أيمن منصور ندا
أيمن منصور ندا


يوميات الأخبار

أن تكون زملكاويا فى مجتمع أهلاوى!

الأخبار

الإثنين، 14 ديسمبر 2020 - 07:50 م

أيمن منصور ندا

«قليل من الزمالك لا يكفى.. وكثير من الأهلى لا يفيد»

 للمفكر الفرنسى الأشهر «جان بول سارتر» عبارة شهيرة تشير إلى أن "الآخر ضرورى لوجودى"؛ فلا وجودٌ للأنا بدون الآخر، كما أنه لا وجود للأبيض بدون الأسود.. وقد لا أعرف نفسى إذا لم يكن لها منافس أو نقيض.. وهى نفس فكرة المفكر الإسلامى «ابن الورديّ»: «ليس يخلو المرؤ من ضد ولو حاول العزلة فى رأس جبل».. ولهذه الأهمية، فإن أى مجتمع وأى إنسان يبحث دائماً عن الآخر بالنسبة له، وقد يخترعه إن لم يجده على أرض الواقع؛ شبيه بما قاله «نزار قبانى»، «الحبُّ فى الأرض بعضٌ من تخيلنا.. لوْ لمْ نجده عليها لاخترعناه»..
وجود الزمالك بالنسبة للأهلى هو مطلب "لازم لازب" على حدّ تعبير أستاذنا العقاد، كما أن وجود الأهلى بالنسبة للزمالك هو شرط ضرورى للاستمرار، وجزء كبير من أهمية الأهلى ترجع إلى وجود الزمالك، كما أن نسبة كبيرة من قيمة الزمالك ترجع إلى وجود الأهلى.. فى مقابلة تليفزيونية مع الفنان «أحمد زكى» (مع محمود سعد على قناة دريم) أشار إلى أن «جاك نيكلسون وعادل إمام وآل باتشينو ويحيى الفخرانى لهم نسبة فى أجرى!»؛ فعن طريق المنافسة ينبع الإبداع والإجادة؛ إذ يحاول كلُّ طرف التفوق على الآخر والوصول إلى نقطة أعلى من الآخرين.. والأمر نفسه ينطبق على عادل إمام ويحيى الفخرانى، إذ أنَّ جزءاً من أجورهم يرجع إلى أحمد زكى وأخرين!
وليس صحيحاً ما أشار إليه الشاعر الإنجليزى «كيبلنج»: «الشرق شرق، والغرب غرب، ولن يلتقيا»، إذ أنَّ كلَّ الطرق قد تؤدى إلى روما، ولابدَّ من صنعاء وإن طال المدى.. وقد تؤدى كل الطرق إلى التقاء الأهلى والزمالك.. والعلاقة بينهما قد لا تكون علاقة «تفاضل» بل علاقة «تكامل»، ولا يمكن فصلهما فى النهاية عن بعضهما البعض. ولذلك فإن الإبقاء عليهما معاً فى حالة تفوق مطلب وجود، وتقوية مركز كلّ طرفٍ منهما شرط استمرار للآخر..
لماذا أنا زملكاوى؟!
فى النصف الأول من القرن العشرين (1937) نشر «إسماعيل أدهم» كتاباً أحدث دويَّاً ثقافياً عنوانه «لماذا أنا ملحد؟!»، وذلك رداً على رسالة «لأحمد زكى أبو شادى» عنوانها «عقيدة الأولوهية».. وعلى نفس النمط (وما قد يحمله من دلالات!) يمكننى أن أشير إلى بعض الأسباب التى تجعلنى زملكاوياً فى مجتمع أغلبيته يشجع النادى الأهلى العريق.. يولد المرؤ فى بلادنا على الفطرة فى مجال الرياضة، فيجعله أهله أهلاوياً أو يجعلونه زملكاوياً، وقد يختار طريقاً آخر. وبالنسبة لى فقد كان لى تشجيع الأهلى هو الأقرب بحكم نظرية العربة الشعبية أو تأثير الأغلبية Bandwagon Effect، خوفاً من العزلة الاجتماعية أو التنمّر أو الخروج عما وجدنا عليه أباءنا وأجدادنا.. غير أن تشجيع الزمالك بالاختيار كان هو الأقرب إلى نفسى.. سهلٌّ أنْ تغيّر انتماءاتك الفكرية فى مصر، وصعب أن تغيّر انتماءك الكروى!
الزمالك بالنسبة لى هو رمز للكفاح من أجل الوصول إلى نقطة إجادة.. هو الطالب المُجدُّ المتفوق الذى ينافس الطالب الأول على الدفعة ويسبب له توتراً يدفعه إلى اليقظة والتنبه.. وجود الزمالك فى بلادنا وظيفة.. فى الاقتصاد يمنع الاحتكار وما يؤدى إليه من مفاسد واستغلال، وفى السياسة يمنع وجود الزمالك استبداد الأغلبية وديكتاتورية الأكثرية وطغيان الجماعة السائدة.. وفى العلاقات الاجتماعية يؤدى وجود الزمالك إلى الاعتدال والتوازن.. الزمالك هو عنوان الجمال فى مقابل الجلال لدى الأهلى، هو تلخيص لجماليات اللعب والفن والهندسة فى مقابل جلال وروعة الإدارة والتنظيم والجدية لدى منافسه.. هو عنوان التحدى الدائم فى مقابل الاستعداد المطلق.. الزمالك "واحد مننا"، وحاله من حال كثير منَّا؛ قليل البخت فى فترات زمنية طويلة، ويستيقظ فى بعض الفترات ليجد له مكاناً تحت الشمس!.
الزمالك وظيفته مثل وظيفة الأديب الروسى الشهير «مكسيم جوركى»، الذى كان يقول «خُلِقتُ لأعترض».. المعارضة الكروية مطلوبة وبشدة ضماناً لانتقال السلطة والتتويج فى عالم الكرة بشكل سلمى.. أفضل فترات «سعد زغلول» السياسية كانت فى وجود معارضة «عدلى يكن».. أفضل فترات «مصطفى النحاس» كانت فى وجود «مكرم عبيد».. ولو لم يكن «حافظ إبراهيم» موجوداً فى عالم الشعر لما وصل «أحمد شوقى» لما وصل إليه.. حتى فى العلاقات الدولية، كانت الولايات المتحدة أقوى عندما كان الاتحاد السوفيتى قوياً، وبانهياره بدأت عوامل التحلل تنخر فى الجسد الأمريكى!
 قليل من الزمالك لا يكفى!
المفكر الإيطالى «فيلفريدو پاريتو» (1848- 1923) له قانون شهير يُستخدم فى كثير من مجالات الحياة: 80/20، والذى يشير إلى أن 80% من النتائج سببها 20% من الأسباب.. و80% من ثروتنا قد تتواجد لدى 20% من البشر.. الحياة فيها كثير من تطبيقات قانون پاريتو: حتى كرات الدم نفسها داخل الجسم ينطبق عليها النسبة نفسها تقريباً بين كرات الدم الحمراء والبيضاء! والأمر كذلك فى كرة القدم فى مصر:80% من البطولات أو أكثر يحتكرها النادى الأهلى وحده.. وهو ما يسبب مشكلة للزمالك.. قانون پاريتو يظلم الزمالك كمنافس.. ويفقد اللعبة كثيراً من جماليّاتها وقدرتها على التشويق والإثارة.
الصحيح، ألا توجد هذه النسبة.. الصحيح أن تكون المنافسة عادلة ومتكافئة: ريال مدريد وبرشلونة متقاربان فى عدد البطولات التى حصل عليها كلٌّ منهما.. والأمر نفسه بالنسبة لمانشستر يونايتد وليفربول فى الدورى الإنجليزى.. وفى فرنسا، لا توجد فروق بين باريس سان جيرمان ومارسيليا فى عدد مرات حصول كل منهما على الدورى.. ولذلك فإن هذه الدوريات هى الأقوى أوروبياً وعالمياً.. غير أنَّ الأمر مختلف فى دوريّاتنا العربية: فى السعودية، يسيطر نادى الهلال على بطولات الدورى فى مقابل النصر والاتحاد.. وفى مصر، يسيطر الأهلى وبفارق لا يمكن تعويضه خلال مائة عام عن أقرب منافسيه وهو الزمالك.
تطبيق مبدأ پاريتو فى المنافسات الرياضية يؤدى إلى إفسادها.. التكافؤ أساس التنافس، والندية جوهر المتعة.. وعدم اليقين بشأن النتائج يحمل الإثارة كلها.. أن تكون النتائج مضمونة، والبطولات محسومة، والمنافسة المتكافئة غير قائمة، فهذا كلُّه يفسد اللعبة، سواء كانت لعبة كرة القدم أو حتى «لعبة الأمم»!
قليل من الزمالك لا يكفى.. وكثير من الأهلى لا يفيد.. يا ليت قومى يعلمون..
السياسة وطول العمر!
فى استطلاع نشر مؤخراً فى الصحافة الأمريكية، سئل المبحوثون «هل يجب وضع سن معينة لتقاعد السياسيين؟»، وأشارت نتائج الاستطلاع إلى أن 75% من العينة يرون أنه يجب على السياسيين التقاعد عند بلوغهم سن السبعين كحد أقصى، فما ينطبق على الجمهور العام ينطبق على السياسيين.. فى حين أشار 25% من عينة البحث إلى أن القدرة على العطاء ليست مرتبطة بسن معينة.. والحقيقة أن نتائج هذا الاستطلاع وغيرها تكشف عن درجة من أنواع القلق الذى بدأ يتسرب فى عديد من المجتمعات الغربية إزاء السياسيين بشكل خاص، فمن يدخل فى لعبة السياسة لا يخرج منها إلا مرغماً، والسياسيون بصفة عامة أطول عمراً من غيرهم (ترامب 74 عاماً، وبايدن 78 عاماً)..
وعلى عكس الاعتقاد السائد بيننا، وعلى عكس ما يحدث فى بلادنا، فقد أظهرت نتائج كثير من الدراسات أن العمل بالسياسة يطيل العمر، وأن السياسيين يعيشون عمراً أطول مقارنة بغيرهم من المهن الأخرى.. فى الولايات المتحدة، يموت رؤساؤها عادة فى سن متقدمة.. جيرالد فورد مات عن 93 عاماً، وكذلك رونالد ريجان عن ذات العمر تقريباً.. ومات جون أدامز وكذلك هربرت هوفر عن 90 عاماً، ومات هنرى ترومان عن 88 عاماً.. ومات منذ أيام الرئيس الفرنسى جيسكار ديستان عن عمر يناهز 94 عاما.. ولايزال كارتر (96 سنة) يمارس نشاطه السياسى، ولاتزال الملكة إليزابيث (94 سنة) فى الحكم.. بل إن بعض السياسيين يموتون بمجرد تركهم للسلطة وتخليهم عن السياسة.. مات شارل ديجول بعد سنة واحدة من اعتزاله الحياة السياسية (1970)، ومات جورج واشنطن بعد مغادرته الحكم بعامين (1799)، ومات جيمس بولك بعد ثلاثة أشهر من انتهاء ولايته كرئيس للولايات المتحدة (1849)..
تفسيرات عديدة أشار إليها الباحثون فى هذا المجال، أبرزها أن العمل بالسياسة فى المجتمعات الغربية ليس عملاً مجانياً أو مسئولية وطنية كما هو الحال فى بلادنا، بل هو على العكس عمل مربح.. وأغلب السياسيين البارزين فى المجتمعات الغربية من ميسورى الحال، وبالتالى تتوفر لأغلبهم القدرة على الاهتمام الصحى وعلى توفير المناخ الصحى الجيد لأنفسهم.. كذلك، وعلى عكس الشائع، فإن نسبة القلق والتوتر فى العمل السياسى فى هذه البلاد أقل من غيرها من المهن الأخرى.. صحيح هناك قلق، ولكنه ليس قلق الشخص العادى الذى تؤرقه متاعب الحياة اليومية، هو قلق ثانوى مقارنة به.. والعمل فى السياسة يكسب صاحبه "جلدا ثخيناً" يجعله لا يتأثر كثيراً بالأحداث التى تدور من حوله، وتكسبه مناعة قوية ضد القلق والتوتر.. ولهذا هم يعيشون أطول..
ما أسعد السياسيون الغربيون، وما أحلى عيشتهم وفقاً لهذه الدراسات، ولا عزاء لنا نحن غير السياسيين (جتنا نيلة فى حظنا الهباب!!)..
> رئيس قسم الإذاعة والتليفزيون- إعلام القاهرة

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة