فيصل مصطفى أمام مدخل وكالة «ناسا» الفضائية
فيصل مصطفى أمام مدخل وكالة «ناسا» الفضائية


يروون لـ«آخرساعة» حكايات الغربة والحنين

أحلام أدباء المهجر فى شنطة سفر

آخر ساعة

الخميس، 24 ديسمبر 2020 - 09:11 ص

أعد الملف: أحمد الجمَّال

مَنْ يذق مرارة الغربة يدرك أنه لا يملك شيئاً سوى حُلمَه. وتلك حال الكثير من الكُتَّاب والمبدعين، كل منهم يحتقب وطنه ويسافر بعيداً لأجل حُلمٍ أراد له أن يكتمل، وفى الأحوال كافة يبقى مشدوداً بحبل وصال إلى وطنه الأم.

فى هذا الملف تواصلنا مع عددٍ من المبدعين فى مجالات الشعر والرواية والقصة، من مصر ودول عربية، استقر بهم المقام فى عواصم باردة لكنها منحتهم الدفء.. وهناك بدأت حياة جديدة واصلوا فيها فن الكتابة وظل الحنين لذكريات الماضى متأججاً فى قلوبهم متجسداً بأقلامهم على الورق، كأحلام مؤجلة تتنقل مع حقائب سفرهم أينما ولوا وجوههم.

نترككم مع حكايات هؤلاء الأدباء المهاجرين، كما جاءت متدفقة على ألسنتهم، كأبجدية عشق لأوطانهم التى غادروها بأجسادهم لكن أرواحهم ظلت باقية هناك!

فابيولا‭ ‬بدوى‭:‬ تنتابنى‭ ‬مشاعر‭ ‬الحـنين‭ ‬فــــى‭ ‬الأعـيـاد

غادرت مصر فى يناير عام 1995، وكان ذلك بصحبة زوجى الذى نشأ هو وإخوته بين أسرته فى فرنسا، حيث كان والده حينها رئيس لجنة الترجمة فى منظمة اليونسكو، وربما لأننى انتقلت إلى باريس مع زوجى وفى وجود عائلته لم أشعر بصدمة الغربة بكل تفاصيلها، لكنه كان الحنين إلى الأهل خصوصاً والدتي، رحمها الله، وأصدقائى وكل شيء افتقدته بعد وصولى إلى باريس، اللغة والوجوه المألوفة والملامح وحتى الشوارع كانت الذكريات تحملنى إليها، لكنى لم أشعر أننى غريبة عن فرنسا إلى حد كبير، فسرعان ما ألفتها كساكنة على أراضيها، إلا أن الأمور تغيرت كثيراً بعدما زال عائق اللغة، فأصبحت أعيش فى فرنسا، والفارق كبير بين أن نسكن مكاناً وأن نعيش فيه.

منذ ذلك الحين ومع مرور السنوات واكب الانفتاح على عوالم أخرى مرحلة نضج عمرية كانت ستغير فى كتاباتى من دون شك بشكل أو بآخر داخل الوطن، لكن تغير المراحل العمرية فى فرنسا مختلف تماماً فى بلد مثل فرنسا، خصوصاً لمِنْ يعمل فى مجال الكتابة وينظم شعراً، من حيث تعدد الثقافات، الاقتراب من أساليب الحداثة بل وما بعد الحداثة، حينما يكون للمسرح والسينما والفن التشكيلى والشعر والأدب مكانة وحضور فى كل مكان، بالطبع تتغير الرؤية وطبيعى أن أكتسب مفردات جديدة تظهر فى تركيباتى اللغوية حينما أكتب، وأشعر بها فى منهج تفكيرى الذى يحكم هذه الكتابة.

من العقبات التى مازلت أعانيها حتى الآن، تحقيق توازن فى شعرى، بمعنى أن أكتب بما أشعر به وأريد التعبير عنه، ولا أغرق فى التغريب حتى أشعر دائما أننى أنا كما أريدها وأصبو أن أكونها دائماً، وهذه إشكالية لو لم نتنبه لها فسنكون بحكم السنوات الطويلة فى منطقة رمادية لا أريدها لنفسى أبداً.

تنتابنى فكرة الحنين إلى الماضى فى أوقات بعينها مثل الأعياد والمناسبات العائلية وما شابه، لكنها لا تلازمنى طوال الوقت، وهنا أعترف أن الفضائيات والسوشيال ميديا وتطبيقات الهواتف غيّرت كثيراً فى المشاعر التقليدية التى كانت تلف الجميع من قبل، من جانب آخر أنا دائمة الحضور إلى مصر، كما أن طبيعة عملى تجعلنى على تماسٍ دائم مع الأحداث والأشخاص على كافة المستويات سياسية كانت أم ثقافية.

عموماً لا توجد مشاعر ورؤى واحدة حول البعد عن الوطن الأم، بل هى دائماً خليط بين أحلام لم يسعفنا الوقت أن نحققها بداخله، وذكريات لا نهاية لها، وإضافات الحياة التى تلفنا فى مكان، وجميعها مشاعر تضيف لنا أكثر بكثير مما تأخذ منا، حال كنا حريصين على هذا.

فيصل‭ ‬مصطفى‭:‬ أحتقب‭ ‬الوطن‭ ‬فى‭ ‬حلى‭ ‬وترحالى

دوما خلال حلى وترحالى احتقب الوطن فى معیتى، لا یفارقنى ولا أغفل عنه لحظة، فكلانا كفرسى رهان، منذ استكمال آلیات بناء الوعى ظل الترحال هاجسى مقروناً بأدوات المعرفة وتلمُس مكامنها والبحث عن الغریب المستحدث.

كانت بدایة الترحال إلى القاهرة عبر رحلات المعلمین، ثم لاحقاً فى معیة وفد ∩أسبوع الصداقة السودانى ــ المصرى∪، ثم الاتجاه غرباً صوب لیبیا، وبعدها إلى السعودیة التى لم أمكث بها طویلاً، وفى الیمن طاب لى المقام فى صنعاء التى نشرتُ بها العدید من نصوصى السردیة، وأصدرتُ روایتى الأولى ∩الخفاء ورائعة النهار∪ عن دار الحسام البيروتیة، وهى الرواية التى كتب عنها الطیب صالح، على الرغم من أننى لم أتمكن من إهدائها له، إذ یبدو أنه وجدها فى أحد معارض الكتب العربیة.

ومن صنعاء إلى القاهرة خلال الفترة من 2005 إلى 2012، حیث التقیت صدیقى الودود محمد رجب، المترجم والكاتب المتخصص فى أدب الطفل، الذى تعرفت إليه فى صنعاء وخلال إقامتى فى القاهرة نشرت فى أخبار الأدب والمجلة الثقافیة ومجلة الهلال، وأدارت معى بعض القنوات الفضائیة حوارات مهمة أبرزها قناة النیل الثقافیة، بجانب حوارات أجراها معى مراسلو صحف عربية كبرى، مثل ∩الجریدة∪ الكویتیة.

ومن القاهرة هاجرت إلى الولايات المتحدة، وتحديداً إلى ولایة ميتشجن، وكان هذا بمثابة نقلة نوعیة عبر حلى وترحالي، حیث الدولة العظمى بقضها وقضیضها؛ عالم مبهر ساحر دفعنى دفعاً للغوص فى أعماقه أتلمس سحر الأمكنة.

وطوال إقامتى فى دول الاغتراب لم أنقطع عن زیارة الوطن سنویاً للإسهام والمشاركة فى المسار الثقافى، لا سیما من خلال تقدیم ورقة عن تجربتى الإبداعیة فى إحدى ندوات أيام الطيب صالح.

وبما أن الحدود الشمالیة الأمریكیة المتاخمة لكندا كانت تعد لى مفاجأة مدهشة حیث تمتد بینهما فى كبریاء شلالات نیاجرا لأخوض عبرها تجربة الصعود مع الواعدین إلى منابع الشلالات، ومنها إلى ولایة كاليفورنيا، حیث المناخ المعتدل صیفاً وشتاءً، وسحر الأمكنة یتناثر على طول الولایة وعرضها بدءا بالبوابة الذهبية Golding Gate، فى مدينة سان فرانسيسكو بعماراتها التى تتشامخ لتنطح السحاب فى منطقة الـ∩داون تاون∪، إلى ديزنى لاند وهوليوود، ولعل الأخیرة صدر المحاسن التى تقع فى مدینة لوس أنجلوس، حیث أكبر صناعة للسینما فى العالم، بشركات الإنتاج الضخمة وأشهر الممثلین والممثلات وقد خلدت أسماءهم فى شارع، على مدى عمر السینما المدید، والحدیث عن سحر الأمكنة فى مناحى ولایة كاليفورنيا لا ینقطع.

ولعل من نافلة القول الإشارة إلى تأثیر الاغتراب والهجرة فى كتاباتى تجدیداً وإضافة وابتكاراً وخروجا على المألوف عبر المختلف والغرائبي، وتحدیثاً شكلاً ومضموناً ویتجسد ذلك بصورة جلیة عبر نصوصى السردیة.

فواز‭ ‬قادرى‭:‬ الخروج‭ ‬من‭ ‬الروح

منذ أكثر من خمسين عاماً، لم يختلف الزمن السورى ولم تختلف الأسباب التى تدعو إلى الرحيل خارج البلاد.. فى زمن ∩الأب القائد∪ و∩كأس رئيس الجمهورية لكرة القدم بدلاً عن كأس الجمهورية∪ و∩مئات النصب والتماثيل∪ التى لا يجرؤ السوريون على المرور بجانبها وآلاف الصور المدججة بالخوف والرعب والنياشين وجميع نجوم السماء والأرض.

بعد هذا الزمن الطويل الذى تمّ فيه إفراغ المجتمع من كل ما له معنى وقيمة، بدءاً من التجويع والذل، وليس انتهاء بثالوث المحرمات: السياسة، الأدب، الفن! مع الاستفادة من رجال الدين إلى الحد الأقصى، كان على من يفكّر بالتمرّد على هذا الوضع أن يدفع ثمناً باهظاً.. لم تغلق الأبواب فى وجهى، تبخّرت كل الأبواب ولم يبق سوى الرحيل، من أجل وقف تآكل القصيدة والحلم.. مع أن خروجى من البلاد عام 1999 كخروجى أنا من الروح، وليس العكس.

بعد أكثر من عشرين عاماً لم يخف إحساسى بالغربة، رغم أننى أعدتُ النظر بعلاقتى بالمكان، من خلال مفهوم جديد عن الحياة والكتابة: ∩العيش أن تملأ حيّزك الزمنى والمكانى بمعناك∪، وهذا انعكس إيجاباً على حياتى وعلى الكتابة، وصار تصالحٌ كبير بين مكانين: الهناك والهنا، إلى درجة أننى كتبت ديوانى ∩أناشيد ميونيخ المؤجلة∪ كأننى أعتذر للمدينة التى عشتُ فيها طويلاً وكنت قد تجاهلتها زمناً من دون أن أقصد، نتيجة علاقتى الجنونيّة بالمكان الأوّل. 

كان للشعر دور كبير فى ردم الهوّة بينى وبين المكان الجديد، بينى وبين الناس عموماً، ومع الجاليات العربية بشكل خاص.

شاكر‭ ‬الأنبارى‭:‬ غريب‭..‬ أينما‭ ‬حللت

كانت الحرب العراقية الإيرانية واحدة من أفظع الحروب التى شهدها القرن العشرون، وقد دفعتنى ظروف الحرب إلى مغادرة البلد والتوجه نحو أوروبا، إذ رسوت فى مملكة الدنمارك أواخر عام 1985، فى نقلة حضارية لم تخطر لى على بال، وأدخلتنى فى صدمة وجودية على المستويات أجمع.

تجد روحك فى أرض الجليد، والمطر، والجزر الصغيرة، الطبيعة تختلف، واللغة غريبة، وأشكال البشر غير مألوفة، تشكّلت حياتهم عبر قرون من التراكمات العلمية والثقافية، أينما تلتفت تحس بنفورك عن المكان وعزلتك، تتقبل العناء وفى ذهنك أرض للموت، والخراب، والتوابيت القادمة من جبهات الحرب، الأحاسيس كانت هكذا فى ذلك الزمن.

وحين يهاجر الشخص من بلده، وينتقل إلى بيئة جديدة، يعيش فى السنوات الأولى ارتباكاً مبرراً، وضياعاً يسببه نمط التواصل اللغوى والاجتماعى. لكنه، وبعد امتصاص الصدمة الحضارية الأولى، يعود إلى رشده ومتانته، ثم يوضع على المحك، وسرعان ما تنفذ هواجسه، وقلقه، وصدماته الثقافية، إلى تضاعيف نصه الإبداعي. حدث معى ذلك فى أكثر من رواية وقصة كتبتها، ∩موطن الأسرار∪، و∩ليالى الكاكا∪، و∩أنا ونامق سبنسر∪، على سبيل المثال لا الحصر.

سيظل المبدع  باحثاً عن الأجوبة لتساؤلاته الداخلية مسكوناً بها. ويأتى على رأس تلك التساؤلات: من أنا، وماذا أريد من حياتى الجديدة الممنوحة لى صدفة، وكيف ألغى المسلّمات العتيقة؟ وذلك يستدعى مراجعة عميقة، وطويلة. مراجعة الماضي، والطفولة، والأصدقاء السابقين، والقيم التى تربى عليها الفرد، والحنين إلى سنوات ضائعة وأحداث بعيدة، فى المنفى، أو الغربة، لا تمتلك سوى طريق واحد هو طريق الذهاب. والحنين إلى الماضى يلح بطرق طريفة بعض الأحيان، كأن تتذكر طبخة صنعتها أمك، تشم رائحتها وتستعيد طعمها، أو تتجلى فى مشهد سباحة وسط نهر بصيف قائظ، ويكون المشهد قد مضت عليه عشرات السنين. 

تحصل للمغترب لقاءات مع أبناء جاليته ممن يتكلمون اللغة ذاتها، ويشتركون بالهموم عينها، ما يصنع فسحة صغيرة للحوار، غير أن ذلك لا يكفى، فأنت غريب أينما حللت. يحاول الكاتب المغترب التواصل مع الصحف العربية عبر الإنترنت، ويقرأ كثيراً، خصوصاً ونمط الحياة فى أوروبا يوفر وقتاً إضافياً للشخص، ويمنح مناخاً للهوايات، ويتيح مجالاً للكتابة الجادة. لكن الجرح يظل قائما لدى الكاتب، فهو يقرأ بلغته، ويكتب بلغته، بينما نتاجه موجّه إلى قراء بعيدين، يعيشون فى مجتمعات تمتلك إيقاعاً مختلفاً، وزمناً مغايراً، ومعضلات عتيقة. 

فدوى‭ ‬هرنافى‭:‬ فؤادى‭ ‬معلّق‭ ‬فى‭ ‬حدائق‭ ‬الوطن

فى عام 1998 سافرت إلى فرنسا لإكمال دراستى فى القانون الخاص، حيث تعرفت إلى ثقافات وجنسيات متعددة، وكانت تجربة ثرية للغاية استقيت منها أعظم الدروس وأهم العِبر ولم يؤرقنى خلالها سوى افتقادى الشديد للوطن والأهل والأصدقاء.

بعد أربع سنوات من الدراسة تزوجت وانتقلت إلى بلجيكا وعشت فيها حتى الآن نحو 19 عاماً.. كان الأمر مختلفاً، فهذه المرة كانت إقامة دائمة فى بلد المهجر وكان على التأقلم مع مجتمع جديد، فوجدتُ نفسى أمام تحدٍ أكبر خصوصاً أن تكوين صداقات جديدة أمر صعب فى بلد الاغتراب، لأن أغلب العائلات كثيرة الانشغال بالعمل، لذا كان على أن أجد متنفساً وبذل جهدٍ إضافى للتغلب على غربة المكان وغربة الذات، فبدأت رحلتى فى البحث عن الأنا الضائعة عن طريق الكتابة والشعر، حيث أسجل لحظات شجونى وحزنى وفرحى، فحنينى إلى وطنى لم يهدأ طوال فترة إقامتى، ولهذا كنت أنتهز أى فرصة أو عطلة أو إجازة لأعود إلى بلدى وأزور أهلى وأطمئن عليهم، وتلك الزيارات المتكررة كانت سبيلى للتخفيف من مرارة الغربة التى لا يتحسسها إلا من يكابدها، فمن لم يغترب لا يعرف معنى الشوق ولا يعرف مدى لوعة فراق الأهل والأحبّة.

وحتى لا ينفلت منّى الوصال الشفيف مع الوطن، كنت أشارك فى العديد من الفعّاليات الثقافية العربية، حيث ألتقى بأفراد الجالية وأتعرّف على تجارب إبداعية وثقافية مختلفة، ما أسهم فى تعميق رؤيتى للحياة عموماً وللإبداع بشكل خاص، وساعدنى فى الخروج من الذات الضيّقة إلى آفاق كونية أكثر رحابة.

فالغربة كانت الدرس الأقوى والمواجهة الأصعب والمدرسة الكبيرة التى تعلمت منها تحمّل المسئولية وجعلت منّى شخصية ذات شأن أمام نفسى وأمام النّاس، كما عزّزت استقلاليتى وحرّيتى فى الكتابة، فكنت دائماً أبحث عن كلمات مشحونة بلغة خاصة ووجدٍ خاص ومعانٍ تروى ظمأ الشوق والحنين إلى وطنى فأترك العنان لقلمى ومشاعرى وأفكارى تنطلق حيث تشاء فى عالم الكتابة والشعر. فمن رحم الشّوق والحنين تولد أعذب الكلمات وتتوهج المعانى فى قلوب المتلقين ويسمع صداها من الأبعاد.

ومهما طال بى الزّمن سيبقى فؤادى معلّقا فى حدائق الوطن الأم ولن تستطيع الغربة كسر هويّتى وانتمائى وحبّى وعشقى لوطني.

خديجة‭ ‬بـن‭ ‬عادل‭:‬ رحــيل‭ ‬فـى‭ ‬موكـــب‭ ‬جـنائزى

نحن النائحون، النازحون، الباكون نرحل عن أوطاننا مستضعفين فى موكب جنائزي، كمن شيّعوه لمثواه الأخير.. هكذا حال كل من غادر بلده. وحين لا يجد المرء فينا الحبّ والأمل المنشود بأهله ومجتمعه، يسافر والنبض متسارعاً لعالم اللاوعى ليستنطق المقموع والمكبوت والمسكوت عنه، مرة بالصراخ واللوم جهراً، وأخرى بالتأمل والصمت الأخرس حتى يطفو على سطح الوعى تجلى كنز الذات المفقود، المأمول، ومن هنا تبدأ رحلة البحث عن الحرية، والمساواة، والتغيير من أجل العيش بكرامة.

ومن هنا جاءت فكرة الهجرة للخارج، تحديداً عام 2003.. وبديار الغربة رغم التقدم الحاصل، فى جميع مجالات الحياة، فإن الجاليات العربية المسلمة تعانى التمييز والعنصرية والكراهية وثقافة النبذ والتهميش، لأنها لم تجد لها قواسم إنسانية مشتركة مع المجتمع الأوروبى دينياً وأخلاقياً وتربوياً، فها هى تعانى تصادماً، وتناحراً، حيث شرّعت له القوانين فى فرنسا مظهراً من مظاهر العنصرية والتمييز اللغوى فقد صنفت العربية فى أواخر اللغات المعترف بها، ولم يكن ذلك بسبب علمى أو ثقافى بقدر ما كان عنصرياً محضاً. وأكبر دليل ما يحدث اليوم من مشروع يعمل على تقديمه لرئاسة البرلمان الفرنسى الرئيس الحالى إيمانويل ماكرون بفرض غرامات مالية والسجن النافذ لعدم التزام الجاليات المسلمة بقوانين دولة علمانية تفرض إلزامية فصل الدين عن الدولة وغلق 76 مسجداً وهدم بعضها تحت مسمى مواجهة التطرف الديني، ما خلق ارتباكاً قوياً فى دولة تدّعى حرية التعبير، والمعتقد، وحق المساواة، كما حرية الرأى والثقافة.

تعمل أقلية من الطبقة المثقفة فى فرنسا على تصحيح صورة الإسلام المشوهة قصداً، وبما أنّ هذه الثقافة أصبحت متجذرة وواقعاً معاشاً، وجب على المثقف المسلم العربى أن يغيّر الصورة بإبداء النصوص القرآنية، وسياسته التشريعية، بمحاربة كل أشكال الغلو الفكرى والتعصب للجنس أو اللون أو الجغرافيا وذلك بالاندماج من خلال المنابر الثقافية، والدينية، والسياسية، وتفعيل دور الجمعيات وحوار الثقافات والأديان، وإسماع صوت وحقيقة تسامح الدين الإسلامى وقدرته على التعايش، وتحقيق التوافق الحقيقي، من خلال الاهتمام بترجمة كل الدراسات والمقاربات المنجزة.

 نصوصى الأدبية تطرقت لموضوعات وقضايا مختلفة حركت الراكد منها؛ مجابهة التعصب الدينى والفكري، سياسة الكراهية والتمييز، التعايش السلمي، وإقصاء النعرات، وبرمجة فن الإنصات والاندماج، عوض الصدامات والصراعات، ونشر ثقافة المحبة والإنسانية، المعقول والمقبول من العادات والأعراف.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة