نوال مصطفى
نوال مصطفى


حبر على ورق

كل سنة وأنت «محفوظ» فى ذاكرتنا

نوال مصطفى

الأربعاء، 16 ديسمبر 2020 - 07:59 م

مائة وتسع سنوات تمر هذا الشهر على ميلاد أيقونة مصر نجيب محفوظ. الأديب الفيلسوف، صاحب الحكمة المقطرة، والنظرة الإنسانية الصوفية التى تنفذ إلى النفس البشرية، تكتشف أغوارها وتفاجئنا بأسرارها.
نجيب محفوظ الذى عشق الحارة المصرية، فأصبحت عالمه الروائى الأثير، بحث بين وجوه ساكنيها عن حكايات من لحم ودم الواقع، غاص فى أعماقهم، قرأ تاريخ مصر ليس فى الكتب فحسب، بل فى شاهد تفاصيله فى خطوط الزمن على وجوه الناس فى الحارة. فكان الأديب الذى أرخ الأدب أو أدب التاريخ.
نجيب محفوظ عاش ولايزال الأستاذ والمعلم لكل من عشق الكلمة، واكتوى بنار الحرف سواء التقى به شخصيا، أو عرفه من خلال رواياته وقصصه ومقالاته وحواراته. كنت أنا من المحظوظين الذين نالوا شرف الالتقاء به أكثر من مرة، وكان حوارى الممتد معه من أكبر كنوزى الأدبية والإنسانية التى أفخر بها. وقد كان هذا الحوار العميق الممتد واحدا من أهم الحوارات مع الأدباء والمفكرين الرواد الذين تضمنه كتابى «نجوم وأقلام».
دروس مهمة، وجمل محفورة تبقى فى الذاكرة والوجدان من سيرة الأستاذ أوجزها فى نقاط سريعة بلا ترتيب: أن الكتابة مهنة لا تقبل إلا الإخلاص الكامل لها ولا ترضى أن يشاركها شغف آخر. وأن الرواية بناء هندسى متقن وليست فصولا مفككة، عشوائية. أن النظام الصارم مطلوب فى حياة الأديب حتى تترجم موهبته إلى أعمال تنجز، وأن الكتابة كمهنة لا تعتمد على إتيان الوحى والإلهام، لكنها عمل يومى منتظم، وساعات محددة كل يوم من أيام أشهر العمل من كل سنة. بالنسبة لكاتبنا نجيب كانت (من شهر أكتوبر حتى شهر أبريل) أما شهور الصيف فقد كان يتوقف خلالها عن الكتابة. يجلس كل يوم مع أوراقه، أقلامه، كتبه من الساعة السادسة حتى التاسعة مساء. لا يحذف يوما مهما كانت الظروف. أما ساعات الصباح فيبدأها فى السادسة صباحا حيث يستيقظ مبكرا ويرتدى ملابسه وينزل ليتمشى من بيته فى العجوزة إلى ميدان التحرير قهوة على بابا، حيث يقرأ جرائده الصباحية، ويشرب قهوته، ثم يتجه إلى مقر عمله فى وزارة الثقافة. أى كان موظفا منضبطا صباحا، أديبا صارما فى المساء.
أتوقف عند بعض إجابات أديبنا القدير الحائز على جائزة نوبل فى الآداب عام 1988 خلال حوارى معه:
- يخيل إلىّ أنه لابد أن يرتبط الأديب بمكان معين، أو شيء معين يكون نقطة انطلاق للمشاعر والأحاسيس، وأنا ولدت فى الجمالية (ولد أديبنا فى 11 ديسمبر 1911) وعشت فى حواريها وأزقتها، وكنت أتردد فى سن صغيرة بانتظام على مقهى الفيشاوى نهارا، حيث لا زحام، بل يكاد يكون خاليا، أدخن النارجيلة، أفكر وأتأمل، أمشى فى الشوارع، وعالم الحارة يحركنى بالفعل، هناك بعض الناس يقع اختيارهم على مكان واقعى أو خيالى، لكنى وجدت أن الحارة هى خلفية الأحداث لمعظم أعمالى، وأعتقد أن الكاتب يسعى إلى أن يعيش فى مكان يحبه، ولذلك كان لابد أن أعيش رواياتى فى مكان أحبه وأعرفه.. فى الحارة.
- ساعدنى فى منهجية القراءة كتاب فى تاريخ الأدب يستعرض تاريخه حتى سنة 1930 واسمه «درنك ووتر» ولأننى بدأت فى دراسة الأدب متأخرا، فلم أدرس أى أديب دراسة كاملة. كان هذا الكتاب يرشدنى إلى الأعمال المتميزة لكل كاتب، فقرأت «الحرب والسلام» لتولستوى. و»الجريمة والعقاب» لديستوفسكى، وفى القصة القصيرة قرأت لتشيخوف، موباسان، كافكا، بروست، جويس، شكسبير، وإبسن وسترندج برج، وملفيل، ودوس باسوس، ولم يعجبنى هيمنجواى إلا فى روايته «الشيح والبحر».
- أما الكتاب العرب، فقد كانت أهم روافد قراءاتى هى التراث، عرفته فى سن مبكرة عندما درسته فى المرحلة الثانوية، فقرأت «الكامل» للمبرد، و»الأمالى» لأبى على القالى.
كانت هذه لمحات سريعة من سيرة عظيمة لأديب فريد. عاش صادقا مع نفسه، قلمه، وقرائه.

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة