نوال مصطفى
نوال مصطفى


يوميات الأخبار

همسات لسنة بدأت للتو

نوال مصطفى

الثلاثاء، 12 يناير 2021 - 09:00 م

«أفكر فى كل سؤال يفرضه التقسيم، ثم أقوم بتدوين أهدافي وخططى المختلفة للسنة الجديدة، أعود بظهرى إلى الوراء متأملة ما كتبت»

أجلس على مكتبى، أفتح الكراسة الحمراء التى اشتريتها قبل أيام من المكتبة الشهيرة وبها تقسيم لشهور السنة، وتقسيم ثان لكتابة أهدافك فى السنة الجديدة، خططك للسفر خلال العام، الكتب التى سوف تلزم نفسك بقراءتها على مدى الشهور الاثنتى عشر القادمة، الأفلام التى ستشاهدها، المطاعم التى ستجربها، أهم تواريخ ميلاد الشخصيات الأقرب إليك.

أفكر فى كل سؤال يفرضه التقسيم، ثم أقوم بتدوين أهدافى وخططى المختلفة للسنة الجديدة، أعود بظهرى إلى الوراء متأملة ما كتبت. شيء ما يجذبنى إلى الغوص العميق داخل نفسى، يتراءى لى وجه رجل غريب، أشبه بالشخصيات الكارتونية، يخرج لى لسانه، ويلعب حواجبه. أهز رأسى حتى أنتبه من غفوتي، آخذ نفسا عميقا، يختفى الوجه، لكنه يترك أسئلة عديدة تصطخب فى رأسى، ما معنى تلك الحركات المستهزئة؟ إلى ماذا ترمز؟ وما الذى يريد أن يقوله لى؟

كأن نظراته الشمتانة تذكرنى أن ما كتبته الآن هو تقريبا نفس الذى كتبته السنة الماضية ولم أحقق منه إلا القليل، نصفه ربما؟ لا أقل بكثير! أسائل نفسى: إذن لماذا تكتبين أهدافا طموحة جدًا لا تستطيعين تحقيقها؟ اكتبى على قدك يا ستى! تتدافع الأسئلة من رحم التأمل العميق: ولماذا تكتبين من أصله، هل هى عادة يميل الكتاب إليها، أم هى طقس سنوى تمارسين من خلاله تمرينات الشحن الذاتى، والتعلق بأهداب الأمل؟.

قلت لنفسى فى النهاية: لعلها محاولة لاإرادية فى التشبث بالحياة والنظر إلى القادم برضا وابتسام، ربما كانت أيضا نغز للنسخة الأصلية منى للخروج من مكمنها البعيد. نسختى الأصلية، هل يمكن أن تقتربى منى أكثر؟

وحيد حامد

مات وحيد حامد يوم 2 يناير. لماذا اختار القدر أن يكون هذا التاريخ موجعا جدا، شجيا وحزينا إلى هذا الحد؟ فى هذا اليوم ولدت توءم روحى، أختى الغالية نجلاء، الزهرة الجميلة، الفواحة بعبق الروح وسحرها، قطف الموت زهرتى منذ سنتين وأربعة أشهر بلا مقدمات، لتتركنى نجلاء كيانا ناقص النصف، وروح تبحث عن توءمها. فى غمرة المشاعر الخاصة التى تحتلنى فى هذا اليوم من كل عام، نزل خبر رحيل وحيد حامد ثقيلا، محملا بجبال من الشجن. لكل أجل كتاب، كلام لا يقبل النقاش، إنها إرادة الله وكلمته الأخيرة، لكن رحيل القيمة يترك وجعا فى القلب، تستدعى الذاكرة عشرات اللقاءات الشخصية به، والنقاش الثرى الذى دار، مشاهد من أفلام هى علامات فى السينما المصرية "المنسى"، "اللعب مع الكبار"، "الإرهاب والكباب"، "طيور الظلام"، " كشف المستور"، "معالى الوزير"، "سوق المتعة". وفى التليفزيون "الجماعة واحد واثنين"، والجزء الثالث الذى بدأه ولم يكمله.

أقل من شهر يفصل بين رحيله وتكريمه فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، يومها كتبت فى يومياتى عن اللحظات التى صعد فيها إلى المسرح وتحدث إلى جمهوره للمرة الأخيرة وكأنه كان يعلم، عن لحظات التكريم، ووصفتها بـ «الماستر سين» فى مهرجان السينما. وكيف توحدت مشاعر الناس أمام هذا المشهد: يقف جميع الحضور نجمات، نجوما، سفراء، وزراء، مصريين وأجانب معا فى نفس اللحظة، نسمع هدير التصفيق، وانطلاق صيحات الفرح، تنساب دموع النجوم فى المسرح الكبير، والمشاهدين الذين يتابعون افتتاح مهرجان القاهرة السينمائى الدولى من خلال شاشات التليفزيون.

وحيد حامد.. خمسون عاما من العطاء، القيمة، المعنى، انتصر خلالها من خلال كتاباته السينمائية والتليفزيونية لقيم الحرية، العدل، والجمال. خاض معاركه المحترمة، المخلصة لتراب هذا الوطن على الورق، واقتحم بجرأة قضايا شائكة.

أسعدنى كذلك حرص محمد حفظى رئيس المهرجان على إصدار كتاب عن رحلة وحيد حامد ومشواره وكلف الناقد الفنى المخضرم طارق الشناوى بكتابته. يقول الشناوى: حاولت فى كتابى (وحيد حامد الفلاح الفصيح)... أن أرسم بورتريها بالكلمات للأستاذ.

الرمز الفريد الذى منحنا على مدار نصف قرن، ولايزال متعة الفن الجميل والقيمة الحقيقية التى تروى الروح وتثرى الفكر.

ندى ثابت

كان لقائى الأول بها فى دبى، بالتحديد فى مايو 2018. سيدة أنيقة، بسيطة، تطفو على ملامح وجهها ومضات من الإنسانية الخالصة، تبعث فيمن يلتقيها موجات من الاطمئنان والألفة من أول لحظة. تعرف كل منا بالأخرى، كنا ضمن الخمسة عشر متسابقا الذين وصلوا للتصفيات النهائية من مبادرة صناع الأمل التى أطلقها سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عام 2017 لحفز وتكريم أصحاب الرسالات الإنسانية الذين وهبوا جزءا كبيرا من حياتهم لخدمة هدف إنسانى، أو للدفاع عن فئة من البشر لا ظهر لها ولا سند إلا الله سبحانه وتعالى.

خلال اليومين اللذين قضيتهما فى دبى اقتربت من ندى ثابت، وكذلك فعلت هى، حكيت لها عن قصتى مع قضية سجينات الفقر وأطفال السجينات، وحكت لى قصتها الملهمة التى أبكتنى، تأثرا وانبهارا بها كرمز عظيم لمعنى الأمومة والتحدى، هذه القصة كانت السبب فى وصولها إلى التصفيات النهائية فى المبادرة الأكبر على مستوى الوطن العربى.

كانت ندى أما شابة، سعيدة بعائلتها الصغيرة، وحياتها الهادئة، لديها طفل واحد اسمه ممدوح، وزوج محب، ووظيفة مرموقة. وفجأة صفعها القدر بحدث غيَّرَ حياتها، وقلبها رأسا على عقب! كان ذلك عندما رزقت بمولودها الثانى ماجد، فرحت العائلة بالقادم الجديد، غير أن الفرحة لم تدم طويلا، فقد لاحظت الأم الشابة أن الطفل لا يحرك عينيه، وبمرور الشهور، لاحظت أنه لا يتحرك إطلاقا، كان فقط ينتبه لصوتها لكن دون أن يصدر أى رد فعل.

لم تحتمل الصدمة عندما صارحها الأطباء بأن ابنها سيظل هكذا، ولن ينمو لإنه مصاب بضمور فى المخ، وهذا المرض يجعل الحواس جميعا لا تعمل، وبالتالى فعليها أن تفلسف الأمر، وتتقبله كأنه قطة أو كلب أليف تربيه فى البيت.

معجزة تتحقق!

تزامن هذا الموقف الرهيب مع توقف العمل فى شركة الأدوية العالمية التى كانت تشغل منصبا مروقا بها، فشعرت أن أبواب السماء قد سدت فى وجهها مرة واحدة. فتوجهت إلى الله تناجيه، وتشكو حالها إليه: لماذا يا رب؟ لماذا أنا؟ يا رب الهمنى الصبر والقدرة على فهم هذا الكائن الضعيف، وساعدنى فى أن أربيه وأعتنى به.

تقول ندى وهى تتذكر تلك الليلة التى قضتها فى البكاء والتوسل إلى الله: كنت أمسح دموعى وأنظر إلى ماجد الملقى على السرير كأنه قطعة من اللحم بلا حركة، فإذا به يحرك عينيه فى اتجاه الأصوات، حدقت فى وجهه وعينيه ففهمت أنه أبصر. وكأنها رسالة من ربنا أن الله على كل شيء قدير.

كان عمره سنتين ونصف السنة عندما بدأ يفتح، وكانت هذه اللحظة الفارقة فى حياتى، فقد دب الأمل فى قلبى، وبدأت أقرأ كثيرا عن هذه الحالات وكيفية التعامل معها وتدريبها، وبفضل إيمانى بالله ومثابرتى على تدريب ماجد بهدوء وبدون ضغط بدأ يمشى وهو فى السادسة من عمره، ويتكلم فى الحادية عشرة، وأنا فى كل مرحلة أتطلع معه إلى المرحلة الأعلى، حتى تدرب على السباحة وركوب الدراجات، وحصل على بطولات الجمهورية فى الرياضتين.

ندى أسست جمعية قرية الأمل لتأهيل تنمية المعاقين ببرج العرب بالإسكندرية. جمعت أصحاب الإعاقات المختلفة ليصبحوا أبناء وأصحاب القرية. علمتهم حرفا منتجة، يتربحون ويعيشون من دخلها. يزرعون محاصيل مختلفة، ويخبزون فى فرن أنشأته بالقرية، ويطبخون وجبات لهم وأخرى للبيع.

أرادت هذه السيدة الملهمة أن تقول لنا جميعا لا تيأسوا أبدا من رحمة الله، ولا تقفوا مكتوفى الأيدى أمام كلام الأطباء مع الحالات الميؤوس من شفائها. اعلموا أن الحب الحقيقى يشفى ويصنع المعجزات. وها هو ماجد الآن الذى أصبح فى الأربعين من عمره. إنسانا ناجحا، يدير مع زملائه قرية الأمل، يحصل على بطولات رياضية، والأهم من كل ذلك إنه سعيد بحياته وهذا ما يسعدنى.
فرحت جدا باختيار فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسى للأستاذة ندى ثابت وتعيينها عضوا بمجلس النواب فى دورته الحالية. ستكون ندى ثابت صوتا قويا مؤثرا لخمسة عشر مليون معاق على مستوى الجمهورية. ألف مبروك لنا جميعا نساء مصر لوجود وجه مشرف يمثلنا تحت قبة البرلمان.

موت واحد لا يكفى!

أحمد ممدوح، هو المصور الذى قام بتصوير الفيديو المتداول، للوفاة الجماعية بكورونا فى العناية المركزة بمستشفى الحسينية، بمحافظة الشرقية. أقوال ممدوح وهو شاهد عيان تصادف وجوده لزيارة عمته المصابة والموجودة فى العناية مع باقى المصابين هى: أنه وعدد من أهالى الحالات المحجوزة، تواصلوا مع إدارة المستشفى، بسبب نقص الأوكسجين، وكان رد المستشفى - كما قال - أن السيارة التى تقل الأوكسجين على وصول.

قال ممدوح أيضا: أثناء انتظارى ومعى ابن عمتى المصابة أمام المستشفى رأينا سيارة الأوكسجين تصل إلى المستشفى، وبدء ضخه بالمواسير المخصصة له، فى هذه الأثناء فوجئنا بأحد الأشخاص يخبرنا بوفاة جميع الحالات بالعناية المركزة، توجهنا مهرولين للعناية لنجد جميع الحالات قد فارقت الحياة، عدا حالة واحدة، وحاول طبيب العناية وطاقم التمريض إسعافها لكنها توفت أيضًا.

التقطت صوراً تظهر مستوى الأوكسجين فى "تانك" المستشفى، من بينها صورة كان المؤشر مستقراً عند الدرجة الرابعة بين الصفر والألف.

نفى الدكتور هشام مسعود، وكيل وزارة الصحة بالشرقية هذا الكلام تماما، وقال إن وفاة المصابين الخمسة داخل وحدة العناية المركزة لم تكن بسبب نقص الأوكسجين، بل لأن أربعة من المتوفين كانوا من أصحاب الأمراض المزمنة، وحالتهم كانت متدهورة.
أيهما نصدق؟ 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة