مجلس حقوق الإنسان العالمى
مجلس حقوق الإنسان العالمى


معايير الغرب المزدوجة تطيح بـ«حقوق الإنسان»

المبادئ الأخلاقية تتجزأ فى حلبة صراع سياسى

آخر ساعة

الخميس، 31 ديسمبر 2020 - 08:12 ص

أحمد جمال

بعد 72 عاماً من خروج الإعلان العالمى لحقوق الإنسان إلى النور فى العاشر من ديسمبر عام 1948، يجد العالم نفسه أمام تحولات عديدة فى القضايا المرتبطة بالحقوق والحريات العامة التى لم تعد معبّرة عن مبادئ أخلاقية ترسم الحقوق المصونة للمواطنين، وتحوّلت إلى حلبة صراع سياسى تُستخدم فيها جميع أدوات الضغط بهدف تحقيق مصالح الدول الكبرى، وفى القلب منها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبى.

يعــبر انسحـــاب الولايــــات المتحـــدة مـن مجلس حقوق الإنسان العالمى الذى يعمل تحت مظلة الأمم المتحدة فى عام 2018، عن رغبتها فى الخروج عن الإطار العام الذى ترسمه المنظمة الأممية بشأن عدم التدخل فى الشئون التى تكون من صميم سيادة الدولة، بحسب ما تنص المادة الثانية من ميثاقها، ما يمهد لمزيد من زحف الأهداف السياسية على قضايا حقوق الإنسان، تحديداً مع وجود إدارة أمريكية جديدة محسوبة على الديمقراطيين الذين اعتادوا إشهار هذا السلاح.
حظيت الندوة الفكرية التى نظمتها مكتبة الإسكندرية، الأسبوع الماضي، تحت عنوان «حقوق الإنسان والمعايير المزدوجة»، بمناقشة مطوّلة حول تغول «السياسية» على القضايا الحقوقية والنتائج التى ترتبت على هذا التداخل، ويكشف ما دار فى هذه الندوة ألاعيب القوى الإقليمية الكبرى بالتزامن مع أكاذيب ووقاحات البرلمان الأوروبى ضد الدولة المصرية.
يعود تاريخ دخول السياسية طرفاً أصيلاً فى مناقشة قضايا حقوق الإنسان مع بدء الحرب الباردة (منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى عام 1991)، بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، وقال الدكتور على الدين هلال، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إنه فى ذلك التوقيت كانت الأولى تسمى نفسها بأنها من بلدان العالم الحر، وأنها فى مواجهة مع دول الستار الحديدى والكتلة الشرقية، وعبَر اختيار المسميات عن جزء من استراتيجية استخدام ورقة الحريات.
وأضاف أن أمريكا أشهرت أسلحة عديدة فى وجه الاتحاد السوفيتي، كان أبرزها دعم الثورات الشعبية فى جنوب شرق آسيا فى عام 1989، وأدت مباشرة لانهيار الاتحاد السوفيتى بعد هذا التاريخ بأقل من عامين، ما أسّس لأهمية التوظيف السياسى لقضايا الحريات باعتبارها المحرك الأول نحو تحقيق مصالح الولايات المتحدة.
وأفزر ذلك تشكيل قطاع الديمقراطية ضمن هيئة المعونة الأمريكية فى منتصف التسعينيات، والتى كان لها دور مهم  فى أن تتسيد أمريكا العالم لسنوات طويلة، بل إن من نتائج تلك الضغوطات أن سارعت دول شرق أوروبا للدخول فى الحلف الأطلنطى، بل إن روسيا ذاتها ذهبت باتجاه التقرب للولايات المتحدة بعد أن انهارت اقتصادياً.
وأضاف هلال: «أمريكا كانت بحاجة لتبرير فكرى لتحولات تعاملها مع المجتمع الدولى وعمدت إلى دعم العديد من المؤلفات التى جرى ترجمتها إلى جميع لغات العالم أبرزها (من الديكتاتورية إلى الديمقراطية)، الذى يعد دليلاً عملياً على التمرد السياسى وكيفية تنظيم التظاهرات وكيف يؤمن المعارضون أنفسهم وتعريف المتمردين بأساليب إشاعة الفوضى».
يبدو واضحاً أن عملية تسييس قضايا حقوق الإنسان جرت بالتوازى معها حزمة إجراءات أخرى تدعم توظيفها فى الابتزاز السياسى على الدول والمجتمعات التى تختلف مصالحها عن توجهات الدول الكبرى، ما نتج عنه وجود جهات علنية تتولى عملية تدريب الفئات الشبابية على التمرد، وللمرة الأولى خرج مصطلح «النشطاء السياسيون» ليشكل بعداً جديداً ضمن آليات المجتمع المدنى الذى كان مقتصراً على مصطلحات معروفة مثل الأحزاب والنقابات والمنظمات الحقوقية والجمعيات الأهلية.
لم يقتصر الأمر على ذلك، بل إن العديد من الدول العربية تعرضت لضغوطات أمريكية سعت لأن يكون هناك تواصل مباشر ما بين الهيئات التى تقدم الدعم والمعونة داخل الولايات المتحدة وبين المنظمات الحقوقية العاملة داخلها، وانعكس على ذلك زيادة أعداد المنظمات الأجنبية العاملة داخل العديد من البلدان العربية خلال الألفية الجديدة، بحسب ما أكد الدكتور على الدين هلال.
وأشار إلى أن العديد من الدول قبلت بذلك التواصل، وكان ذلك بمثابة تدخل مباشر فى الشئون الداخلية للدول وانتقاصاً من سيادتها، مؤكداً أن إقرار قانون الجمعيات الأهلية واقتراب خروج لائحته التنفيذية إلى النور يسد كثيراً من الثغرات السابقة ليكون عمل المنظمات داخل مصر فى إطار تنظيمى يعكس التفسير الصحيح لحقوق الإنسان ليتضمن الحقوق المدنية والشخصية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
فيما ذهب أيمن نصري، رئيس المنتدى العربى الأوروبى للحوار وحقوق الإنسان، إلى أبعد من ذلك بتأكيده أن الدول الكبرى لم تقم فقط بإخراج مبادئ حقوق الإنسان عن إطارها الأخلاقى وما ترتب على ذلك من تجاهل لمجلس حقوق الإنسان العالمي، بل عمدت إلى توظيف أدوات المجلس لصالحها، واستغلت اعتماد المجلس على 80% من رؤيته للأوضاع الحقوقية لأى دولة عبر المنظمات الحقوقية لتقوم بالسيطرة عليها وتمويلها وتسييس التقارير والدراسات الصادرة عنها.
وأكد أن الولايات المتحدة حوَّلت مجلس حقوق الإنسان العالمى إلى ساحة تلاسن سياسى نتيجة تغول تمويل المنظمات على قراراته وملاحظاته الموجهة، وأضحى كثير من الدول الأعضاء لا يثق فى تقاريره الصادرة عبر آلية المراجعة الدورية، ويبدو أن ذلك كان مقصوداً من أجل مزيد من التسييس لهذا الملف بعيداً عن أروقة الأمم المتحدة لتتحول قضايا الحريات العامة إلى أداة ابتزاز سياسى مباشرة من دون تداخل قوى أخرى رافضة لانتهاج هذا الأسلوب.
وكان من نتائج هذه الممارسات أن تحولت المناقشات الحقوقية داخل المجلس العالمى لحقوق الإنسان إلى مواجهات سياسية، وهو ما تستغله كل من قطر وتركيا بشكل فج عبر تنظيم ندوات سياسية على هامش انعقاد دورته السنوية يكون هدفها توجيه سهام الانتقاد إلى الدولة المصرية أو دول الاعتدال العربى عموماً لتبدأ وسائل الإعلام المعادية فى استغلال الأمر وتوظيفه لتوجيه انتقادات للحكومات العربية.
برأى نصرى، لم يعد هناك أمر محايد داخل مجلس حقوق الإنسان، لأن المنظمات التى تشكل أساس التقارير الصادرة عنه أصبحت بمثابة دمية فى يد قوى تتصيد الأخطاء وتسعى للنفخ فى نيران أى أزمة بما يحقق مصالحها السياسية، وفى المقابل فإن أى تقارير تخرج من منظمات محايدة لا يجرى الاعتداد بها وتواجه اتهامات بالعمل لصالح الأنظمة السياسية.
وأكد أن عملية تسييس قضايا حقوق الإنســان تظــهـر بفجـاجــة فــى عــهـود الديمقراطيين الذين اعــتادوا استخــدام هذا الملف لحماية أغراضهم ومصالحهم الاقتصادية، وذلك التسييس أصبح يُمارس بشكل فج تجاه الدولة المصرية منذ ثورة 30 يونيو، تماشياً مع دخول أطراف عديدة على خط توظيف هذا الملف سياسياً.
وتنبه تنظيم الإخوان الإرهابى لقيمة هذا الملف وبدأ فى التواصل مع دوائر صنع القرار فى الولايات المتحدة لتشكيل رأى عام معاد ضد الدولة المصرية، وكذلك الحال بالنسبة إلى قطر وتركيا اللتين قامتا بضخ مليارات الدولارات للهيمنة على المنظمات الحقوقية الدولية المنتشرة فى عدد كبير من دول العالم.
وأوضح نصرى أن هيمنة قطر وتركيا على المنظمات الحقوقية الدولية يظهر تحديداً فى بيانات منظمة «هيومان رايتس ووتش» والتى تتجاهل إدانة أى عملية إرهابية تقع على الأراضى المصرية فى مقابل لا تتوقف عن تقاريرها المغلوطة بشأن حالة حقوق الإنسان المصرية، مشيراً إلى أن تلك الهيمنة طاولت قوى فاعلة فى مجلس حقوق الإنسان الذى تجاهل شكاوى المنظمات المصرية من تحريض الإعلام القطرى والتركى.
نتيجة لكل التحولات السابقة، يؤكد رجائى عطية نقيب المحامين، ضرورة أن تكون لكل دولة معاييرها الخاصة التى لا تخرج عن الإطار العام لمواثيق حقوق الإنسان لكن تراعى المصالح الوطنية العليا للدولة وبما لا يصطدم بموروثها الدينى والثقافى، وأن على دول العالم احترام خصوصية كل دولة بما لا يتعارض مع الإطار العام، وهو ما يفرض تغييراً فى أدبيات تعامل المجتمع الدولى مع هذا الملف.
وتابع: «لا تصادم ولا ازدواجية حينما نتحدث عن المعايير الوطنية والمعايير العالمية، لكن عليها التسليم بأن هناك أمور لا يمكن التعرض لها فى أى من الأوطان من دون النظر إلى الظروف المتعلقة بهذا البلد، ويعد ذلك أساساً للتعامل مع حالة التوظيف السياسى للقضايا الحقوقية».
ويرى عطية أن التقلبات الاجتماعية والسياسية التى تتطلب مواجهة مختلفة موجودة فى جميع بلدان العالم بما فيها الولايات المتحدة التى قد تضطر إلى استخدام العنف فى مواجهة التظاهرات التى دعا إليها أنصار الرئيس الأمريكى المنتهية ولايته دونالد ترامب بالتزامن مع تسليم السلطة.
وكذلك الحال بالنسبة إلى فرنسا التى أعلنت الأحكام العرفية لصد تصاعد العمليات الإرهابية، وفى كلا الحالتين لا يمكن لوم أى منهما، لكن المطلوب أيضاً أن تكون هناك مراعاة للحالة المصرية القائمة فى ظل تربص التنظيمات الإرهابية بالمجتمع.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة