صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


أسر الأطباء الراحلين: نكمل المسيرة حتى هزيمة «كورونا»

شهـداء.. فى مواجهـة الوبــاء

أحمد سعد

الثلاثاء، 29 ديسمبر 2020 - 11:19 م

فى‭ ‬خطوط‭ ‬المواجهة‭ ‬يرابطون‭ ‬منذ‭ ‬عام،‭ ‬يحاربون‭ ‬وباء‭غامضا‭ ‬بكل‭ ‬شجاعة،‭ ‬تزداد‭ ‬قواهم‭ ‬على‭ ‬المواجهة‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬شهيد‭ ‬يسقط‭ ‬من‭ ‬صفوفهم‭.. ‬عزيمة‭ ‬وإصرار‭ ‬منقطعة‭ ‬النظير‭ ‬على‭ ‬إنهاء‭ ‬معركة‭ ‬لا‭ ‬يعلم‭ ‬مداها‭ ‬إلا‭ ‬الله.. ‬إنهم‭ ‬جيش‭ ‬مصر‭ ‬الأبيض‭.‬

فى‭ ‬كل‭ ‬المستشفيات‭ ‬تقف‭ ‬الأطقم‭ ‬الطبية‭ ‬جاهزة‭ ‬لاستقبال‭ ‬وعلاج‭ ‬مرضى‭ ‬كورونا‭ ‬المستجد،‭ ‬انقطعوا‭ ‬عن‭ ‬أسرهم‭ ‬بالشهور‭ ‬فى‭ ‬مستشفيات‭ ‬العزل‭ ‬والفرز‭ ‬حتى‭ ‬ينتهى‭ ‬الوباء،‭ ‬ورغم‭ ‬عدم‭ ‬توافر‭ ‬الإمكانات‭ ‬أحيانا‭ ‬وعدم‭ ‬التقدير‭ ‬المادى‭ ‬أحياناً‭ ‬أخرى‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬واجبهم‭ ‬دائمًا‭ ‬هو‭ ‬الغالب‭.. ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬الجائحة‭ ‬فقدت‭ ‬مصر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬251‭ ‬طبيباً‭ ‬بخلاف‭ ‬باقى‭ ‬الأطقم‭ ‬الطبية،‭ ‬متأثرين‭ ‬بإصابتهم‭ ‬بكورونا،‭ ‬وصباح‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬يقدمون‭ ‬شهداء‭ ‬جدداً‭ ‬ضحوا‭ ‬بأرواحهم‭ ‬لإنقاذ‭ ‬حياة‭ ‬آخرين‭ ‬من‭ ‬وطأة‭ ‬الوباء،‭ ‬وما‭ ‬زالت‭ ‬المواجهة‭ ‬مستمرة‭.‬

أسرة‭ ‬د‭. ‬وليد‭ : ‬"نستكمل ‬رحلته‭ ‬فى‭ ‬مواجهة‭ ‬الموجة‭ ‬الثانية" :


الطبيب وليد يحيى

على مدار 3 سنوات عمل الطبيب وليد يحيى عبدالحليم بمستشفى المنيرة بوسط القاهرة، ضاعف من عدد ساعات عمله بعد بدء جائحة كورونا، يمضى بالمستشفى 36 ساعة متواصلة دون ملل أو كلل إلى أن أصيب بالفيروس المستجد من الطاقم المعاون له من التمريض.

فور إصابته عزل نفسه بمنزله لثلاثة أيام وبعد ذلك توجه للمستشفى بسيارته بعد أن تضاعفت عليه الأعراض، ساءت حالته فى الرعاية لم يتمكن زملاؤه من انقاذه لنقص المستلزمات الطبية، الحالة تسوء يوما بعد يوم إلى أن تم نقله إلى مستشفى مدينة نصر للتأمين الصحي، وهناك فارق الحياة. تتذكر الدكتور نانسى النفيدى استشارى طب الأطفال، ووالدة زوجة الطبيب الشهيد وليد يحيى ما حدث قائلة: إن وليد كان طبيبا مقيما أصيب بالعدوى من التمريض بقسم النساء، وبعد أن جاءت نتيجة مسحته ايجابية عزل نفسه فى المنزل لمدة 3 أيام، ثم اتجه إلى مستشفى المنيرة العام بعد أن ظهرت عليه الأعراض وتم حجزه. وتضيف: فارق وليد زوجته وطفله يحيى قبل أن يتم 4 شهور، وعادت زوجته لعملها طبيبة فى مستشفى 15 مايو بعد 3 أشهر من الولادة لتؤدى واجبها أيضًا، وأنا كذلك اعمل استشارى أطفال واذهب لعملى يوميًا.

وتوضح: أنه حين شعر بالأعراض قام بإجراء مسحة للفيروس، وطلب من زوجته أن تذهب إلى أسرتها وعزل نفسه فى المنزل، وبعد زيادة الأعراض ذهب إلى مستشفى المنيرة للعزل. "وليد ذهب إلى المستشفى بسيارته، أى ان حالته الصحية كانت جيدة، فى الوقت الذى كنت وزوجته مصابين بالفيروس، وحدث خطأ من الأطباء فى التعامل مع حالته فى الرعاية، فبحثنا عن مكان آخر، وتم نقله لمستشفى مدينة نصر للتأمين الصحى بسيارة الإسعاف إلا أن قضاء الله كان سابقًا" تتذكر د. نانسى رحلة مأساة الطبيب وليد. وبعد مرور أكثر من 6 أشهر على وفاته دون ان يتم 32 عامًا من العمر، تقول الطبيبة: "الحمد لله على قضائه.. ربنا يقدرنا ونعدى الأزمة عشان الطفل لا يشعر بأى شىء.. اضطرت زوجته للحصول على اجازة رعاية لطفلها يحيى حتى لا نفقدها هى الأخرى مثل زوجها بعد تحويل المستشفى لعزل"..

ورغم ما حدث مع فقيدهم الطبيب تحرص الطبيبة على عملها يوميًا وتضيف: القاعدة العامة فى الاطباء أنهم يخدمون المرضى ويقومون على رعايتهم، ولا يوجد لديها تخوف من الخروج لعملها بمستشفى ميت غمر، فقضاء الله ينفذ فى أى وقت، وليست عائلتنا لوحدها التى تواجه كورونا فى المستشفيات لكن يجب أن نقوم بواجبنا.. فمن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا.

أرملة‭ ‬د‭. ‬هشام‭ ‬الساكت‭: ‬ "جمعنا‭ ‬العزل‭ ‬وفرقنا‭ ‬القدر":


الطبيب هشام‭ ‬السكات

دفعه واجب عمله إلى المرور على مستشفيات جامعة القاهرة لمراجعة الإجراءات الاحترازية وحماية زملائه الأطباء من الإصابة بالعدوى إلا أنه أصيب بالفيروس اللعين وما هى إلا أيام قليلة حتى فقد الدكتور هشام الساكت وكيل جامعة القاهرة لشئون خدمة المجتمع حياته متأثرًا بإصابته.

عقب انفجار معهد الأورام، كُلفَ الساكت − رغم عدم اختصاصه بحكم وظيفته − بالمرور على المستشفيات الجامعية لإعداد تقرير حول مدى التزامها بالإجراءات الاحترازية، فتوجه بنفسه للمرور عليها ودخل كل الرعايات والأقسام بما فيها العزل للتأكد من الاجراءات الاحترازية، وانتهى من تقريره.. "لم تمر 3 أيام حتى بدأت أعراض كورونا تظهر عليه∪ هكذا أكدت أرملته الطبيبة شيرين الجيار مدير الطوارئ بالقصر الفرنساوى آنذاك التى استقبلته فى جولته التفتيشية.

تتذكر الجيار تلك الأيام التى وصفتها بالعصيبة قائلة: "أصبت بكورونا عقب زوجى وتم حجزنا فى مستشفى العبور التابع لجامعة عين شمس، لكن إرادة الله أن يخرج كل منا على طريق مختلف، وقبل الذهاب للمستشفى كنا قلقين من نقل العدوى لأبنائنا فكان لزاما علينا أن ننعزل عنهم بالمنزل لفترة طويلة قبل تأكد الإصابة".

وتضيف: فى البداية اكتشفنا ارتفاع درجة حرارة هشام وقبل الذهاب إلى المستشفى بيومين طلبت منه النزول وإجراء آشعة مقطعية على الصدر ولكنه رفض فى البداية بسبب تناوله بعض الأدوية للعلاج، ولكن بعد يومين زادت الحرارة وبدأت تظهر مشكلة فى التنفس وقمت بقياس نسبة الأوكسجين بجسمه لكنها انخفضت سريعا، وتم نقله للمستشفى لعمل جلسات أوكسجين وتعليق المحاليل، وما هى إلا أيام حتى فارق الحياة.

زاد رحيل الساكت من معاناة زوجته خاصة فى ظل الجائحة، فتقول: اصبحت وحدى مسئولة عن أولادى الثلاثة، اتجه إلى عملى يوميا فى مستشفى الطلبة التابع لجامعة القاهرة لعلاج المرضى ومواجهة الوباء، وأعود لرعاية أولادى مساء، فالمرضى مسئوليتى أمام الله وأنا اخترت ذلك كطبيبة ولن أهرب من المعركة وقت الشدة فنحن جنود ولنا الثواب عند الله.. وتضيف: كل يوم نضحى بأنفسنا وبأولادنا لكن واجبنا كأطباء أهم ونطالب فقط بالدعم لنا وخاصة أسر شهداء الأطقم الطبية، وان يكون التكريم لأسر الشهداء والأطباء فى ميدان العمل فى المستشفيات حتى يحصلوا على حقوقهم بدلاً من الإجراءات الروتينية حتى تحصل أرامل الأطباء على مستحقاتهم.

نجل‭ ‬طبيب‭ ‬الدقهلية‭ : ‬"الغلابة ‬يفتقدونه‭ ‬بعد‭ ‬الرحيل":


الطبيب أحمد الباز

صباح كل يوم كان د. أحمد باز استشارى الباطنة والحميات يتجه لعيادته بمركز محافظة الدقهلية ويعود مساء لمنزله بمنية النصر بالدقهلية ليستقبل المرضى من غير المقتدرين ويعالجهم مجانًا إلى ان أصابته عدوى كورونا لتنهى مسيرة "الطبيب الطيب".

يروى أمجد نجل الطبيب أحمد باز تفاصيل إصابة والده بالفيروس قائلا: "اعتاد أبى على أن يستقبل المرضى فى العيادة اسفل المنزل، جاء إلينا احد الاقارب وعرض عليه التحاليل والاشعة التى اجراها نتيجة اشتباه اصابته بكورونا وجلس مع ابى وقتا طويلا وبالفعل كان تشخيص والدى لحالته أنه مصاب بكورونا ووجهه للعزل المنزلي".

ويضيف: ما هى إلا ايام وبدأت تظهر على والدى أعراض الفيروس المستجد، وعزل نفسه بالمنزل لمدة 4 ايام وبعدها ساءت حالته وتم نقله إلى المستشفى ليلقى ربه بعد يوم واحد.

ويوضح أمجد أن والده كان يستقبل يوميًا حالات كثيرة مصابة بكورونا وكان معروفاً بين اهل المركز، لسمعته الطيبة وعلاجه للفقراء بالمجان، ورغم اتباعه للاجراءات الاحترازية إلا أنه اصيب بالفيروس اللعين.

"اعتاد أبى أن يستيقظ مبكرا يوم اجازته −الجمعة− ليتناول معى واخوتى الاثنين الإفطار، ومتابعة شئون المنزل − بعد أسبوع من التركيز التام مع مرضاه − وزيارة الاقارب ثم العودة لتناول الغداء وتبادل الحديث معنا".. أمجد يتذكر لحظات اقتنصتها الأسرة مع الطبيب الراحل فى زمن كورونا.

ورغم ما حدث إلا أن نجلة الطبيب الراحل تعمل طبيبة حديثة التخرج وتحرص يوميا على الذهاب للمستشفى لممارسة عملها فى قسم الطوارئ وعلاج حالات كورونا.. ويضيف امجد: أن الأمور تسير بشكل طبيعى حاليا لكن ليست كما كانت فى السابق فى وجود والده لكن الحمد لله الأمور جيدة ونسأل الله الرحمة والمغفرة لأبي.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة