طاهر قابيل
طاهر قابيل


أول سطر

همسات سكندرية

طاهر قابيل

الثلاثاء، 19 يناير 2021 - 10:04 م

 حتى بدأت عامى ال 13تقريبا لم أكن زرتها.. ولكن منذ ان رأيتها عشقتها وأصبحت أذهب اليها صيفا وشتاء وأسعد كثيرا عندما تتساقط قطرات المطر فوق رأسى وعينى ترتفع لأراقب عمارتها البديعة فى الرمل وسان استيفانو والجمرك والمنشية والمنتزه.. هذا الجمال والروعة لا يختلف عن الثراث المعمارى الذى شاهدته باليونان واوروبا.. لكن بأيدى الوافدين شوهنا "عروس المتوسط" بدعوى البحث عن الرزق.

 صديقى السكندرى حتى النخاع همس فى أذنى أن ما أراه الآن شعبين فى الحارات والأزقة وعلى "النواصي" شعبان منفصلان يسيران جنبا إلى جنب فى عالمين متوازيين ولا يلتقيان فى الثقافة والتربية والنزاهة والشياكة والتعامل. الأول هم "الاسكندريون الأصليون" الذين يحملون ختم التاريخ والحضارة ويشعون ثقافة وفنا وأدبا وهم المنحدرون من عائلات قديمة يتفقون فى السمات والطبائع ويعشقون الهدوء ويتيهون حبا فى البحر أو ما تبقى من "كورنيشه".. ويقدرون الجمال فى العمارة وخاصة عمارات وسط البلد "الفينسية".. ويشربون قهوتهم فى "ديليس" ويأكلون الأيس الكريم "الكاساتا" فى تريانون.. ويعشقون طعم "الكلو كلو" الذى كان جروبى يبيعه مع بائعى الأيس كريم على "البسكليتة".. ويذهبون فى أوقات فراغهم إلى النوادى بإسبورتنج أو اليخت.. ويشعرون بالنشوة والسعادة خلف النوافذ التى تتساقط عليها قطرات المطر.

هؤلاء من عاشوا مع اليونانيين والإيطاليين والأرمن وجاورهم وتعلموا منهم بعض الكلمات ليتكلموا بها مع "ماريكا وأنجيل ويورغو وخريستو".. وشربوا اللبن من العبوات الزجاجية التى كان البائع يضعها أمام الأبواب فى السابعة صباحا ويحمل الفارغة.. ويعودون إلى منزلهم فى الثامنة مساء لتجلس الأسرة كلها معا لتناول العشاء وقضاء بعض الأوقات معا قبل الخلود للنوم.. ويلتقون بنهاية الأسبوع فى "جابى أو سانتا لوتشيا أو إيليت أومقهى فاروق على البحر".. ومتعتهم القراءة والتمتع بالمياه الزرقاء وإقامة العلاقات الإجتماعية والإنسانية.

 شعب الاسكندرية الأصلى الذى فى طريقه للانقراض والحسرة على ضياع مدينتهم الجميلة ذات المبانى العتيقة والشوارع النظيفة والأناقة واحتلال الكورنيش من أصحاب المقاهى وضياع ملامح محطة الرمل وشارع فؤاد والسلطان حسين بايدى وتحت أقدام الذين ملأوا الشوارع للعمل كمقاولين فبدلوا المبانى العريقة التى لا يزيد ارتفاعها عن 6 أدوار إلى عمارات قبيحة وشاهقة فى شوارع ضيقة ناشرين ثقافة القبح فتبدلت الوجوه وعلاها التجهم واختفت الابتسامة وظهرت مصطلحات غريبة لتلائم سائقوا الميكروباص وراكبو التوك توك وانتشرت العشوائيات وذهب الاحترام وتغلغل بالنفوس التسابق على الرزق السريع فامتلأت الشوارع بالمقاهى والورش التى تسهر طوال الليل وتصدر الإزعاج وأصبح الإسكندرانى الأصلى فى حيرة من أمرهم ويتساءل أين ذهبت مدينتا الجميلة والراقية والنظيفة..هذا ماصنعناه بأيدينا فى مديننا الجميلة.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة