أبواب المساجد المغلقة
أبواب المساجد المغلقة


فوضى كورونا على أبواب المساجد المغلقة!

آخر ساعة

الأحد، 24 يناير 2021 - 03:00 م

ريحاب محمد  

رغم إغلاق المساجد الكبرى والمقامات والأضرحة بسبب الإجراءات الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا، فإن الحياة التى على أبوابها وفى ساحاتها الكبيرة لم تتوقف، بل ظلت كما هى عامرة بكل شيء، تنبض بالفوضى، والتكدس والازدحام.
الباعة كما هُم، كل منهم يفترش مكانه، المتسولون يزداد نشاطهم مع اصطياد الزائرين على الأبواب، المريدون يأتون من كل مكان.. كل شىء كما هو، كل ذلك دون مبالاة بارتداء الكمامات، مأكولات ومشروبات دون أى اهتمام بالنظافة ولا اتخاذ أى احتياطات صحية كأنهم لم يسمعوا عن جائحة كورونا، عالم شبه متكامل لم ينقص منه شيء فى ظل إغلاق المساجد.
«آخرساعة» قامت بجولة حول المساجد الكبرى ودخلت فى قلب ذلك العالم..

على أبواب المساجد الكبرى التى تزدحم دائما فى كل الأوقات تجد عالما شبه مستقل عن الدنيا، حركة دائمة تتسم بالفوضى والازدحام ولا يهم العدوى ولا الأمراض وكأن أحداً لم يسمع شيئاً عن فيروس كورونا.
جميع الأرصفة محتلة من أولها إلى آخرها، لا تجد «خرم إبرة» خاليا وكأن كل قطعة من الأرض لها ثمن لمن يجلس عليها، حتى أن الأرصفة لا تكفى فيخرج الزحام لمسافات أكثر من الرصيف، فما زال الزائرون يأتون من كل مكان لزيارة المقامات رغم أنها مغلقة! ولكن الجميع يتبنى مقولة «الفاتحة تصل من أى مكان»، فكأنهم وهم مصطفون على الأبواب من الخارج وعلى الأرصفة يقفون فى داخل المكان، هذا ما يشعر به جميع الواقفين على أبواب المساجد ويرددونه دائماً.
أيضاً نجد الباعة المتجولين يحتلون الأرصفة منذ أزمنة طويلة وكل منهم يعرف مكانه الذى يعتبره بيته، فبائعو السبح كما هم وكذلك البخور ولعب الأطفال  والخواتم والأساور والفونضام وبائعات الخضار الجاهز والمتسولون.
بدأنا الجولة من مسجد السيدة زينب الذى يحتل ساحتها عدد كبير من المريدين وأحباب «الست الطاهرة»، ويأتون إليها من كل حدب وصوب غير عابئين بالمسافات ولا المشقة، فبركات الأولياء تسهل لهم كل الأمور.
لفت نظرنا سيدة مسنة ترتدى جلباباً أسود وطرحة بلدى قديمة تبكى وتدعو بصوت عال: «يا رب يشفيك يا بنى وتقوم تمشي، يا رب يا بنى تقوم من رقدتك، بركاتك يا ستنا زينب يا صاحبة المقام الطاهر»، وتقف بجانبها فتاة شابة تقول لها: «ادع فى سرك يا حاجة كلنا أصحاب بلاوى وجايين ندعى ونفك عن نفسنا هنا فى المقام الطاهر وربنا بيسمعنا كلنا».
فى هذه الأثناء ينتهز المتسولون الفرصة لممارسة مهنتهم التى اعتادوها من سنوات مستغلين كرب الناس وأحزانهم ودعواتهم الباكية، ليأخذوا منهم على قدر ما يستطيعون. فهذه متسولة تقول لواحدة من زوار المسجد: «راضينى بحاجة عشان ربنا يفك كربك». ومنهم من تدعى أنها تربى أيتاماً أو تزعم أنها تبيت فى الشارع هى وأولادها، ومن هؤلاء المتسولات من تقول إن زوجها طردها فى الشارع بالجلابية فقط، ولا تجد حتى طعاماً وهى تتسول من أجل أن تشترى ساندويتش تسد به جوعها.
حكايات مختلفة يستعطفن بها الزائرين والمكروبين. وهناك بائعات المصاحف الصغيرة والتى تلقيها المتسولة على الناس عنوة غير مبالية  بوقوعها على الأرض حتى يضطر الناس للشراء منها. أما بائعو السبح فكل منهم يعرف مكانه وينادى على الناس لشراء سبحة من هذا المكان «المبروك»، وحتى بائعات الخضار الطازج والمجهز للطهى أصبح لهن مكان أيضا هنا.
لفت انتباهنا أيضاً بائعة الترمس التى تجلس على رصيف المسجد وتضعه فى صينية كبيرة مكشوفة للذباب والأتربة وكل فترة تقوم بتقليبه بيدها من دون قفازات ودون أن تضع عليه غطاء وتنادى على الناس للشراء منها ومساعدتها..
لا يختلف الأمر كثيراً على أبواب مسجد «السيدة نفيسة»، فالكل هنا أيضاً يعرف مكانه الذى اعتاد عليه منذ سنوات ويمارس فيه مهنته وأكل عيشه، فالمتسولات يقمن باحتلال جميع الأبواب سواء باب الرجال العمومى أو الباب الجانبى المخصص للنساء، وإن كانت أعداد المتسولات تزيد عند الباب المخصص للنساء الواقع داخل حارة ضيقة، فمبجرد دخولك إلى تلك المساحة الجانبية الصغيرة تشعر كأنك داخل سوق متكاملة! فالمتسولات يجلسن فى بداية المكان لاصطياد الزائرات وأمامهن الباعة الجائلون، فبائعة السبح التى تجلس على مدخل الحارة الضيقة تجدها فى كل وقت صباحاً أو مساء تجلس على فرشتها وكأنه لا بيت لها تذهب إليه غير هذا المكان..
يلفت نظرك أيضا مقهى صغير داخل الحارة الجانبية الضيقة المؤدية إلى باب النساء الذى يجلس عليه عدد من الناس يحتسون الشاى والقهوة وبجانبها مكان صغير يخلو تماما من النظافة يعد أطباقاً من العدس والخبز الناشف ويبيعها للمارة على استحياء. وهناك من يشترى منهم اعتقاداً أن هذا الطبق ربما يكون فيه شفاء لأنه على باب «ستنا الكريمة»..
وأمام باب المقام المغلق يجلس عدد من المتسولات الأخريات اللواتى لا يهدأن إلا بعد أن تعطيهن صدقة، حيث تظل الواحدة تحوم حولك ولا تتركك للدعاء فى هدوء حتى تعطيها ما فيه النصيب.
أما على باب مسجد الحسين، أكبر المساجد فى مصر، فحدِّث ولا حرج، فهو عالم متميز له من الخصوصية ما يميزه عن أى مكان آخر، فمنذ خروجك من النفق المؤدى إلى المسجد تجد على باب السلم رجلاً كفيفاً يتسوّل بالقرآن.. يقرأ الآيات بطريقة غير صحيحة غير مهتم بأى شيء سوى الجنيهات التى يعطيها له المارة فى يده، وتجلس أمامه سيدة بدينة تتصارع معه على هذه الجنيهات.
وعندما تصل إلى باب المسجد يفاجئك كم هائل من المتسولين والباعة الجائلين يطاردونك منذ أن تطأ قدماك بداية المكان، فمنهم من يلقى عليك بآية الكرسى مطبوعة على ورق مقوى ويستحلفك بشرائها ومنهم من يعرض عليك ألواناً مختلفة من السِبح..إلخ.
وهناك البائعات اللواتى يتصارعن على الزبائن، وهؤلاء يبعن ملابس أطفال وجلابيب ومناديل للرأس مزينة بالترتر، وهناك من يعرضن ملابس سيدات عارية أشبه ببدل الراقصات وبجانبهن بائعو السلاسل التى تحمل حروفاً أبجدية أو أسماء.. وعلى باب المسجد نفسه تجد كل واحد يعرف مكانه الذى لا يستطيع أحد غيره الجلوس فيه، وهناك بائعو الشاى الذين يمتلئ بهم المكان ويجدون رواجا كبيرا رغم عدم اتسامهم بالنظافة سواء الأكواب التى يتناوب الجميع على الشرب منها أو حتى نظافة المياه المستعملة، وأما الأبواب الداخلية كباب النساء والواجهة الخلفية للمسجد فتجدها وقد تحولت إلى سوق أخرى مليئة بكل أنواع البضائع وجميع العاملين فيها نشيطون طوال الوقت، وتزدهر أوقات البيع فى الليل أكثر وحتى طلوع الصباح.
وما يلفت نظرك أكثر هؤلاء السيدات اللواتى يقمن بـ«رسم الحِنة» اللواتى يجلسن أمام جميع الأبواب ويركزن على اصطياد الفتيات الصغيرات، فتجد الواحدة من هؤلاء تنادى قائلة: «تعالى يا عروسة ارسم لك حنة».. وهكذا يزدحم المشهد أمام مسجد الحسين وغيره من المساجد الكبرى فى القاهرة دونما خوف أو اكتراث بفيروس كورونا.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة