ممدوح الصغير
ممدوح الصغير


دموع في حضرة أم الشهيد

ممدوح الصغير

الإثنين، 25 يناير 2021 - 05:31 م

هذه الحكاية زمنها يعود إلى نحو خمس سنوات للوراء، تفاصيلها كانت خلال احتفالات وزارة الداخلية بعيد الشرطة، قاعة احتفالٍ مليئةٌ بكبار مسئولى الدولة والقيادات الشرطية وعدد كبير من الإعلاميين، الكل فى مكانه  انتظارًا لوصول الرئيس عبد الفتاح السيسى لمقر الاحتفالية، والذى ما أن حضر تفقد أكاديمية الشرطة قبل وصوله، وبدأت مراسم الحفل وجاءت فقرة تكريم أمهات وزوجات الشهداء، فصعدت أم أحد الشهداء التى لقَّنت الجميع درسًا فى التضحية، جعلت الدموع تغزو أهداب أعينهم، فعندما بدأت كلامها، جفَّت دموع الحضور بعد أن قالت "ابنها الشهيد وحيدها، وسعيدةٌ بأنه شهيد، استشهد من أجل مصر، ولو كان لديها ابنٌ آخر، لتمنَّت أن يكون شهيدًا فداءً لوطنه، الأم قويةٌ متماسكةٌ أقوى ممن سمع حروف كلماتها، فلم أتمالك أنا ومن كان بجوارى فى دموعنا، وهى تُوصينا جميعًا بالحفاظ على مصر.

توالت التكريمات، وجا الدور على زوجة الرائد الشهيد، فصعدت وبرفقتها رضيعها، ابن الشهور الخمس، الذى جاء للحياة بعد استشهاد والده بثلاثة أشهرٍ فقط، ولدى صعودها على المسرح، احتضن الرئيس السيسى صغيرها، وطبع قُبلة حنانٍ على رأسه، وخلال الثوانى القليلة التى رأينا فيها ما يفعله الرئيس، سكن الحزنُ قلوبنا، وغزّت الدموع أهداب أعيننا، ولسان الجميع ينطق بكلمة "لا إله إلا الله"، وابتلَّت خدودنا بدموعٍ ساخنةٍ، ونحن نفكِّر فى الشهور القليلة المقبلة للرضيع، الذى حرم الإرهاب  الأسود فرحته من نُطق بابا، وهى أول كلمةٍ ينطق بها أى طفلٍ يتعلَّم الكلام. 

كنا نرى كلام الرئيس مع زوجة الشهيد، ودموعنا تتساقط دون استثناء،ٍ وعندما نظرت عن يمينى ويسارى، وجدت الكل هكذا، ولم أكن بمفردى الباكى الوحيد داخل القاعة، هذه الصورة لا تزال محفورةً داخل  عقلى، فهناك شهيدٌ لم يرَ طفله الذى يتمناه من الدينا، وهناك أيضًا رضيعٌ حرمه الإرهاب من أن ينعم بحنان والده بأمر إباطرة الموت، لأن الإرهاب والإرهابيين رسل الخراب  فى الكون.. مع نهاية الحفل خرجنا جميعًا، بعضنا استطاع التماسك، بينما فضحت البعض الآخر أهداب الأعين، إذ يوجد بيننا من هو من أصحاب القلوب الرقيقة التى انفطرت قبل أن تبكى أعين أصحابها.

  التقيت كثيرًا مع أمهات وزوجات الشهداء، ومن أصعب الحكايات التى سمعتها من زوجة أحد الشهداء،  التى روت أصعب المواقف التى تُؤلم قلبها طوال العام.. قالت الزوجة إن والد زوجها الشهيد كان حريصًا على جمع كل أفراد أسرته فى أول يومٍ لشهر  رمضان المعظَّم، وهى عادة   سنوية للأسرة لم تتغير بعد استشهاد أكبر أبنائه سنًا، إذ قبل المغرب بدقائق قليلة، جلس كل فردٍ على مقعده المخصص، وتركوا مقعد الشهيد فارغًا، تركه كان سببًا فى تساقط الدموع عندما نظروا للكرسى، بعد سماعهم لصوت المدفع الذى جدَّد الأوجاع عند الصغار، الذين تذكَّروا كلمات أبيهم الشهيد، الناصح لهم بتناول إفطارهم.. بسبب صمت الصغار ورؤية الأم لدموعهم، تساقطت دموعها دون أن تدرى، لقد فشلت فى احتواء الألم النفسى لصغارها، وهم يرون مزاح أبناء خالاتهم مع آبائهم.. تماسكت الأم يومها، وودَّعت منزل والد زوجها،  وعقدت العزم بأن تتهرَّب من تلبية الدعوة فى الأعوام المقبلة؛ حتى لا يتكرَّر أو يتجدَّد الحزن داخل قلبها  وتتساقط دموعها مرةً أخرى أمام أطفالها.. رحم الله شهداء الوطن وحفظ مصرنا الغالية.
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة