الأربعاء، 28 أكتوبر 2020 - 05:19 م

حلم قديم متجدد ظل على مدى أكثر من قرن يراود الأفئدة الذكية، ويداعب الأخيلة النابهة، ويتراءى للمثقفين كالماء للعطاشى فى الصحارى المقفرة، ذلك حلم صدور دائرة معارف شاملة باللغة العربية، التى حرمت طويلا من ذلك الزاد، على الرغم من طرح الفكرة منذ عقود متراكمة، سواء فى صورة محاولة لرواد كالمعلم بطرس البستانى الذى تصدى وحده ثم استعان بأبنائه لإصدار دائرة معارف شاملة بالعربية، وللأسف لم تكتمل التجربة، وتوقف عند بعض مواد حرف العين، أو تجربة المفكر الأصيل الراحل محمد فريد وجدى، الذى تصدى بجهده الفردى لتنفيذ الحلم وحده، فخرجت المحاولة المتمثلة فى «دائرة معارف القرن العشرين» مشجعة، وحسبه أنه حاول بجرأة غير معهودة خوض مهام تحتاج إلى جيش جرار من المفكرين والنقاد والعلماء والفنانين، وتتطلب خطة دقيقة للإنجاز فضلا عن ميزانية لائقة، وقد سار الحلم على الطريق الوعر الشاق بخطى بطيئة متعثرة، تجسدت فى تجارب غير مكتملة، حتى وصل إلى محطة فاصلة فى تاريخه، وهى صدور الموسوعة العربية الميسرة التى توفر على ترجمتها عن الإنجليزية، وتأليف المواد الخاصة بالعالم العربى والإسلامى حشد من كبار المفكرين والأدباء والعلماء وفى مقدمتهم: د.زكى نجيب محمود، ود.سهير القلماوى، ولكن وعلى الرغم من أهمية هذه الخطوة إلا أنها لم تلب الطموحات الكبيرة، ولم تحقق الحلم المؤجل لعقود عديدة، وقد ظل ذلك الأمل الطموح يراود مثقفينا البارزين ويؤرق ضمائر كبار المفكرين وفى صدارتهم العلامة الكبير الراحل صديقى د.حسين نصار، الذى غادر دنيانا وفى نفسه غصة مريرة من إخفاقه فى تحقيق الحلم الشاهق، بعد أن استغرقه فى سنوات عمره الأخيرة، وللأسف عجز العلامة ـ الذى احتفلنا منذ أيام بذكراه - ولطالما حدثنى عن مشروع عمره الذى يختتم به حياته العلمية المديدة وهو إصدار دائرة معارف شاملة بالعربية، تكون نواتها تجربة إصدار الموسوعة العربية الميسرة التى خرجت إلى النور للمرة الأولى عام 1965، وقد وجدت نفسى - وأنا أتذكر أستاذى وصديقى د.حسين نصار فى عيد ميلاده - أعيد طرح الدعوة لتحقيق حلم عمره، وأمنية السنين، وإنجاز ذلك المشروع العملاق الذى لطالما نادينا به كثيرا، خاصة وأننا فى عصر الإنجازات الشاهقة حقا، فى شتى المجالات والميادين.