للفنان فريد فاضل
للفنان فريد فاضل


«مريم».. جسر محبة يربط قلوب المصريين

حسن بركة

الخميس، 24 ديسمبر 2020 - 02:27 م

مريم اسم فتاة قد تقابلها فى كل مكان فى مصر، قد تكون مسيحية أو مسلمة، فالجميع فى حب السيدة العذراء سواء، منحت السيدة العذراء الحب للعالم، كانت معجزة بشرية وآية للعالمين، جمعت المسلمين والمسيحيين على حبها وتبجيلها، حفظ لها القرآن قدرها فى سورة خلدت اسمها وحفرت مكانتها بين قلوب ملايين المسلمين ونفوسهم، بينما تغنت الأناجيل بها، آية بين نساء العالمين ومباركة بينهن، فى شهر كيهك الذى تكرسه الكنيسة القبطية كتقليد مصرى فريد للاحتفاء بالسيدة مريم، تستعيد ∀آخرساعة∀ الحالة التى خلفتها السيدة مريم فى نفوس المصريين جميعا فاجتمعوا على حبها وتقديرها والدعاء والتوسل بها.

القرآن والإنجيل ذكرا السيدة مريم بكل تبجيل واحترام، تذكرها الآيات فتستحضر روحانية وأنوار الإيمان وتبجيل الصديقين، هى جسر مشترك عامر بالمحبة بين المصريين جميعاً لا فرق بين مسلم ومسيحي، فخصص القرآن الكريم مساحة واسعة لاستعراض قصة السيدة مريم والاحتفاء بها، حتى قبل أن تولد عندما نذرتها والدتها وهى لا تزال جنينا فى رحم أمها، (فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّى وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللَّـهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَى وَإِنِّى سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّى أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (آل عمران:36−37).

كبرت مريم العذراء فى المعبد، حتى جاءتها الملائكة بالبشرى (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِى لِرَبِّكِ وَاسْجُدِى وَارْكَعِى مَعَ الرَّاكِعِينَ ذَلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّـهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِى الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) (آل عمران: 42−45).

كان الحدث جللا على مريم الصديقة، لم يمسسها بشر فكيف يكون لها ولد؟ وهو السؤال الاستفهامى الذى ذكره القرآن حكاية عن مريم إذ: (قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِى وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌقَالَ كَذَلِكِ اللَّـهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ) (آل عمران: 47)، بل إن القرآن الكريم دافع عن شرف السيدة العذراء ضد اتهامات اليهود وخوضهم فى شرفها (وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا) (النساء: 156)، فقال سبحانه: (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ) (التحريم: 12).

وفى السورة التى تحمل اسم مريم، نجد تفصيلا لحملها بالسيد المسيح وعملية ولادته: (وَاذْكُرْ فِى الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا قَالَتْ إِنِّى أَعُوذُ بِالرَّحْمَـنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِى غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِى مِتُّ قَبْلَ هَـذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِى قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا وَهُزِّى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا فَكُلِى وَاشْرَبِى وَقَرِّى عَيْنًا⊇فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِى إِنِّى نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ⊇قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ⊇قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِى الْمَهْدِ صَبِيًّا) (مريم: 16−29).

ويضيف الشيخ عبدالحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا، بعض مظاهر التكريم الإسلامى للسيدة مريم قائلا لـ∩آخرساعة∪: ∀الإسلام كرّم السيدة مريم كما لم يفعل مع أى امرأة وأعلى من قدرها واعترف بقدرها، وفضلا عن الآيات القرآنية التى اعترفت بقدر السيدة مريم، نجد الحديث النبوى الشريف: (كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)، فالسيدة مريم مكرمة فى الإسلام بالقرآن والسنة، وكرمها كما لم يكرم امرأة من قبل، فهو أمر واجب على كل مسلم∀.

ولا تختلف حالة التبجيل والاحترام فى الكتاب المقدس حيث نجد أنه فى إنجيل لوقا الذكر الأكبر للسيدة مريم: (وفى الشهر السادس أرسل جبرائيل الملاك من الله إلى مدينة من الجليل اسمها ناصرة) إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف. واسم العذراء مريم، فدخل الملاك وقال سلام لك أيتها المنعم عليها. الرب معك مباركة أنت فى النساء، فلما رأته اضطربت من كلامه وفكرت ما عسى أن تكون هذه التحية، فقال لها الملاك لا تخافى يا مريم لأنك قد وجدت نعمة عند الله، وها أنت ستحبلين وتلدين ابنًا وتسمينه يسوع، هذا يكون عظيمًا وابن العلى يدعى ويعطيه الرب الإله كرسى داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية، فقالت مريم للملاك كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلًا، فأجاب الملاك وقال لها: (الروح القدس يحلُّ عليك وقوة العلى تظلك) (لوقا 1: 26−31).

وجاء فى إنجيل متى: (أما ولادة المسيح فكانت هكذا. لما كانت مريم أمه مخطوبة ليوسف قبل أن يجتمعا وجدت حبلى من الروح القدس) فيوسف رجلها إذ كان بارًا ولم يشأ أن يشهرها أراد تخليتها سرًا، ولكن فيما هو متفكر فى هذه الأمور إذا ملاك الرب قد ظهر له فى حلم قائلًا: يا يوسف ابن داود لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك. لأن الذى حبل به فيها هو من الروح القدس، فستلد ابنًا وتدعو اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم، وهذا كله كان لكى يتم ما قيل من الرب بالنبى القائل (هو ذا العذراء تحبل وتلد ابنًا ويدعون اسمه عمانوئيل الذى تفسيره الله معنا) (متى 1: 18−23).

مكانة السيدة مريم كبيرة عند المسلمين والمسيحيين على حد سواء، فبينما يحتفل المسيحيون خلال شهر كيهك بالسيدة العذراء عبر التسابيح والترانيم المختلفة، حتى يُعرف هذا الشهر باسم الشهر المريمي، فإن المسلمين يحتفلون بالسيدة مريم على الدوام، فعند قراءة القرآن يتذكر المسلم السيدة مريم بكل تبجيل واحترام، وبينما يتلو المسيحى التراتيل والترانيم الخاصة بالسيدة مريم خلال شهر كيهك، يحق للمسلم التوسل بالسيدة مريم بحسب فتوى للدكتور على جمعة، مفتى الديار المصرية السابق، والذى أكد بجواز التوسل بالسيدة العذراء مريم بنت عمران، وغيرها من الصالحين والصديقين، فى الدعاء.

علاقة المصريين بالسيدة مريم قديمة وممتدة وراسخة، بحسب الباحث محمد صبحي، الباحث فى تاريخ العصور الوسطى، إذ قال لـ∩آخر ساعة∪: ∩إن علاقة السيدة مريم بمصر والمصريين قديمة وتعود فى أحد فصولها إلى مجيء العائلة المقدسة إلى مصر، هربا من اضطهاد اليهود، إذ يحكى مسار العائلة المقدسة فى مصر أحد الفصول المبكرة لميلاد المسيحية، فقد هربت السيدة البتول مريم بنت عمران بوليدها إلى أرض مصر هربا من بطش ملك اليهود هيرودس، الذى أراد قتل أبناء اليهود الذكور خشية من نبوءة تتهدد ملكه، لم تجد السيدة العذراء إلا مصر تحتمى بها من بطش ملك اليهود، فسافرت ليس معها إلا المسيح الرضيع ويوسف النجار ومعهم حمار، ودخلوا مصر من جهة مدينة العريش لتبدأ الرحلة المقدسة، التى شملت عدة محطات فى سيناء وصولا إلى الوادى جنوبا حتى أسيوط، إذ مكثت العائلة المقدسة فى مصر نحو ثلاثة أعوام وثمانية أشهر∪.

وتعرض مسار الرحلة للطمس حتى أعادت اكتشافه القديسة هيلانة والدة الإمبراطور قسطنطين الكبير فى النصف الأول من القرن الرابع الميلادي، بناء على رؤيا منامية، بعد ذلك اعتمدت الكنائس الأرثوذكسية الشرقية على ما قدمته القديسة هيلانة من وصف وتحديد لمسار رحلة العائلة المقدسة فى مصر، مدعومة بقصص آباء الكنيسة المصرية، وقد ورد ذكر الرحلة فى إنجيل متى: ∩إذا ملاك الرب قد ظهر ليوسف فى حلم قائلا: قم وخذ الصبى وأمه واهرب إلى مصر∪ وكُن هناك حتى أقول لك لأن هيرودس مزمع أن يطلب الصبى ليهلكه، فقام وأخذ الصبى وأمه ليلا وانصرف إلى مصر، (متى: 2: 13−14).

وبالفعل دخل الركب الصغير الذى يخشى اكتشاف أمره مصر وتوجه من مدينة العريش إلى مدينة الفرما (السويس الآن) ومنها إلى منطقة تل بسطا بالزقازيق، ثم مسطرد فدخلوا بالقرب من حصن بابليون حيث الكنيسة المعلقة الآن ومن المعادى انتقلوا إلى البر الغربى ثم دخلوا الصعيد وصولا إلى منطقة الدير المحرق، حيث أقامت العائلة المقدسة أطول فترة لها فى مكان واحد بمصر، إذ أقاموا ستة أشهر و10 أيام، بعدها بدأت العائلة فى العودة مجددا إلى فلسطين، لكنهم انحرفوا عن مسارهم عند رأس الدلتا وتوجهوا إلى وادى النطرون ومنه إلى الشرقية ثم سيناء ففلسطين.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة