طه حسين تونس
طه حسين تونس


تعيين غير مدروس وإقالة سريعة: «طه حسين تونس» ضحية الانفعال الثورى

بوابة أخبار اليوم

السبت، 17 أكتوبر 2020 - 11:44 ص

سوسن الطيب العجمى

سواء كان «التوزير» فى تونس بعد ثورة يناير فى جل الحكومات المتتالية، موسوما بشرف المحاولة أو بنجاح نسبى فمنطقه مدرسة الثورة، وهو اقتطاع من دروس عظيمة تصبح فيها المحاولة شرفا والفشل ليس مبالغا فيه والنجاح نسبيا.


إذا تأملنا فى الحكومة التونسية الأخيرة التى يرأسها هشام المشيشى سنلاحظ تبئيرا حقيقيا إذ سُلط الضوء على وزير الثقافة تحديدا مذ فكرة تعيينه إلى حدود إقالته.

من يكون وليد الزيدى وهل يحتاج تعيينه من عدمه إلى كل هذا اللغط الذى حدث فى الفترة الأخيرة؟

 الدكتور وليد الزيدى، عرفناه أستاذا فى كلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة ولا يخفى على أحد تاريخ هذه الجامعة التونسية التى تلقب بـ «جامعة بغداد». ومقدار تأثر مريديها من أحباء العلم بعوالمها المعرفية نظرا لما تضيفه من فكر ومناهج وطرائق مثلى فى التعامل مع المنهج التعليمى، وتوظيفها لأساتذة مفكرين ولكل واحد منهم مجاله الخاص فى إبداعه. أما الأستاذ وليد الزيدى وباعتباره فردا من أفراد هذه المجموعة النيرة هو أوّل كفيف تونسى، يتحصل على شهادة الدكتوراه فى الآداب، بعد مناقشة أطروحته وذلك خلال العام الماضى بكلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة وقد أثار تحصله على درجة الدكتوراه ضجة إعلامية جعلته معروفا عند عامة الشعب التونسى.


فى هذا السياق فوجئنا بتعيينه وزيرا للثقافة مع بداية ترسيخ الحكومة الجديدة، والمفاجأة ترتبط خصوصا بتكليف شاب من مواليد  30 أبريل 1986 ولا أحد من المتفاجئين شكك فى نبوغه الفكرى الذى كان بشهادة أساتذته وطلابه، بينما كانت عاصفة الاحتجاجات تتجه ضمن ما يقتضيه المجال الثقافى من أهمية قصوى فى وجوب تسيير دواليب الإدارة، من طرف شخص عارف ومطلع على الشؤون الثقافية فى تونس وتعقيداتها ومن ثمة المشهد الثقافى المرئى الذى عكس صورة مضادة باعتبار أن الوزير من ذوى الاحتياجات الخاصة أى كفيف.


تعالت أصوات بعض المتحمسين «لتوزيره» من أهل الثقافة ولقبوه بــ «طه حسين تونس» وتهاوى اللقب مع الرافضين بدعوى أن الأمر يختلف من حيث الشخص من جهة أولى، فطه حسين شغل العديد من المسؤوليات والمناصب العليا قبل تعيينه وزيرا للمعارف سنة 1950 إذ عين عميدا لكلية الآداب ورئيسا لجامعة القاهرة.. واطلاعه على الثقافات الأوروبية وكتبه التى جعلت منه أديب عصره ومن حيث الزمن من جهة ثانية بكل أشكاله المتغيرة، إذ مر أكثر من نصف قرن على تعيين طه حسين ومدة تنصيبه على رأس وزارة المعارف المصرية لم تتجاوز السنتين.
بيد أن الأستاذ وليد الزيدى قد تأثر بما قيل فكانت ردة فعله سلبية إذ كتب على وسائل التواصل اعتذاره عن توليه هذا المنصب قائلا: «... يعلم الله أن الوزارة قد أتتنى طوعا لا كرها، ولم أرد مواردها ولم أبلغ مبالغها، ويعلم الله أننى لا أرضى بالجامعة بدلا، وأشهد الله وأشهدكم أنى تعففت عنها...».


وقبل رئيس الحكومة هشام المشيشى هذا التعفف وفى المقابل رفض رئيس الدولة التونسية قيس سعيد التخلى عن هذا الوزير الكفء وحسب منظوره هى تجربة رائدة فى تونس وتفاعل مع الأستاذ وليد الزيدى وذلك إثر دعوته إلى القصر الرئاسى بقرطاج ونتيجة اللقاء مباشرة عمله وزيرا للثقافة التونسية.


وإذا كان العمل الثقافى فى تونس له أوجه كثر، فإن الأستاذ وليد الزيدى قرر فرض اهتمامه على الكتاب وأدب الطفل ومسرح الطفل فى خطواته الوزارية الأولى، فعين مستشارين من أهل الكتاب.


وينبغى أن نشير إلى أسمائهم قصد التوثيق الدكتور محمد القاضى والدكتور مبروك المناعى والدكتور سهيل الشملى وكلهم أساتذة فى الجامعة التونسية ولهم مجالاتهم الفكرية والـأدبية.

لعل ما قام به وليد الزيدى من مبادرات فى فترة وجيزة، تبشر بوزير عارف بمشروعه الذى رسمه لوزارته إذ قام بدعوة الفاعلين فى المجال الثقافى التونسى على غرار اتحاد الكتاب التونسيين ورابطة الكتاب الأحرار التى يترأسها القاص جلول عزونة وكاتبها العام الدكتور حمد الجابلى، ونادى القصة الذى يعتبر من أقدم النوادى الأدبية التونسية والذى أسسه الروائى محمد العروسى المطوى.


 وكانت له اتصالات حثيثة ببيت الرواية التونسية وهو أول بيت عربى يعنى بالرواية، والعديد من الدعوات والاجتماعات وحضور بعض التظاهرات الأدبية والفنية وزيارة بعض الولايات وافتتاح بعض المنشآت والمعارض.


وقد حددت بعض المعطيات فى الفترة الأخيرة، إقالة وزير الثقافة التونسية سنتناولها باعتبارها الأقرب إلى معطيات تداولية علائقية حوكم فيها الخطاب المتبادل بين رئيس ووزيره.
شهدت البلاد التونسية فى الفترة الأخيرة انتشارا سريعا لفيروس كورونا، استوجب اتخاذ قرارات عاجلة من طرف رئاسة الحكومة فى بعض المجالات.


أما الشأن الثقافى وهذا ما يعنينا بالخصوص فقد أصبح واضحا لأصحاب المجال تعليق كل نشاطاتهم الثقافية وتأجيلها خاصة وأن تونس فى الموجة الثانية من الوباء ووجب تطويقه بكل الجهود الممكنة.
أثار هذا الخطاب غضب بعض المثقفين الذين سارعوا إلى التواصل مع وزير الثقافة التونسية، مستنكرين هذه الإجراءات التى طالت منعهم دون موجب حق أو اعتبار لما كرسوه من جهود فى تفعيل عروضهم ونشاطاتهم. .


فى الأثناء أكد الوزير وليد الزيدى يوم الاثنين 5 أكتوبر 2020 أنه لم يستلم أى قرار مكتوب فى هذا الشأن من رئاسة الحكومة، مؤكدا أن وزارته وزارة ثقافية وليست وزارة لتنفيذ بلاغات الحكومة.


وهنا قرر رئيس الحكومة هشام المشيشى فى نفس اليوم إعفاء وزير الثقافة وليد الزيدى من مهامه وتكليف وزير السياحة حبيب عمار بتسيير وزارة الثقافة بالنيابة.
لقد أسبغت فكرة تعيين وزير الثقافة منذ البداية إلى حدود إقالته تساؤلات كبيرة فى صفوف بعض المهتمين بالشأنين الثقافى والسياسى فى تونس والإجابة فى نظرهم تعيين غير مدروس وإقالة سريعة.


وبالرغم من كل هذه الأحداث المتسارعة التى طوقت هذا التعيين خصوصا نجد تنوعا واختلافا موسومين بالإيجابية وما ذكر مذ بداية المقال هو الإجابة الصحيحة فى نظرى فالمنطق هنا مدرسة الثورة وهو اقتطاع من دروس عظيمة.


وليد الزيدى أستاذ جامعى نابغة من نوابغ هذا الزمن الذى سحب بساطه عن كل بليغ كان من الممكن أن يضيف إلى الثقافة التونسية وأن يساهم فى ترسيخ الكتاب وهذا هو هدفه الرئيسى لكن شاء الانفعال أن يطوق المسألة والسياسة متوجة بسلكها الدبلوماسى فمن يسير على هذا السلك واقفا يبقى لا محالة ومن ينعرج عنه يقال فى تونس 2020.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة