الانفجار السكانى
الانفجار السكانى


مصر تستقبل «قنبلة» كل 13.5 ثانية.. «الانفجار السكانى» يلتهم ثمار التنمية

آخر ساعة

الأحد، 15 نوفمبر 2020 - 04:45 م

كتب أحمد جمال

حينما نطلع على الأرقام المستقبلية بشأن أعداد السكان فى مصر بعد عقد أو عقدين من الآن، فإن شعور الخوف والقلق على تبديد معدلات التنمية التى حققتها الحكومة خلال الأعوام الأخيرة الماضية، يكون حاضراً بقوة فى ظل وجود جملة من العوامل على رأسها أن الزيادة هى بالأساس عشوائية وتطال الطبقات الفقيرة بشكل أكبر من المتوسطة، وبالتالى سيكون هناك صعوبات جمة لدمجها فى العملية الإنتاجية.. وبحسب أرقام الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، وكذلك وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، فإن عدد سكان مصر سيصل إلى 132.3 مليون نسمة عام 2030 فى حالة ثبات معدّل النمّو الحالى للسكان والتى تقدر بـ 2.56٪، وهو ما يُعنى زيادة سنويًة تقدر بنحو 2.5 مليون نسمة.

 

وحقق الاقتصاد المصرى نموا بنسبة 5.6% بنهاية 2019. وكانت الحكومة المصرية تتوقع أن يصل إلى 6% بنهاية هذا العام، لكن جائحة كورونا حالت دون ذلك، فيما رفع صندوق النقد الدولى فى تقريره الصادر الشهر الماضى توقعاته بشأن معدل النمو المتوقع فى مصر بنهاية العام الجارى إلى 3.6%، مشيرا إلى أن مصر ستكون البلد الوحيد فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الذى سيحقق معدل نمو إيجابيا.


تذهب سيناريوهات الحكومة الرسمية بشأن المستقبل إلى أن الاستمرار على نفس هذه المعدلات يعنى مزيداً من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، مما يؤثر على نصيب الفرد من الإنفاق على التعليم والصحة والإسكان والنقل والمواصلات، وتؤكد أن الخلل بين الموارد وتعداد السكان يزيد من صعوبة مواجهة مشكلات البطالة والأمية ومواجهة التفاوت فى المؤشرات التنموية بين الأقاليم والمحافظات المختلفة، بحسب ما أعلنت عنه الدكتورة هالة السعيد وزيرة التخطيط، تستقبل مصر مولوداً جديداً كل ١٣٫٥ ثانية، لذا تتوقع وزارة التخطيط فى حال استمرار معدلات الإنجاب الحالية المرتفعة، والتى وصلت إلى 3.4 مولود لكل سيدة، وصول عدد المصريين إلى 192 مليون نسمة بحلول عام 2052، أما إذا نجحت برامج تنظيم الأسرة فى خفض معدل الإنجاب إلى 2.1 مولود لكل سيدة، فيتوقع أن يصل عدد السكان إلى 143 مليون نسمة بحلول العام ذاته.


يشير الدكتور عمرو حسن، مقرر المجلس القومى للسكان السابق، إلى أن مصر ستكون ضمن أعلى سبع دول على مستوى العالم فى الزيادة السكانية بحلول العام 2050، ومن المتوقع أن يقفز ترتيب مصر من حيث عدد السكان إلى المركز الحادى عشر عالمياً، بدلاً من ترتيبها الحالى فى المركز الرابع عشر.


وأضاف لـ"آخرساعة"، أن استمرار الزيادة المضطربة فى المواليد بواقع أكثر من 7 ملايين نسمة كما هو مخطط فى أهداف وأنشطة الاستراتيجية القومية للسكان فى العام الحالى يجعلنا أمام خيارين إما الانخراط بشكل سريع فى تنظيم الإنجاب أو زيادة معدلات الفقر والجوع والأمية، لأن مصر لديها فائض ضخم من السكان يزيد من إمكانيات البلد الراهنة، وأن المجتمع يتناسل بصورة مذهلة تحرمه من أن يتمتع بمستوى معيشة المجتمعات العصرية.


لعل التهديد الأكبر الذى يواجهه المصريون فى المستقبل بحسب الدكتور عمرو حسن، ما يرتبط بزيادة معدلات الفقر المائي، بعد أن أضحى نصيب الفرد حالياً 600 متر مكعب سنوياً، فى حين أن تقارير الأمم المتحدة تشير إلى أن خط الفقر يقدر بـ 1000 متر مكعب، وبالتالى فإن أكثر الاحتمالات تفاؤلاً أن يكون نصيب الفرد من المياه 300 أو 400 متر مكعب للفرد مع حلول العام 2050، ما يعنى الوصول إلى حد الندرة المائية.


يمكن المقارنة بين حصة الفرد من المياه فى مصر بالعام 1959 وبين حصته الحالية لبيان مدى خطورة الزيادة السكانية بعد أن كان نصيب الفرد ما يقارب من 2000 متر مكعب سنويا حينما كان عدد سكان مصر 25 مليون نسمة وأن السبب، فيما وصلت مصر إليه حالياً يرجع إلى عصر الفقر المائى بانضمامها إلى قائمة الدول الـ14 الأشد فقرا فى العالم.


لدى حسن، وهو بالأساس أحد المهتمين القلائل بقضية السكان منذ سنوات، يقين بأنه إذا كان بناء المدن الجديدة بما فيها العاصمة الإدارية والشبكة القومية للطُرق، هو مفتاح التخطيط الإقليمى لتحقيق توزيع جغرافى أكثر توازناً للسكان وتقليل التفاوت بين المناطق الجغرافية وبين الشرائح السكانية، فإن حل المشكلة السكانية هو مفتاح التخطيط القومي، وأن مصر لن تنطلق وتتحقق شخصيتها الكامنة بوجهها الحقيقي، إلا إذا تحررت من عبء الزيادة السكانية.


تشير أرقام الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، إلى أن وصول عدد المصريين بالداخل لأكثر من 190 مليون نسمة فى العام 2052 سيكون بحاجة إلى زيادة عدد الأطباء إلى 257 ألف طبيب مقابل 128 ألف طبيب حاليا، بنسبة زيادة 100.8%، إلى جانب زيادة عدد الممرضين إلى 429 ألف ممرض مقابل 214 ألف ممرض حاليا، بنسبة زيادة 100.5%، على أن يتضاعف عدد المستشفيات إلى 4 آلاف مستشفى مقابل 2000 مستشفى حاليا.


وفى مجال التعليم، أشار جهاز الإحصاء إلى أن عدد الطلاب سيصل إلى 38 مليون طالب بحلول عام 2052 مقابل 22 مليون طالب حاليا، وبالتالى سوف تضطر الدولة لزيادة عدد المدرسين إلى نحو 1.8 مليون مدرس مقابل 964 ألف مدرس حالياً، وأن يصل عدد المدارس إلى 70 ألف مدرسة مقابل 37 ألف مدرسة حاليا.


لدى الدكتورة هالة منصور، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، ثلاثة مخاوف رئيسية من مستقبل الزيادة السكانية، أولها أن تلك الزيادة سوف تلتهم معدلات التنمية لأنه سيكون هناك صعوبة إحداث توافق نسبى بين معدلات التنمية والدخل القومى مع معدلات الزيادة، تحديداً وأن استراتيجيات تنظيم الأسرة وخطط رفع الوعى المستمرة والتحذير المتوالى من خطورة الزيادة لا يلقى أثراً لدى فئات عديدة.


أما ثانى هذه المخاوف فترتبط بتوزيع الزيادة السكانية على الرقعة الجغرافية المصرية فى ظل تكدس 100 مليون نسمة فى نسبة لا تتجاوز 8% من إجمالى مساحة الدولة المصرية، وأنه حال نجاح الحكومة فى التعامل مع مشكلة التوزيع الجغرافى قد لا يكون لدى مصر زيادة سكانية من الأساس، لكن الأمر يظل مرتبطاً بمعدلات التنمية التى تلتهما الزيادة بشكل مستمر.
أما البعد الثالث والأكثر خطورة والذى عبَرت عنه الدكتورة هالة منصور لـ"آخرساعة" فإنه يرتبط بنوعية السكان أنفسهم وهل من الممكن أن يشكلوا دفعاً لعجلة التنمية أم أنهم يعانون مشكلات فى التعليم والصحة والإمكانيات والقدرات التى تتماشى مع تطور المجتمع، مشيرة إلى أن معدلات الزيادة منذ بداية الخمسينيات ترتبط بشكل أكبر بالطبقات الدنيا فى الريف لكن فى ذلك الوقت كان الريف منتجاً وجرى استيعاب تلك الزيادة فى الأعمال الزراعية التى لا تتطلب مستوى تعليميا عاليا.


تتوقع منصور مزيداً من التشوه فى شكل الهرم السكانى المصرى خلال العقد المقبل، لأن الزيادة المضطربة تكون لدى الطبقات الفقيرة والتى سوف تستحوذ على الجزء الأكبر من الهرم، على حساب الطبقة المتوسطة التى التزمت طوعاً بإجراءات تنظيم الأسرة لإدراكها بصعوبة تخريج شخص قادر على الإنتاج فى المجتمع، مشيرة إلى أن ذلك سوف يجرى ترجمته فى مزيد من "التحضر" المشوه للريف إلى جانب "تريف" مشوه أيضاً للمدن.


على المستوى المجتمعى تتوقع أيضاَ تتزايد معدلات إدمان المخدرات وانتشار ممارسة الجنس على نحو واسع لأن الطبقة الفقيرة التى كانت تشتغل بالزراعة لم تجد فرص عمل أمامها وهو ما سينعكس على خروج مزيد من الأطفال إلى الشارع للحصول على أموال دائما ما تكون عبر ارتكاب تلك الجرائم أو الدفع بهم فى مهن هامشية خارج عن إطار الاقتصاد الرسمي، إضافة إلى أن الطبقة المتوسطة التى كانت يرتكن عليها الفقراء للحصول على فائض استهلاكها لن يكون موجوداً مع التقلص المتوقع فى أعداد المواليد الجدد داخل هذه الطبقة.


ووضعت منصور تصوراً أيضاً يرتبط بزيادة ثقافة الفقر فى المستقبل، أى أن هناك أشخاصاً سيكون لديهم المال لكنهم يأكلون من صناديق القمامة فى حين أن صرف هذه الأموال يكون إما على المخدرات أو كروت المحمول أو الاحتفاظ بها من دون أن يظهر عليه نعمة المال، وبالتالى فإن الفقر سوف يصبح وسيلة للحصول على مزيد من المال كما هو ظاهر حالياً لكن ذلك سيكون على نطاق أوسع وهو ما يفضى إلى مزيد من المشكلات الأمنية.


بالرغم من صعوبة الأوضاع الاقتصادية التى ستكون مهيمنة مع زيادة معدلات السكان بوتيرة مرتفعة فى المستقبل فإن منصور تتوقع أن يكون تعدد الزوجات حاضراً، وأن السيدات الفقيرات قد يكن أداة للحصول على المال إلى رب الأسرة، إضافة إلى أنهن سيبحثن عن "ضل راجل" للتخلص من المضايقات، فيما سيكون همُّ الرجل إنجاب أكبر قدر من الأبناء ليكملوا مسيرته فى العنف والبلطجة، على أن يُحال هو إلى المعاش فى سن الثلاثين ليصبح عاطلاً على المقهى فى انتظار ما سيجنيه أبناؤه وزوجته.


لعل ذلك ما يدفع الدكتور صلاح هاشم، مستشار وزارة التضامن الاجتماعى للسياسات الاجتماعية، للتأكيد على أن خطط الحكومة للتعامل مع الزيادة السكانية تتجه بالأساس إلى المناطق الفقيرة والأرياف، وأن هناك ربطاً مباشراً بين الحصول على برنامج تكافل وكرامة وبين عدد الأسرة وأن الدعم يوجه إلى طفلين فقط، إضافة إلى تولى الحكومة مسؤولية دفع المصروفات التعليمية للأبناء فى المدارس والجامعات.


وأضاف لـ"آخرساعة"، أن استراتيجية الحكومة المصرية للحد من الزيادة السكانية تستهدف أن يصل عدد السكان فى العام 2030 إلى 118 مليون نسمة وليس 130 مليونا حال استمرت معدلات الزيادة الحالية، وأن المستهدف أن يكون النمو السكانى بنسبة 2% بدلاً من 2.5%، وبالتوازى مع ذلك هناك خطط للتحول من السكن العشوائى إلى السكن الكريم من خلال تغيير معالم البيئة التى تساعد على الإنجاب.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة