عبدالله البقالى
عبدالله البقالى


حديث الأسبوع

حقائق صادمة تكشف نفاق الأقوياء

الأخبار

السبت، 07 نوفمبر 2020 - 06:53 م

من باب القول إن السماء فوق رؤوسنا، الإقرار بأن الدول الفقيرة هى التى تدفع التكلفة غالية فيما يتعلق بالأضرار التى تلحق بالمناخ، وأن الدول الغنية مسؤولة بنسبة عالية جدا عما تخلفه أنشطتها الصناعية والاقتصادية المكثفة من تداعيات على البيئة بصفة عامة، وعلى المناخ بصفة خاصة، لذلك فهى مسؤولة مسؤولية مباشرة وكاملة على مواجهة هذا الخطر الذى يترصد بالعالم.
الواضح من خلال المعطيات والحقائق المتواترة فى شأن هذه القضية البالغة الأهمية أن الدول الغنية تجتهد فى التنصل من مسؤوليتها فى هذا الصدد، وتبدع فى أشكال التحايل بهدف إبعاد المسؤولية عنها، وهى بذلك تنجح، لحد الآن، فى إلهاء الرأى العام الدولى بما يديم الأزمة ويزيدها تعقيدا واستفحالا.
أولا، نعترف بأن التمويل الدولى المتعلق بالتصدى للمخاطر المحدقة بالمناخ قضية معقدة تقنيا و لكنها أكثر تعقيدا من الناحية السياسية ، لأن العديد من العناصر تتداخل فيها، والعديد من الإشكاليات تترتب عنها، وأنها فى ضوء ذلك ليست بالسهولة والبساطة التى تبدو عليها لأول وهلة.  فالدول الغنية تبدى من حيث الشكل اهتمامات بالغة بها، وترفع فى صددها شعارات كبيرة وضخمة، وتعقد فى شأنها مؤتمرات وقمم عالمية، وتشغل بها الرأى العام بصفة مستمرة، لكن فى الجوهر، وفى حقيقة الأمر، فإن جميع المؤشرات تدل على أنها تتعامل مع هذه القضية بكثير من الاستخفاف والتماطل وحتى التحايل.
أمامنا بهذه المناسبة تقرير حديث، صادر عن المنظمة الأهلية العالمية  أوكسفام (OXFAM) ونشر قبل أيام قليلة ماضية، يكشف عن معطيات صادمة فى هذا الصدد، و يعرى رزمة من الحقائق المذهلة التى تكشف عن طبيعة تعامل الدول الغنية مع قضية بالغة التعقيد وكثيرة الخطورة. فقد أكد التقرير أن الدول الغنية لم تف إلا بثلث التزاماتها المالية التى أعلنتها فى مناسبات عديدة، فيما يتعلق بالمساعدات المالية المرصودة للدول الفقيرة لمواجهة التغير المناخي، فقد التزمت هذه الدول فى قمة كوبنهاغن المنعقدة فى بحر سنة 2009 بتخصيص ما قيمته 100 مليار دولار سنويا، من الفترة الممتدة من 2009 إلى 2020 لمساعدة دول الجنوب لمواجهة التغير المناخى، و هو الالتزام الذى تم تأكيده فى اتفاق باريس الذى توج أشغال قمة المناخ 2015 بباريس، لكن الحقيقة التى كشفتها (أوكسفام ) تفيد أن المبلغ الإجمالى الذى صرفته جميع الجهات المانحة لهذا الغرض، من حكومات وصناديق دولية ومؤسسات مالية دولية مختصة، لم يتجاوز فى مجموعه 59.5 مليار دولار خلال سنتى 2017 و 2018 ، ولكنه فى حقيقة الأمر و بلغة التدقيق، فإن المنظمة تؤكد أن المبالغ المرصودة فعلا لهذه المساعدات، والتى سلمت فعلا إلى الدول الفقيرة تراوحت ما بين 19 و 22.5 مليار دولار خلال نفس الفترة، والأخطر من ذلك فإن نفس التقرير يكشف عما يمكن وصفه بالتحايل الفظيع الذى تمارسه الدول الميسورة فى هذا الشأن، حيث يؤكد أن 80 بالمائة من المبالغ الممنوحة لم تكن مساعدات مالية تلقائية ، بل قدمت فى شكلٍ قروض، بيد أن ما يمكن تسميته بمساعدات مالية لم تتجاوز نسبتها من المبلغ الإجمالى 20 بالمائة، والأكثر فظاعة فى هذا الأمر المخزى، أن 40 بالمائة من تلك القروض تمت بشروطغير ميسرة  وهى بذلك لم تحترم حتى شروط القروض العادية التى تمنح للدول الفقيرة بشروط ميسرة جدا، فيما يتعلق بنسبة الفائدة التى تكون منخفضة عن نسب القروض فى السوق، وطول مدة التسديد، و هذا يعنى ان الدول الغنية تأخد باليد اليسرى ما أعطته باليد اليمنى أضعافا مضاعفة. وتتفق منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية التى تتسابق الدول العظمى على الفوز برئاستها خلال السنة المقبلة مع منظمة أوكسفام، أن المساعدات المالية الممنوحة لدول الجنوب تحت غطاء مواجهة المتغيرات المناخية لا تقتصر على شرط تمكين الدول الفقيرة من تحقيق هذه الغاية، بل إن 65 بالمائة من قيمة هذه المساعدات خصصت لتمويل تقليص برامج دول الجنوب المتسببة فى الإضرار بالمناخ، وهو المعطى الذى يناقض أحد البنود الرئيسية فى اتفاق باريس للمناخ، الذى ينص على تحقيق التوازن بين المواجهة والبرامج . ويزيد التقرير من منسوب الصدمة، حينما يكشف أن الدول الفقيرة التى تعتبر أكثر تضررا من تداعيات التغيرات المناخية، لم تحصل إلا على 3 بالمائة من المبلغ المالى العالمى المخصص لهذه الغاية.
هذه المعطيات و غيرها كثير لازال خافيا على العيان، ترجح فرضية مفادها أن الدول الغنية التى تتسبب من خلال أنشطتها الصناعية و التجارية و الاقتصادية فى الإضرار بالمناخ، حيث يزيد مؤشر ارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية سرعة، ليست مجدة فى تنزيل ما ترفعه من شعارات كبيرة و ضخمة فى هذا الشأن، و أن ما تدعيه من جدية وصرامة لايعدو أن يكون مجرد جهود بئيسة لتبرئة الذمة مما يتهدد العالم، ومحاولة للتنصل من مسؤوليتها إزاء الرأى العام الدولي، ولذلك كله لا يمكن المراهنة عما ستسفر عنه القمة العالمية للمناخ، المنتظر انعقادها خلال العشرية الأخيرة من هذا الشهر بالمملكة المتحدة، لأن المشاركين فيها سيلوكون نفس الكلام، بيد أن الأسئلة الحارقة التى تشغل بال الرأى العام ستظل معلقة إلى ما لا نهاية.

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة