هشام مبارك
هشام مبارك


احم احم !

تذاكر يا هانم تذاكر يا بيه !

هشام مبارك

الأربعاء، 11 نوفمبر 2020 - 08:06 م

ليس كل ما يتمناه المرء يدركه ففى الوقت الذى كنت أخطط فيه لتغيير مهنة الصحافة إلى مهنة السواقة إلا أننى وجدت نفسى كمساريا لمدة ساعتين.حدث هذا منذ يومين عندما ركبت أحد خطوط المينى باص المتجهة من وسط البلد لمدينة نصر.معروف أن فى المينى باص يقوم السائق بدور الكمسارى أيضاً.كان المينى باص فى بداية رحلته ولم يكن به سوى راكبين أوثلاثة على الأكثر وجرت العادة ألا يبدأ السائق فى جمع قيمة التذاكر إلا بعد أن يمتلئ المينى الباص حيث غالبا ما يقوم بالركن على جنب لدقيقة أو دقيقتين على الأكثر ليقطع التذاكر.وفى أحيان كثيرة يوكل تلك المهمة لواحد من الركاب يتطوع لمساعدته.وكان حظى أن أكون أنا ذلك الراكب الذى وقع عليه اختيار السائق ليكون مساعدا له يجمع له الفلوس ويسلم الناس التذاكر.
أشار إلىّ السائق قائلا:ممكن والنبى يا أستاذ تساعدنى وتاخد تقطع تذاكر للناس، وبالطبع لم ينتظر الرجل منى ردا بل ناولنى التذاكر وقال لى:ماتقلقش الأجرة موحدة خمسة جنيه يعنى ماتشيلش هم فكه ولا يحزنون.لم أكذب الخبر رغم ارتباكى الواضح،وبدأت رحلتى بين الركاب حيث تصادف أن من يجلس فى أول كرسيين شاب وفتاة كان من الواضح أنهما حبيبان يتعاتبان همسا فلم يكن هناك مجال لأن يسمعا أى شيء آخر،اقتربت منهما قائلا:تذاكر ياشباب.فنظرت لى البنوتة قائلة:يرضيك يا عمو إن خطيبى ماجابليش هدية عيد الحب لغاية دلوقتى ولا حتى وردة حمرا؟ فقلت مؤكدا:لا طبعا مايرضينيش. فقال الشاب:أجيب منين بس يا أستاذ خلى الطابق مستور،ماهى لازم تفهم برضه إن الحب اليومين دول قرديحى مافيهوش هدايا.لم يكن من اللائق طبعا بعد سماعى لهذا الحوار أن أطالبهما بتذاكر فقلت لهما:عموما هابى فلانتين يا ولاد وخلى التذاكر هدية منى، ففرحا جدا وراحا يتهامسان مرة أخرى بينما أخرجت من جيبى عشرة جنيهات ثمن التذكرتين.
دخلت على الراكب الذى كان يجلس فى الكرسى الثانى وقبل أن أنطق سمعته يتحدث فى موبايله وكان من الواضح من سياق الكلام أن المدام على الطرف الآخر حيث سمعته يقول دون أن ينظر لى:لا لا لا ياشيخة بط إيه إحنا مش لسه واكلينه أول امبارح؟ ثم صمت برهة وعاد يقول:لالالا إعملى معروف انتى مش فاكرة ازاى أنا ماستحملتش الديك الرومى الأسبوع اللى فات لا شوفيلنا حاجة غيره.ثم عاد يسمعها قبل أن يقول وقد بدأ صبره ينفذ:ياستى ارحمينى بقولك أنا صحتى خلاص معدتش تتحمل الحمام اديكى شوفتى الشهر اللى فات لما كنت هفطس بعد ما أكلت جوز الحمام بالفريك؟!.كنت أستمع لكلام الرجل وأنا فى حالة اندهاش خاصة أن مظهره كان عاديا مثله مثل غالبية ركاب المينى باص لا يوحى أبدا أنه من أكلة الحمام والبط والديك الرومى ويقينى أن آخر عهده باللحوم كان يوم فرحه مثلا.وقد تأكد ظنى عندما سمعته يقول لزوجته:أقولك اعمليلنا شوية عدس يدفونا فى البرد ده،ثم سكت منصتا وعاد يقول:ياه معقولة مفيش فى البيت لا فول ولا حتى عدس؟ طب خلاص بقى احنا مش لسه متغديين امبارح بلاها غدا ياستى النهاردة خلينا كده خفيف خفيف.لم يكن منطقيا طبعا بعد هذه النهاية المفجعة أن أطالب الرجل بخمسة جنيهات فقدمت له التذكرة ووضعت الخمسة جنيهات من جيبى.
بدأت أظن أن من يمتهن مهنة الكمسارى لابد أن يكون رجلاً قاسياً بلا قلب وإلا أعلن إفلاسه بعد اول يوم عمل، وقد تأكدت من هذا عندما دخلت على آخر زبون وكان منهمكا فى حديث تليفونى عرفت من سياق الكلام أنه كان يتابع مع زوجته من خلاله نتيجة انتخابات أمريكا بين بايدن وترامب، وعلى ما يبدو أن زوجته كانت حريصة أن تبلغه بالنتائج أولا بأول وهو غير راغب فى ذلك حيث انفعل فجأة قائلا:بقولك إيه متقرفنيش ملعون ابو ده على ابو ده مالى أنا ومال انتخابات أمريكا وأنا مفيش فى جيبى حتى خمسة جنيه أدفعها تذكرة للمينى باص؟

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة