________________________________

حكايات |«شجر الموز طرح» بالقليوبية.. الأرض الطيبة رزق الفلاحين «من 100 سنة»

_______________________________

«وكالة نفيسة البيضا»..

وأمام بوابة كبيرة عتيقة تفتح على سوق شعبي تُباع فيه جميع السلع ومتطلبات المعيشة، تبدأ السير بضع خطوات لتنحدر يميناً حيث تقابلك بوابة آخرى قديمة وضعت عليها لافتة مدون عليها «واجهة وبوابة وكالة نفيسة البيضا».. أيضا على هذه البوابة حُفر على أحجارها اسم «عطفة الحمام».. تلك هى بداية حي السكرية الشهير الآثري الذي دارت فيه أحداث الجزء الثالث من رواية الأديب الكبير نجيب محفوظ، وتجسدت إلى فيلم درامي حمل اسم السكرية.

بيوت الزمن الجميل..

تدخل من البوابة الكبيرة لحارة ضيقة لا تتسع الإ لفردين يسيران متجاورين، فيبلغ عرضها متر ونصف على الأكثر، من الناحية اليمنى واليسرى من الحارة؛ وقفا بيتين قديمين يسكنهما منذ ذلك الزمان أسُر مصرية شهدت الزمن الجميل، في إحدى هذه البيوت تسكن حتى الآن نحو 80 أسرة مصرية، تستأجر كل منها غرفة بمنافعها من حمام ومطبخ، أو قد يكون الحمام مشتركا فى إحداها.

فى بداية الحارة توجد مشربية قديمة آيلة للسقوط، وهى عبارة عن شرفة كبيرة لإحدى هذه البيوت قاربت الآن على السقوط! لولا قيام أهالى الحارة بتصميم أعمدة من الحديد كسند لها يحفظها من الانهيار كى تبقى شاهدةً على إهمال كل تراث أثري يحكى تفاصيل وذكريات لا تُنسى، كان من المفترض أن يصبح مزاراً ينال اهتماما وعناية من جانب من يهمهم الأمر في مصر المحروسة!

تخرج من الحارة الضيقة التى يبلغ عرضها متر ونصف، بينما يصل طولها إلى 30 مترا تقريبا، لتنتهى إلى عدة حارات متفرعة تتبع أيضا حي السكرية الذي يقطنه حتى الآن حوالى 2500 فرد.

قد يعجبك _________________________________

حكايات| 53 عاماً على «قصر الشوق».. من هنا مر «سي السيد»

___________________________

«ناس زمان»..

وقال عم يسري حسن علي، 66 عاما، على إحدى نصبات الشاى بحارة السكرية حيث بدأ حديثه قائلاً: «الناس اتغيرت مبقتش زي الأول، الناس كان زمان بتخاف على بعض، وحنينة على بعض، لكن حاليا مفيش كل واحد يهمه نفسه ومصلحته بس، وشباب اليومين دول ميعرفش حد ولا يعرف الأصول والجيرة».

يضيف: «من أفضل الأوقات في السنة شهر رمضان وحتى الآن يكون للأيام شكل مختلف.. لو واحد ماشي في الحارة والمغرب أذن مش بيوصل بيته الإ لما يكون فطر في بيت واحد من الجيران، وكلنا بنعمل عرق سوس وتمر هندي وبلح ونوزع على بعض ونعيش أجواء فرحة رمضان وكرم الشهر المبارك، وبرضو العيدين عيد الفطر والأضحى الناس بتعيد على بعض وتزور بعضها».

.

ذكريات تصوير الفيلم..

ويتابع: «أنا أتولدت هنا وولادى مشيوا وسكنوا بعيد عن هنا، لكن أنا مش عاوز أمشي حابب أني أكمل حياتي هنا وأموت هنا لأن مرتبط نفسيا بالسكرية، ولما اتعمل الفيلم كنت عيل صغير كنت أشوف الممثلين والكاميرات هي وبتصور الفيلم».

أسعار الزمن الجميل..

ويضيف:«المعيشة زمان كانت رخيصة وأنا واخد أوضة في البيت القديم إيجار قديم كنت أدفع 15 قرش كل شهر، وفيه سكان كانوا يدفعوا 20 قرشا و35 قرشا، وأنا حاليا بدفع 85 قرش لأن البيت مملوك للأوقاف».

شيخ الحارة..

يوضح: «شيخ الحارة كان اسمه عم فؤاد كان يستلم الاستدعاء بتاع الجيش زمان للشباب، وكانت الأفراح تقام في الحارة وشباب الحارة يزفوا العروسة لما تنزل من الحنطور لحد لما توصل أوضتها، والسكرية طلع منها مشاهير زي المغنيين الشعبين أشرف المصري وفوزى العدوي».

عطفة الحمام..

يلتقط منه سمير دسوقى ، 43 عاما، طرف الحديث فيقول: «حارة السكرية كان فى أولها سبيل اشتهرت به اسمه سبيل نفيسة البيضا ومشهور برضو بعطفة الحمام، وكانت مشهورة بحمام السكرية أو وكالة السكرية، وكان فيها سكن العساكر، والفيلم مشاهد منه اتصورت هنا ولسه موجودة البيوت والشرفات اللى في الفيلم لحد الآن».

يواصل حديثه لـ«بوابة أخبار اليوم» زمان الحياة كانت جميلة مكنش فيه تلاجات عند البيوت الإ عندنا احنا وكانت أمى تملأ الثلاجة مياه ساقعة وتخليني أوزع على البيوت علشان الناس تفطر مياه ساقعة في رمضان، وفي الصيف الجيران يخزنوا عندنا مياه ساقعة وياخدوها آخر النهار».

يشير خالد فرج، 44 عاما، إلى أن حارة السكرية بها أسماء مشهورة لازالت تُذكر حتى الآن مثل «فرج شحاته وخالد أوشة وعم محمد شوقى العجلاتي».

أقرأ أيضًا _______________________________

حكايات| مقامات تلاوة القرآن.. شرح رسالة السماء بـ«النغم»

___________________________

مقام مبروك..

ويضيف: «السكرية فيها مقام شيخ مشهور بنعمله مولد كل سنة وهو شيخ مبروك سكن في السكرية من زمان ومات وأدفن فيها والناس عملت له مقام تقرب منه تشم رائحة العطر والمسك تفوح منه».

ارتباط أبدي..

أما عيد شحاته محمد، 55 عاما، صاحب نصبة شاي بالسكرية، فيقول: «النصبة دي ورثتها من أبويا، وعمر النصبة حوالي 60 سنة في نفس المكان موجودة وزباينها من الحارة، وطلعوا ولادهم بيشربوا من عندي، وأنا جددتها واشتريت فيها كل المشروبات اللي الزباين عاوزاها، والناس هنا طيبين وولاد بلد وكل الناس عارفة بعضها والغريب وسطنا بنعرفه من أول ما يدخل الحارة وبنقف جنب بعض وقت الشدة والضيق، لكن أحيانا الشباب الصغير اللى لسه طالع مش بيقدر الناس الكبيرة ويبقي طايش وعاوز يجري بالموتسيكلات ومش يحترم حد».

واستطرد: «السكرية عشت فيها شبابي ومش بفكر أنقل منها، وغيرت عنواني وكتبته السكرية، أنا بعتز أنى من السكرية، وآكل عيشي هنا في الحارة، والحمد لله نصبة الشاي فاتحة البيت وبصرف منها على العيال».

عشش آيلة للسقوط..

وقمنا بجولة داخل إحدى البيوت الكبيرة العتيقة الموجودة بالسكرية والتى لاتزال تسكنها أهالى المنطقة، حيث تصعد سلالم مرتفعة مظلمة لا تكاد ترى درجات السلم عند صعودك لترى النور فور وصولك لسطح البيت المقسم إلى غرف متجاورة يفصلها جدار، وأمام كل غرفة يوجد صنبور ماء وبُنى أسفله حوض من الطوب والأسمنت مخصص لغسل الوجه.

تجد على سطح البيت الذي شهد تمثيل بعض من مشاهد العمل الدرامي في فيلم السكرية العشش الهزيلة المبنية من الصاج والخشب وجريد النخل والأقفاص، والتى اشتكى عدد من الأهالى من خطورة اشتعالها في أي وقت، ما يهدد حياة السكان بالبيت.

وعلى سطح البيت انتشرت القمامة بشكل كثيف حيث يقوم السكان بإلقاء فضلات الأكل ومخلفات الاستخدامات المنزلية فوق سطح المنزتل حتى تراكم أكوام من القمامة عبر سنوات.

ويقول سمير دسوقي: «مفيش اهتمام من الحكومة بالبيوت هنا ممكن عود كبريت يولع في المنطقة كلها علشان العشش من الخشب وجريد النخل، والزبالة ملت سطح البيوت ومفيش حد بيحاول يساعد الناس الغلابة، والناس هنا مطحونة وملهاش حد».

ويوضح: «البيت ده فيه أسر ساكنة وهو مهدد بالانهيار في أي وقت وفيه جانب من البيت اقترب من الانهيار لولا ستر ربنا على الناس الغلابة اللى ساكنة، لأن البيت مش من الأسمنت هو الطوب الطفلي القديم».

أما الحاجة نفيسة سيد مصطفى، 69 عاما، فتقول: «مولودة هنا وساكنة هنا، وعندي ولدين سكنوا بعيد مش في السكرية وبقبض معاش 600 جنيه، وبدفع إيجار 37 قرشا، ومشاهد الفيلم اتصورت هنا في البيوت دي، وأنا عشت في البيت ده ذكريات حلوة، كنت أروح سوق المغربلين اشترى طلبات البيت».

وتابعت: «السكن غرفة وصالة والحمام وحوض قدام الغرفة، وفي الشتاء المطر بينزل علينا وبغطي الأجهزة الكهربية بغطاء بلاستيك والأرضية كلها بتبقي مياه لأن السقف من الخشب، ولما بتكون المطر شديد بسيب البيت وأمشي بخاف يقع علينا».

قد يعجبك __________________________________

حكايات |«شجر الموز طرح» بالقليوبية.. الأرض الطيبة رزق الفلاحين «من 100 سنة»

__________________________________

فقر الأهالي..

وأما «أم محمد»، 32 عاما، ربة منزل، فتوضح: «جوزى راجل أرزقى شغال في حرفة خياطة الأحذية، عندى محمد في رابعة ابتدائي، وريتاج في حضانة، وبعت ذهبي واشتريت مشمع علشان السقف ومياه المطر متنزلش على الأجهزة الكهربية تبوظها، وبنيت حيطة علشان تفصل بين أنا وجوزي والعيال، وبطالب بسكن يلمنا أنا وعيالى علشان البيت قديم هيقع علينا عاوزة أوضة في مكان بره البيت القديم خايفة يقع على العيال، وعاوزة معاش نعيش به علشان جوزى أرزقى يوم فيه ويوم مفيش».

نهاية الرحلة..

تخرج من البيت القديم الذي ظل شاهدا على أحداث الفيلم والرواية التى تجسدت على أرجائه، لتهبط الدرج المظلم، وتمر بالحارة الضيقة الصغيرة لتقودك مرة آخرى مما دخلت حيث البوابة الضخمة، وعطفة الحمام والمشربية ووكالة وبوابة نفيسة البيضا لتدخل السوق الشعبي الكبير.

 

 

قد يعجبك أيضاً  _________________________________

حكايات| «سيارة فيروز» ملاكي ومطبخ متنقل.. حلم أسرة تحول لحقيقة

حكايات| الأسطى عبده «بيتهوفن مصر»..ميكانيكي كفيف «ايده تتلف في حرير»

حكايات| ذكرياتك مع حازي مازي والسبع طوبات.. حين تتحول كرة الشارع لأسلوب حياة

حكايات| صناعة الشموع.. «ورش الغورية» صامدة في وجه المستورد

حكايات |«شجر الموز طرح» بالقليوبية.. الأرض الطيبة رزق الفلاحين «من 100

_________________________________

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة