إبراهيم عبد المجيد
إبراهيم عبد المجيد


مصر الجديدة

الكورونا والأدب

إبراهيم عبدالمجيد

السبت، 31 أكتوبر 2020 - 07:56 م

سؤال قفز مع بداية وباء الكورونا عن شكل العالم بعد الوباء. انشغل به كتاب ومفكرون. كان رأيى أن هذا الأمر قد تجد له تجليات فى العالم المتقدم، أما فى العالم المتخلف فلن تتغير الحياة كثيرا. ستظل المواقع الاجتماعية كما هى وستظل طرق السياسة والحكم كما هى. حين أنظر إلى ما يحدث فى العالم أحمد الله أن الأمور عندنا لم تصل إلى مراحل الوباء التى قرأنا عنها فى التاريخ، فليس هناك موتى فى الطرقات. كما أن نسبة المصابين قليلة جدا قياسا لما يحدث فى أوربا وأمريكا، وهذا يجعلنى أذكر رغم ما تفعله وزارة الصحة من مجهود، قولا قديما لأبى رحمه الله أن مصر يحرسها الأولياء. حتى ما نسمعه فى العالم من تحول معظم الأعمال إلى العمل عن بعد فلم يشمل أعمالا كثيرة عندنا، وأكثر ما يشمله حتى الآن هو التعليم. تبدو الكورونا فى مصر رغم الهلع الذى يطل علينا من الأخبار العالمية أنها الأقل وطأة، وأرجو ألا يكون لما نسمعه عن الموجة الثانية فى أوربا وأمريكا أثر لدينا، والحمد لله على تأخر الشتاء رغم أن نار الصيف لا تنتهى.
وسط هذا الجو قيل منذ شهر فبراير الماضى وبشكل بدا حاسما أننا سنشهد أدبا، قصصا وروايات جديدة، عن الكورونا والناس، وعن الحياة وسط الوباء، وبدا الحديث كأنه قرار من النقاد والذين كتبوا ذلك. الحقيقة كتمت دهشتى. فالوباء ليس ضروريا أن يكون فيروسا. الوباء هو ما يحل بالعالم من تغيرات تقتل ساكنيه فى حروب لا معنى لها، وهجرات بالملايين عبر البحار دون أمل، أو سجون ومعتقلات، أو عمليات إرهابية، أو فوضى وعشوائية فى السلوك والبنيان. بدا من الحديث أن ذلك سيحدث بشكل مؤكد فى الفنون الأدبية، وسألت نفسى سؤالا أطرحه على الجميع اليوم. ماذا لو كتب كاتب عن شىء آخر ولم يبال بالكورونا ؟ هل يكون خارج السياق ؟ ماذا لو أتاحت العزلة للكاتب أن يقرأ ويتابع على الإنترنت غرائب الأحداث، وفكر فى عالم خال من البشر باعتباره لا يرى أحدا، وعاد دون أن يقصد إلى الأساطير الأولى محاولا أن يضاهيها، فيكتب عن كائن وجد نفسه وحيدا لا يذكر له ماضيا ولا يعرف له مستقبلا وكل شىء حوله جماد؟ ماذا لو أعجبته كلاب الشوارع الخالية وألِفها وألِفته وصار بينه وبينها حوار من نوع ما. الكلاب لن تتحدث معه عن الكورونا! أفكار كثيرة يمكن أن تأتى بها العزلة، ومثلها لو خرج يوما ليرى الشوارع عامرة بالبشر، فيندهش ممن يتحدثون عن رعب الكورونا. الموضوعات تأتى إلى الكاتب ولايذهب إليها مسرعا، فما بالك حين يذهب لأن النقاد والمفكرين تحدثوا عن أدب الكورونا أو ما بعدها. ستكون الكتابة متكلفة فى الغالب، وأى كتابة فنية تبدأ مع الغرض تكون أشبه بالمقالات المباشرة وتفقد كثيرا من فنيتها. يمكن أن تعرف بإصابة الكثيرين بالكورونا ولا تكتب، ويمكن للصدفة أن تضعك أمام شخص واحد فتجده مادة أدبية عظيمة. المسألة نسبية. يمكن لشخص لا يغادر البيت ويجلس فى الشرفة يعزف لا يسمعه أحد أن يكون قصة جميلة. ويمكن لكاتب لديه طموح كبير أن يعود إلى التاريخ فى أحداثه الكبرى مبتعدا عن الأوبئة حتى لا يتذكر الكورونا، متوقفا عند الحروب لأن الوقت صار متسعا لديه. عشرات الموضوعات ستظل كما هى وسيظل الطموح إليها دون ذكر الكورونا. فقط هى العزلة التى أتاحتها هى السبب. لا تنتظروا مساحة كبيرة من أدب ما بعد الكورونا ولا تطلبوها حتى تظل بعيدة عنا يرحمكم الله فالأمل فى شىء كثيرا ما يحققه !

 

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة