الانتخابات
الانتخابات


وداعاً .. أحزاب «الصفر الكبير»

69 حزباً لم تشارك فى الانتخابات التشريعية و22 فشلت فى حجز مقعد واحد

آخر ساعة

الخميس، 31 ديسمبر 2020 - 08:09 ص

أحمد جمال

بعد مرور العقد الأول على إتاحة تأسيس الأحزاب السياسية بالإخطار يبدو واضحا أن هناك حاجة ملحة لمراجعة الحالة الحزبية فى مصر مع وجود 104 أحزاب يطغى على غالبيتها الصفة الكرتونية، بما انعكس على عزوف الجزء الأكبر عن المشاركة فى الانتخابات التشريعية على مستوى غرفتى الشيوخ والنواب من الأساس، ويمكن القول أن هناك أكثر من 90 حزباً حصلوا على "صفر كبير"، لأن هناك 69 حزباً لم يشاركوا و22 آخرين فشلوا فى أن يحجزوا مقعدا واحدا، فى حين كان التمثيل لـ13 حزباً.

حالة السيولة التى مرت بها عملية تأسيس الأحزاب طيلة السنوات الماضية وأفرزت عن وجود عدد من الكيانات الشكلية غير المرئية على الأرض ستكون بحاجة إلى معالجات عديدة لاستكمال تجربة الإصلاح السياسي، تحديداً وأن الفرصة كانت مواتية لأن تعلن الأحزاب عن نفسها عبر آلية إجراء الانتخابات والتى منحت حيزاً واسعا للقوائم الحزبية.
تؤكد الخريطة الحزبية الجديدة داخل البرلمان أن هناك وضعا حزبيا جديدا يأخذ فى التشكل لأن هناك أحزاباً جديدة طفت على السطح فى القلب منها حزب مستقبل وطن، أكثر الأحزاب تمثيلاً فى البرلمان الجديد، وحزب الشعب الجمهورى الممثل بـ50 مقعداً وحماة وطن ومصر الحديثة، فى حين انزوت أحزاب أخرى اعتمدت على تصدير أشخاص بعينها كرموز معبرة عنها مثل الأحرار والغد والكرامة إلى جانب تراجع الأحزاب التاريخية مثل الوفد والتجمع، إضافة للمصريين الأحرار الذى حضر بفعالية فى البرلمان المنقضى وغاب تماماً عن التشكيل الجديد.
هناك جملة من الأسئلة تطرح نفسها بعد أن انفض ماراثون الانتخابات تتعلق بمصير أحزاب "الصفر الكبير"، وهل ستظل قابعة كما هى من دون أن تحرك ساكناً، أم أن الأمر سيكون بحاجة إلى حلحلتها عبر إجراءات قانونية وتشريعية وسياسية؟ وهل آن الأوان لأن يكون هناك اتجاهات سياسية مختلفة تعبر عن هذا العدد الكبير من الأحزاب ما يعنى اندماجها أو تحالفها، أم أن الأفضل تركها لمصيرها، لأنه سيكون مكتوباً عليها الزوال بعد سنوات قليلة؟
التكلات الحزبية
"التكتلات السياسية الكبرى هى الحل"، هذا ما يذهب إليه الدكتور حسن سلامة الخبير السياسى بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، ويرى أن هناك ضرورة ملحة لأن تتكتل الأحزاب داخل ائتلافات لتشكل تحالفا سياسيا وليس انتخابيا لتعبر عن ثلاثة أو أربعة ألوان سياسية مختلفة من الممكن أن تساعد المواطنين على فرز كل منها والتعرف على أدوارها فى المجتمع والوصول إلى رؤاها السياسية بشكل واضح من دون تشويش، وأضاف أن الأحزاب فى مصر بحاجة لفهم طبيعة أدوارها بعيداً عن إعلاء مصالح الزعامة والوجاهة الاجتماعية والسياسية لمؤسسيها، فى مقابل صنع مشهد حزبى يؤدى وظائفه وقدرته على التعبير عن المصالح الليبرالية واليسارية والوسطية والقومية بدلاً من حالة التماهى الحالية والتى لا يستفيد منها أحد، ويؤمن سلامة بأن الإشراف على تنظيم أوضاع الأحزاب سيكون بحاجة إلى تعاون مشترك ما بين مؤسسات الدولة ممثلة فى البرلمان على وجه التحديد وبين قيادات الأحزاب ذاتها، لأنه لا يمكن القبول مجددا بتأسيس الأحزاب وفقا لشرط الـخمسة آلاف عضو مؤسس بعد أن أثبت هذا الرقم عدم فاعليته فى تأسيس أحزاب قوية وذات مؤسسية واضحة، ومضاعفة هذا الرقم ستكون مطلوبة من خلال تعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية، إلى جانب أنه سيكون من المهم مراجعة تعريف الأحزاب وماهية أدوارها والتعامل مع أى كيان لا يقوم بتلك الأدوار، فمثلاً المهمة الأساسية للأحزاب تتمثل فى المنافسة على السلطة والتدرج فى خوض الانتخابات لتحقيق هدفها، وبالتالى فإن أى حزب لم يخض الانتخابات من الأساس أو يفشل فى حجز أى مقعد له فى الاقتراعات المختلفة لدورتين متتاليتين، لابد من التعامل معه عبر اتخاذ إجراء قانونى ضده.
حرية العمل
يـــرى العـــديـد مـن الـسـياسـيين أن هــذا الإجراء قد يكون له آثار سلبية على إتاحة حرية العمل الحزبي، غير أن الدكتور حسن سلامة أشار إلى أن بقاء الوضع الحالى كما هو عليه لا يصب فى صالح المجتمع ولا الحياة السياسية المصرية مع بدء خطوات الإصلاح عبر إتاحة وجود أكبر للقوائم الحزبية داخل البرلمان بما أدى لوصول الأحزاب التى من الممكن وصفها بأنها فاعلة تمهيداً لفرز القوى غير الموجودة على الأرض، أما فيما يتعلق بمسؤولية الأحزاب ذاتها فإن قياداتها سيكون عليهم الارتقاء لمستوى المسؤولية وتطوير أدواتهم السياسية، والخروج عن الموروث الثقافى المصرى بشأن العمل الحزبى الذى يتعامل مع رئاسة الحزب على أنها زعامة سياسية حقيقية فى حين أن هناك هدفا أسمى يتمثل فى المنافسة السياسية عبر الانتخابات المختلفة وتهيئة الأوضاع داخل الحزب لأن يكون ممثلاً للأغلبية وليس من أجل دعم حظوظ قيادته فى أن تظل حاضرة فى صدارة المشهد.
"لا يمكن التعامل مع مستقبل الأحزاب من دون النظر إلى الماضي"، هذا ما يؤكد عليه الدكتور شوقى السيد، الفقيه الدستورى والمفكر السياسي، معتبراً أن مشاكل الأحزاب التى تعانيها حالياً مزمنة من سنوات طويلة تحديداً منذ العام 1879 حينما تحدثت الصحافة المصرية حينها عن الاتجاهات الحزبية قبل الإعلان عن تأسيس أول حزب فى العام 1907، وأضاف أن التاريخ الحزبى المصرى مر بتحولات عديدة أفرزت الحالة القائمة، بعد أن جرى حل الأحزاب فى العام 1953، وظلت مغلقة حتى العام 1977 حيث إصدار قانون الأحزاب السياسية الذى أدى بداية للتعددية الحزبية من خلال أربعة أحزاب، لكن الممارسة الحزبية فى حينها كانت تدار عبر لجنة شئون الأحزاب ووصل عددها إلى 13 حزبا فى العام 2011، قبل أن ينفرط عقد تكوين الأحزاب ليكون بالإخطار وتخطت حاجز الـ 100، وأشار السيد إلى أنه بعد 10 سنوات على التحولات الأخيرة يبقى هناك كثير من الأحزاب لا يعرف أحد حجمها أو ميزانيتها أو عدد الأشخاص الفاعلين بها ولا حتى قياداتها، وتفككت من الداخل بفعل الصراعات بين القاعدة والقيادة ووصلت إلى حد استخدام السلاح وإضرام النيران فى المقار واقتحامها وحدث ذلك أيضاً فى أحزاب كانت كبيرة مثل الوفد والغد والأحرار، وهناك أحزاب فى حالة موت سريرى وأخرى انتهت ولم يعد لها وجود بالرغم من بقائها كمسميات، وأوضح أن اللافت للنظر والذى يستحق الدراسة فى الوقت الحالى أن الأحزاب القديمة فقدت وجودها والدليل على ذلك عدم قدرتها المنافسة فى الانتخابات المنقضية، ووجدت نفسها مضطرة للدخول فى ائتلافات انتخابية من أجل أن تضمن لنفسها مقاعد تحت قبة البرلمان لكن من دون أن يستطيع أى حزب أن يحقق أغلبية كافية، وهو ما يُرغمها أيضاً على تحويل تحالفاتها الانتخابية إلى سياسية، وأشار إلى أن وجود عدد كبير من الأحزاب سيؤدى لأن تقضى الأحزاب على نفسها لكن ذلك ليس فى مصلحة الدولة ولا المواطن، والمهم أن يكون هناك برامج واتجاهات سياسية مختلفة تتنافس فيما بينها لإثراء التعددية الحقيقية والتى تكون بقصد الوصول لأفضل وسيلة لإدارة شئون البلاد، ولابد من تشجيع تلك الخطوات حتى تكون نابعة من القاعدة الشعبية وليس من القمة، ما يجعل شرط التواجد فى البرلمان مطلوباً حتى يكون هناك حد أدنى من المنافسة.
إصلاح النظام الحزبى
وقال الدكتور إكرام بدر الدين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن أحد مهام البرلمان الجديد سيكون إصلاح النظام الحزبى بما سيترتب عليه من نتائج إيجابية تدعم الإصلاح السياسى فى مصر، بما يؤدى لوجود أربعة تيارات رئيسية وهى اليمين واليسار والوسط والقومى بما يستهدف تقوية الأحزاب الحالية، وأوضح أن هناك تعديلات ضرورية على آلية عمل لجنة شئون الأحزاب بحيث يكون من حقها عدم تواجد أحزاب جديدة لديها نفس البرامج التى تقدمت بها برامج سابقة موجودة حاليا، بما يساعد على إثراء الألوان الحزبية المختلفة وإفساح المجال أمام التجارب الناجحة للتعبير عن نفسها وشغل حيز من الفضاء فى الساحة السياسية.
وفى المقابل رأى النائب طارق تهامي، عضو مجلس الشيوخ عضو الهيئة العليا لحزب الوفد، أن القاعدة العامة للممارسة الحزبية السليمة أن تضمن الحق لكل مجموعة من المواطنين أن تنتمى إلى الكيان التى تراه معبراً عنها وعن أفكارها، وأن التنوع والتعدد يكون مطلوباً للتعبير عن الأطياف السياسية المختلفة، ولا حاجة ضرورية فى الوقت الحالى من أجل إلغاء عدد من الأحزاب أو دمجها، وارتكن تهامى على تجارب دول ديمقراطية كبرى لديها أحزاب كبيرة تظل مهيمنة على المشهد السياسى فى مقابل وجود أحزاب صغيرة تبقى فى حجمها الطبيعى طالما أنها غير قادرة على التعبير عن مصالح المواطنين، وهذه الأحزاب فى كثير من دول العالم تبقى مجرد رقم موجود من دون أن يكون لديها تأثير سلبى على إجمالى الممارسة السياسية.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة