المخرج الكبير "محمد فاضل"
المخرج الكبير "محمد فاضل"


المخرج الكبير محمد فاضل يفتح قلبه وعقله لـ «الأخبار» :

حوار| محمد فاضل: أنفاق القناة لا تقل عن الأهرامات وأحلم بعمل درامي يجسدها

حازم بدر

الأربعاء، 06 يناير 2021 - 09:24 م

لم يدخل المخرج الكبير محمد فاضل بلاتوهات التصوير منذ 9 أعوام، ابتعد خلالها مرغما عن عشقه الأبدى الذى بدأت إرهاصاته منذ كان طالبا فى الثانوية العامة، عندما شكل مع زملائه فرقة مسرحية كانت تعرض بعض الأعمال فى الملاجئ.. ورغم هذا الابتعاد، يظل فاضل حاضرا بأعماله التى تجد إلى الآن اهتماما جماهيريا عند إعادة عرضها على بعض القنوات، وهو ما يؤكد أن الفن الجيد لا يفقد بريقه، حتى وإن جارت عليه الأيام.. وفى باكوره حوارات "أسطوات الفن"، التى تستهدف التحاور مع الأساتذة الكبار الذين أثروا بأعمالهم قوة مصر الناعمة، حاولت "الأخبار" فهم سر هذا الخصام بين فاضل والمنتجين، فلم تزدنا اجاباته على الأسئلة إلا حيرة.. تستطيع أن تشعر بغصة فى قلبه تنعكس على ملامح وجهه ونبرة صوته الحزينة، وهو يتحدث عن أزمته مع المنتجين الحاليين، لكنه ما يلبس أن يجد المدد المعنوى من تاريخه الفنى الذى يصل إلى نصف قرن، ليجاهر فخرا بهذا التاريخ الذى يعصمه من طرق أبواب المنتجين، تحت ضغط الرغبة فى العودة إلى البلاتوهات، لتتبدل ملامح وجهه وتكتسى بمشاعر الفخر والكبرياء وهو يتحدث عن أبرز المحطات الفنية التى صنعت اسمه.. قد تتساءل متعجبا،وهل يكفى التاريخ ليباعد بين مخرج "الراية البيضاء" وخيار رفعها، فتأتيك الإجابة من صور الرئيس الراحل جمال عبد الناصر التى تزين كل حائط من حوائط مكتبه، فالرئيس الذى تركت أقواله ومواقفه أثرا كبيرا فى شخصية المخرج الكبير، قال يوما ردا على تهديد أمريكا بقطع المعونة: "لو بنشرب 7 كوبايات شاى فى اليوم هنخليهم 5 لحد ما نبنى بلدنا"، وهى ذات المعانى التى يؤمن بها فاضل، والذى قال "رفعت فى بيتى شعار اللى ممعيش حقه ما عزوش".. وإلى نص الحوار.

السيسى‭ ‬يطبق‭ ‬مبادئ‭ ‬ثورة‭ ‬يوليو‭.. ‬وأراه‭ ‬الأقرب‭ ‬لـ‭ ‬عبد‭ ‬الناصر

رصيدي‭ ‬الفنى‭ ‬يضعنى‭ ‬فى‭ ‬طبقة‭ ‬االمساتيرب‭.. ‬ولن‭ ‬أقدم‭ ‬أى‭ ‬تنازلات

المصريون‭ ‬استدرجوا‭ ‬لأحداث‭ ‬25‭ ‬يناير‭ .. ‬و30 يونيو‭ ‬اثورة‭ ‬حقيقية

- سأبدأ بالسؤال الذى يسأله كل من يعرف تاريخك الإبداعي، ويتعجب من اختفائك عن الساحة.. هل ذلك قرار شخصى منك أم عزوف من المنتجين عن التعامل معك؟

يطلق تنهيدة عميقة قبل أن يقول بصوت تغلفه نبرة حزينة: بالطبع ليس قرارا شخصيا، فقد كانت آخر أعمالى عام 2012 بعنوان "ربيع الغضب" للمؤلف مجدى صابر، إنتاج شركة صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات، ثم حدثت بعد ذلك تغييرات كان من نتيجتها تراجع دور الدولة فى الإنتاج الدرامى والسينمائي، وظهور منتجين جدد، وهذا وضع يجب العمل على إصلاحه، لأننا بصدد دولة جديدة يتم بناؤها، وهى تواجه فى نفس الوقت خطر الإرهاب، وكما يوجد إدارة للشئون المعنوية للتوجيه المعنوى للجنود، يجب أن يكون هناك توجيه معنوى للشعب من خلال إنتاج درامى وسينمائى تشرف عليه الدولة ممثلة فى وزارة الإعلام، التى أصبحت الآن الهيئة الوطنية للإعلام.

الجهل برموز الصناعة

- بمنطق المكسب والخسارة الذى يسعى إليه أى منتج، قد يقول قائل: إذا كان المنتجون الجدد يعلمون أن إسناد العمل للمخرج محمد فاضل سيحقق نجاحا، فلماذا لا يسندون إليه العمل؟

على عكس المتوقع يواجه سؤالى بابتسامة هادئة أعقبها بقوله: لدىّ تاريخ طويل من العمل يتكون من 50 مسلسلا و5 أفلام، ونصف هذه الأعمال كانت إنتاج قطاع خاص، فإذا لم أكن شخصا يساهم فى نجاح أى عمل، أتصور أنى كنت سأمكث فى البيت بعد المسلسل الخامس مثلا، ولكن هذا لم يحدث.

- إذن أين المشكلة؟

تختفى الابتسامة لتفسح الطريق لمسحة من الحزن ترتسم على وجهه قبل أن يقول: ربما لأن المسئولين الجدد عن الصناعة ليسوا على اطلاع كاف بتاريخ الإنتاج الفنى فى مصر، فمن يعمل فى هذه الصناعة يجب أن يكون ملما بدرجة كافية بكل رموز الصناعة من كتاب السيناريو والحوار والتصوير والمخرجين، وبالمناسبة أنا اتصلت قبل نحو عامين لطلب مقابلة أحد كبار المسئولين، ولم أتلق ردا إلى الآن.

- ما زلت مصرا على أن منطق "المكسب والخسارة" ربما يكون هو الفاصل، لأنى لست مقتنعا بأن المسئولين الجدد، كما أسميتهم، لا يعلمون بوجود مخرج كبير مهم اسمه محمد فاضل؟

يومئ بالرفض، قبل أن يقول وقد بقيت مسحة الحزن واضحة على وجهه: فى هذه الصناعة المكسب والخسارة ليسا كل شيء، فكما قلت لك فى البداية نحن نعيش فى دولة يتم بناؤها من جديد، ويجب ان يكون إعلام الدولة بأدواته المختلفة ومنها الإنتاج الدرامى حاضرا فى هذه المعركة، وهذا أمر ليس عيبا ولنا فى بريطانيا المثل والأسوة، فمؤسسة البى بى سي، وهى أعرق مؤسسة إعلامية بريطانية تدعم من الدولة، وتعين ملكة بريطانيا مجلس أمنائها، فهم يعتبرونها سلاحا سياسيا مهما.

إهدار مال عام

- ليس معنى عدم إسناد عمل لك، أن نقول إن هناك انسحابا للدولة من هذه المهمة، فقط تغير الاسم من اتحاد الإذاعة والتليفزيون إلى الهيئة الوطنية للإعلام.

لم ينتظر استكمال السؤال وقال بلهجة حاسمة: نعم لا تزال موجودة ولكن تم تقليم أظافرها، فتم إلغاء قطاع الإنتاج، وشركة صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات والشركة المصرية لمدينة الإنتاج الإعلامي، وهذه المؤسسات كانت تقوم بإنتاج الأعمال الدرامية والسينمائية وتدخل فى إنتاج مشترك مع القطاع الخاص، وكانت تحقق أرباحا، ولكنها ليست أرباحا فاحشة، وكان يكفى فى بعض الأعمال استرداد رأس المال الذى تم إنفاقه على العمل.

- ربما لا تمنحنا الظروف الاقتصادية الراهنة مثل هذه الرفاهية؟

يصمت لوهلة يلتقط خلالها الأنفاس قبل أن يقول: الحل لا يكون فى الإلغاء ولكن فى التطوير، فالمشكلة أنه كان يتم إسناد مهمة التسويق لموظفين فى القطاع الاقتصادى، وتكون النتيجة أن عملين مهمين تم إنتاجهما عامى 2009 و2010 وهما "السائرون نياما" و"سنوات الحب والملح" لم يتم تسويقهما بشكل جيد، فلم يعرضا إلا مرتين، وهذا إهدار للمال العام، لأن مسلسلا مثل "السائرون نياما" تكلف إنتاجه 20 مليون جنيه.

- ربما حاولوا تسويقهما وفشلوا، لأن رسالة العملين مثلا قد تكون غير متوافقة مع سياسة الدولة حاليا...

يومئ بالرفض وقد عادت الابتسامة الهادئة لوجهه قبل أن يقول: بالعكس، فمسلسل (السائرون نياما) كان يتحدث عن مقاومة الشعب المصرى للمماليك، أما (سنوات الحب والملح)، الذى تم عرضه قبل شهور من أحداث يناير 2011، فقد فضح الإخوان وكيفية تجنيدهم للمنتمين للجماعة وكيف قاموا بتهريب أموالهم إلى سويسرا بعد ثورة 1952، وأعتقد أن رسائل هذا المسلسل تخدم توجهات الدولة.

- فى محاولة الفهم أيضا لأسباب عزوف المنتجين عن التعامل معك، ربما لأنك كما قرأت عنك تهتم بكل التفاصيل، وهذا قد يجعل المنتج يفكر ألف مره قبل قرار إسناد أى عمل لك.

لم ينتظر استكمال السؤال وقال بلهجة حاسمة: ليس سببا مقنعا، فكما قلت لك قبل قليل، إن تاريخى الفنى يضم 50 مسلسلا و5 أفلام، وهذا يعنى أن وجودى كان مربحا للمنتجين.

- ربما الجيل الجديد من المنتجين لا تعجبه طريقتك فى الاهتمام بكل التفاصيل.

يقاطعنى للمرة الثانية قبل استكمال السؤال ليقول: تقدر تقول أنا مش من المخرجين المطيعين اللى بيسمعوا الكلام، يعنى لن أقبل أن يفرض المنتج علىّ نصا أو يفرض علىّ ممثلا، فأنا أتمسك باختصاصات المخرج كما تعلمتها وعملتها لمدة 50 عاما.

ويضيف: أضلاع أى عمل تبدأ بمؤلف لديه نص، ثم يبحث عن مخرج يقرأ هذا النص ويقيم إمكانية تحويله لعمل فني، ثم يبحث الاثنان عن المنتج المناسب، لكن الآن الأمر يسير بالمقلوب، فالمنتج يهتم بالممثل أولا، ثم يستدعى مؤلفا ليسمع من الممثل عن تصوراته للدور الذى يريده.

طرق الأبواب

- كان لك تصريح أنك لن تطرق باب منتج بعد نصف قرن من العمل، وهو ما يتناقض مع قولك إن أضلاع العمل تبدأ بمؤلف لديه نص ثم يبحث عن مخرج، ويسعى الاثنان للعثور على منتج؟

تخرج الكلمات من فمه سريعة قائلا: عندما يكون المنتج جهة حكومية أطرق بابها بلا خجل، وكنت أذهب لرئيس قطاع الإنتاج وأعرض عليه بعض النصوص التى أرى أنها جيدة، ولكن كنت أقصد بهذا التصريح الوضع الحالى الذى نعيشه.

- لكنك قلت فى بداية الحوار إنك اتصلت هاتفيا طالبا موعدا مع مسئول بإحدى الشركات ولم تتلق ردا إلى الآن، أليس ذلك طرقا للأبواب؟

التواصل لطلب موعد من أجل النقاش ومزيد من الفهم يختلف تماما عن مفهوم أن أفرض نفسى على أحد، فأنا أحب الحصول على موعد قبل الذهاب لمقابلة أى مسئول، فهذه هى الأصول.

- ألم تفكر تحت ضغط الرغبة فى العودة للعمل أن ترسل برسائل عبر وسطاء أن بإمكانك تقديم بعض التنازلات، يعنى "تسمع الكلام شوية"، وليس ضروريا أن تتمسك بكافة حقوق المخرج؟

لم ينتظر استكمال السؤال وخرجت الكلمات من فمه كالطلقة: لم أقدم تنازلات فى البدايات، فكيف أقدمها بعد نصف قرن من العمل.. وأطلق تنهيدة عميقة استعدادا لحديث طويل عن البدايات قائلا وقد اكتسى وجهه بمشاعر الفخر: بدأت فى التليفزيون مساعدا للمخرج نور الدمرداش، وعندما أردت إخراج عمل، قال لى وكيل مراقبة المسلسلات وقتها الأستاذ إبراهيم الصحن، أمامك دولاب النصوص، اختر إحداها، فاخترت عملا مختوما بختم "لا يصلح"، ولكنه أعجبني، ولم يفرض علىّ أحد تغييره.

- أراك متمسكا فى حديثك بأصول المهنة، ولكن ماذا لو كانت ظروفك المادية صعبة، هل كنت ستبدى نفس الدرجة من التمسك؟

حاول مقاطعة استكمال السؤال، لكنه رضخ لرغبتى فى استكماله، ليقول وقد أطلق ضحكة خفيفة: على فكرة أنا لم ألحق عصر الأجور المليونية، وكانت لدىّ فى البدايات مشاكل مادية كبيرة، ولكن تستطيع أن تقول أن تراكم 50 عاما من العمل جعلنى فى الطبقة التى أسماها الكاتب يونان لبيب رزق "المساتير"، وهى تختلف عن طبقة (الميسورين)، والانتماء لهذه الطبقة لا يجعلنى وأسرتى نقلق من شيء، لأننا نرفع شعار "اللى ممعيش حقه ما عزوش"، يعنى مش لازم أغير السيارة، طالما ممكن تمشى 20 سنة، إذا لم يكن لدىّ ثمن سيارة جديدة.

مسلسل الأسطورة

- بما أنك ترفض تقديم تنازلات فنية، كما أكدت خلال الحوار، فهل قدمتها زوجتك الفنانة فردوس عبد الحميد بالعمل مع الممثل محمد رمضان فى مسلسل ( الأسطورة) ؟

يبدى انزعاجا من السؤال يظهر على ملامح وجهه قبل أن يقول: تنازلات ؟!.. لا طبعا، دورها فى هذا العمل كان متميزا جدا، وكانت به قيم اجتماعية مهمة وكان حجم العنف بالمسلسل قليل جدا.

- وهل يمكن أن تقبل بإخراج عمل من بطولة محمد رمضان؟

يرد على الفور بدون تردد: لا طبعا، لسببين، أولهما أنه ارتضى بالدور الواحد، الذى يظهر فيه كشخص يحصل على حقه بيده، حتى وهو ضابط شرطة، وهذه قيمة خطيرة لا يجب تثبيتها فى أذهان الناس عبر الدراما، أما السبب الثاني، فهو أنه لم يقدم نفسه كممثل فقط، بل يظهر كثيرا على السوشيال ميديا بكلابه وسياراته، وهذا يجعل الناس لا تفكر فى الشخصية التى يؤديها، ولكنها تفكر فى الشخصية التى تظهر بالسوشيال ميديا، وهذا أفقده "سحر الفن" وهو الإيهام، أى أنك توهم الجمهور الذى يشاهدك أن الشخصية التى تمثلها حقيقية.

- إذا كان هذا رأيك فى محمد رمضان فلماذا لم تنصح زوجتك بالاعتذار عن العمل معه؟

كان ذلك قبل خمس سنوات، قبل أن ينغرس أكثر فى أدوار العنف ومشاهد السوشيال ميديا، وبالمناسية انا لا أتدخل فى اختيارات زوجتي.

اتهام كلاسيكى

- على ذكر زوجتك الفنانة الكبيرة فردوس عبد الحميد، هل تسمح لى بسؤال أعلم أنه مكرر، وسبق أن اجبت عليه، ولكنى سأطرحه فى إطار البحث عن سبب الخصام بينك وبين المنتجين، فربما لأنك، كما يقال، تفرض زوجتك كبطله لأعمالك.. فإلى أى مدى ذلك صحيحا؟

يطلق ضحكة عالية لأول مره قبل أن يقول: ياه!! هذا اتهام كلاسيكى كان الإعلام القديم يحرص على ترديده، وكنت أقوم بالرد عليه، بأن اطلب منهم مراجعة كل الأعمال التى قامت ببطولتها فردوس عبد الحميد، ليكتشفوا أن الأعمال التى قامت ببطولتها مع مخرجين غيرى تفوق بكثير الأعمال التى كنت أنا مخرجها، وبما أننا فى عصر الإنترنت والإعلام الجديد يمكنك الآن كتابة (أعمال فردوس عبد الحميد ) على محرك البحث (جوجل) لتكشف حقيقة هذا الكلام..وبالمناسبة "يا ريت كان لفردوس عبد الحميد دور فى كل أعمالى هو انا أطول".

- بما أننا نتحاور مع مخرج قدير ، يجب ألا نفوت فرصة السؤال عن ورش الكتابة؟

يصمت لوهلة يلتقط خلالها الأنفاس، قبل أن يقول بنبره حزينة: الله يرحمك يا أسامة أنور عكاشة، فقد صاحبته أثناء كتابة مسلسل (عصفور النار)، كان يكتب وهو يعرف نهاية العمل، بما يسمح له بالتلاعب بالشخصيات كما يريد، فيخفى مثلا إحداها، من أجل ان يكون لها دور مهم فى الحلقة الخامسة، فالكتابة عمل إبداعى ذاتي، فكيف يكون جماعيا، فهل يمكن مثلا أن يشترك أربعة رسامين فى رسم لوحة واحدة، أو يشترك اربعة مؤلفين موسيقيين فى تأليف قطعة موسيقية.

ضربة استباقية

- اسمح لى أن ننتقل بالحوار إلى مساحة من السياسة ليست ببعيدة عن أعمالك، فقد كان لك تصريح فى جريدة الأهالى فى 9 أغسطس 2015، أن مسلسل (السائرون نياما)، الذى عرض قبل ثورة 25 يناير 2011، كان يحمل رسالة أن الثورة تحت الأرض، لكنك فى حوار آخر مع "الأخبار" بعد الثورة بشهور وتحديدا فى 26 إبريل 2011، قلت انك لم تكن تتوقعها، فكيف تفسر التناقض بين التصريحين؟

تخرج الكلمات من فمه سريعة قائلا : لا يوجد تناقض، فقد كنت أتوقع حدوثها بسبب رغبة مبارك فى توريث الحكم لنجله، وكان من المتوقع حدوث ذلك فى شهر إبريل أو مايو، ولكن ما حدث فى 25 يناير 2011، كان ضربة استباقية تم استدراج الشعب المصرى لها، لذلك اختلفت مع الراحل سيد حجاب فى وصفها بديباجة الدستور بأنها ثورة، لأن الدستور تم اقراره فى 2014 بعد أن تكشفت الأمور، وفى المقابل كانت 30 يونيو ثورة حقيقية قام بها الشعب المصرى، وظهرت بوادرها منذ اليوم الأول لاستيلاء الإخوان على الحكم.

- على ذكر استيلاء الإخوان على الحكم، كان لك تصريح أيضا قلت فيه أن "الشعب المصرى وسطى ولا يقبل بدولة دينية"، إذن لماذا أنتخبهم فى 2012؟

يشير بعلامة الرفض قبل أن يقول: لا لم تكن انتخابات حقيقية، هناك شيء غير طبيعى حدث فى هذه الانتخابات كانت نتيجته إعلان فوزهم، هذا فضلا عن الرشاوى الانتخابية التى كانوا يقدمونها للبسطاء، ولكن الانتخابات الحقيقية والتى كانت معبرة بالفعل عن مزاج المصريين ورغباتهم تلك التى أجريت بعد 30 يونيو وفاز بها الرئيس عبد الفتاح السيسي، فقد كان هناك اجماع على حاجة مصر فى هذا التوقيت لوجوده.

رسالة "السائرون نياما"

- ولماذا لم يقرأ النظام الرسائل التى كانت تنبئ بالثورة فى مسلسلى "السائرون نياما" و"سكة الهلالية" ؟

ترتسم على وجهه ابتسامة ساخرة قبل أن يقول: هناك أكثر من سبب، الأول هو الغرور والذى تلخصه عبارة(خليهم يتسلوا) التى أطلقها تعقيبا على قيام المعارضة بعمل برلمان موازى اعتراضا على تزوير الانتخابات، والسبب الثاني، أن مبارك لم يعد يحكم بمفرده بعد وفاة حفيدة، والثالث أن مبارك كان لا يحب أن يزعج نفسه، بدليل أن محاكمة قتلة السادات لم يتم توسيعها واقتصرت على عدد محدود جدا، ولا يزال التاريخ لم يبح بكل تفاصيل هذه العملية التى يجب أن يكون متورط بها عدد كبير جدا، والرابع ان مبارك على المستوى الذهنى لم يكن بنفس قدر السادات وعبد الناصر، فهو شخص لم يكن يقرأ، ولو كان يقرأ ويتابع لأدرك ان هناك غليان فى الشارع بسبب نيته توريث الحكم لابنه.

- أتعجب من انتقادك الواضح لمبارك مع أن توهجك الفنى كان فى عصره؟

تختفى الابتسامة الساخرة لتفسح المجال لملامح جادة ترتسم على وجهه قبل أن يقول: يمكن أن تحاسبونى على الرسائل التى كانت فى أعمالي، هل كانت تداهن النظام أم أنها كانت تنتقد الأوضاع السائدة، أما ارتباط توهجى الفنى بهذا العصر، فلن أجد أفضل من تعليق أم كلثوم عندما اتهمت فى عصر عبد الناصر بأنها كانت تغنى للملك فاروق، فقالت إنها لم تكن تغنى له شخصيا، ولكن كانت تغنى لمن يحكم مصر.

الفنان والسياسة

- أفهم من ذلك أنك تريد القول إنك خدعت النظام، حيث توهجت فنيا فى عهده، واستطعت تمرير الرسائل التى تريدها؟

يومئ بالموافقة قبل أن يقول: بالضبط، فأنا ضد أن يعمل الفنان سياسة مباشرة، بالانضمام لحزب معين، لأن ذلك سيحرمه من حرية الاختلاف مع توجهات الحزب، فأنا مثلا عملت فى عام 1965 مسلسل "شرخ فى جدار الخوف"، وكانت رسالته أن الديكتاتور يصنعه الشعب، وعملت أيضا مسلسل "الحلم" عام 1966، وكانت رسالته أن قوانين إشراك العمال فى مجالس الإدارات "ضحك على الذقون"،ولم تتسبب هذه الأعمال فى حبسنا أومنعت من العرض،فقد كانت هناك مساحة للانتقاد طالما يتم ذلك فى شكل فني ويضيف: لو أنى كنت وقتها منتميا للاتحاد الاشتراكى كنت سأجد حرجا فى إخراج مثل هذه الأعمال.

- الغريب أنك أخرجت مثل هذه الأعمال رغم عشقك لعبد الناصر، والذى يظهر فى صورته التى تزين حوائط مكتبك؟

تظهر مشاعر الفخر على وجهه قبل أن يقول: أنا شاهد على العصرولم يحبسنى أحد أو يمنعنى أحد، لكن ليس معنى حبى الشديد له، أن يمنعنى ذلك عن رؤية الأخطاء، فلايوجد إنسان كامل، ومن الغبن لعصر عبد الناصر أن نحصره فى المشاهد التى تم تصديرها فى أفلام مثل "البرىء".

ويضيف: هذا العصر شهد ايجابيات كثيرة، بل وأشعر ان دولة ما بعد 2014 فى مصر تسير على المبادىء الستة لثورة يوليو من انشاء جيش وطنى قوى، ومنع سيطرة رأس المال على الإنتاج، حيث تمنح القطاع الخاص حرية العمل، لكن تحت اشراف مؤسسات الدولة، فالعاصمة الإدارية مثلا يتم بناؤها بشركات خاصة، وتتدخل مؤسسات الدولة من خلال الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بغرض الإشراف وضمان التنفيذ الجيد.

- أظن أن نفس الآلية يتم تنفيذها فى إدارة ملف الإعلام؟

يومئ بالرفض، قبل أن يقول: للأسف لا، فهذا الملف أشعر بانسحاب الدولة منه، حيث هناك تهميش متعتمد لدور "ماسبيرو"، وأظن أن تبنى وسائل إعلام لشائعات الفيس بوك فى واقعة وفاة مرضى كورونا فى مستشفى الحسينية، أظهر أهمية الحاجة لدعم "ماسبيرو"، لأن إعلام ماسبيرو لا يبحث عن الربح، على حساب مصلحة الدولة.

استعادة مصر للمصريين

- كان لك تصريح أن أفلام "البرىء" و"الكرنك" كانت متعمدة لتشويه عصر عبد الناصر؟

يصمت لوهلة قبل أن يقول: ليس بالضبط، هى وجهات نظر، وفى المقابل كانت هناك وجهات نظر أنصفت عصر عبد الناصر مثل تلك التى تم تقديمها فى فيلم "الأرض"، ولكن الأفلام التى أنصفته قليلة، لذلك عندما جاءتنى فرصة إخراج "ناصر 56 تمسكت بها، رغم ضعف الأجر 50 ألف جنيه".

- ما هى الميزة الرئيسية لعصر عبد الناصر من وجهة نظرك، والتى جعلتك متحمسا للفيلم رغم ضعف الأجر؟

يكتسي وجهه بمشاعر الفخر قبل أن يقول: الميزة الأهم هى أن عبد الناصر استعاد حكم مصر بعد 3400 عام من حكم الأجانب لها، بداية من الحكم اليونانى الروماني، ومرورا بالاستعمار الفرنسى والإنجليزى، وحكم أسرة محمد على ذات الأصول التركية، فعبد الناصر أول رئيس مصرى ومن بعده أصبح حكم مصر للمصريين، باستثناء محمد مرسى الذى كان يحمل الجنسية المصرية، لكنه لم يكن مصريا، فجماعة الإخوان التى ينتمى لها، هناك الكثير من الألغاز التى تتعلق بها، وتحتاج إلى أن تتوقف أمامها بعض الأعمال الدرامية.

بين تمثيل الشخصية وتقمصها

- أتصور أن الفنان أحمد زكى حطم فى "ناصر 56"  الذى قمت بإخراجه نظرية التقارب فى الشكل بين الممثل والشخصية المراد تجسيدها، فلم يكن أحمد زكى قريبا فى الشكل من عبد الناصر؟

تظهر مشاعر الحماس على وجهه وهو يقول: بالفعل كان أحمد زكى بعيدا فى الشكل عند عبد الناصر، ولكنه نجح فى تقمص الشخصية، على عكس ما فعله فى أيام السادات، فقد كان يقوم بتمثيل الشخصية، وهناك فرق بين الاثنين لصالح تقمص الشخصية، وهذه روعة أحمد زكى كفنان، لذلك لم أكن سعيدا بإقدامه على تجسيد شخصية السادات.

- ربما لأنك لست محبا للسادات؟

يومئ بالرفض قبل أن يقول: بالعكس أنا أرى أن السادات تحمل عبء قرار الحرب، واستطاع استعادة الأرض، لا أحد ينكر دوره فى ذلك، وإن كان قد خصم بعضا من رصيده بقرار الانفتاح، الذى أسماه أحمد بهاء الدين "انفتاح السداح مداح".

- فقط لا ترى من إنجازاته سوى تحمل مسئولية قرار الحرب؟

أيضا قرار السلام، الذى نجح من خلاله فى استعادة الأرض.

- مفاجأة بالنسبة لى أنت تكون ناصرى الهوى وتوافق على اتفاقية كامب ديفيد؟

تعود مشاعر الحماس إلى وجهه ليقول بنبرة صوت مرتفعة: من الجيد أنك طرحت هذا السؤال، لأوضح أن هناك فارقا كبيرا بين أن أوافق على اتفاقية كامب ديفيد، كاتفاقية سلام، نجحت مصر من خلالها فى استعادة الأرض، وبين أن أوافق على التطبيع، فالسلام شيء، والتطبيع شيء آخر، ولعلك تلاحظ أن مصر منذ وقعت الاتفاقية لم تطبع لا على المستوى الرسمى أو الشعبي.

أعمال لم تر النور

- كان لك تصريح قلت فيه إن أحب الأعمال إلى قلبك لم تخرجها بعد، فما هى هذه الأعمال ؟

يحافظ هذا السؤال على مشاعر الحماس على وجهه ليقول: لدىّ عمل بديع كتبه محمد بغدادى عن العلاقة بين قناة السويس القديمة والجديدة من خلال الأجيال المتعاقبة فى أسرة واحدة، أتمنى أن تتاح لى فرصة تنفيذه.

كما أتمنى أن تتاح لى فرصة تنفيذ عمل عن أنفاق قناة السويس الجديدة، التى أراها لا تقل قيمة عن الأهرامات، فمن خلالها تم الربط بين أفريقيا وآسيا خلال مدة لا تزيد على نصف ساعة، وأسعدنى مشاهدة لقاء تليفزيونى أجرى مع شباب مصرى يعمل كنائب رئيس للجهازالمسئول عن حفر هذه الأنفاق، وأرى أن هذا الشباب يستحق أن ينتج عنه عمل درامى نبرز من خلاله قيمة هذا المشروع.

- سؤال أخير: إذا أردنا أن نختار شخصية من أعمالك أقرب للرئيس السيسي، فمن تختار؟

يصمت لوهله قطعتها بقولي: سؤال صعب؟، فيرد على الفور : لا أبدا، فهو أقرب من وجهة نظرى لشخصية الرئيس عبد الناصر فى فيلم ∩ناصر 56∪، فكما واجه الرئيس عبد الناصر أخطارا كبيرة، وكان حريصا رغم ذلك على البناء، أرى أن الرئيس السيسى يفعل ذلك.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة