نوال مصطفى
نوال مصطفى


حبر على ورق

وداعُ يليــق بـِـكِ

نوال مصطفى

الأربعاء، 27 يناير 2021 - 09:27 م

أتخيلها تطل من علياء، حيث تنعم بالوجود الأبدى فى رحاب الله. يتراءى لى وجهها مبتسما، راضيا، مشعا بالنور والسعادة بهذا الكنز الثمين الذى كسبته خلال رحلة عمرها على الأرض: محبة الناس، كل الناس، الذى عرفها عن قرب، الذى تتلمذ على يديها، الذى استمع إلى أحاديثها الروحانية المتفردة، الذى أنقذته من التشرد وغدر الزمان، وهؤلاء الذين يقدرون القيمة الحقيقية فى الحياة ويثمنونها.

أن يحتشد كل هذا الجمع أمام وداخل مسجد جمعية "الباقيات الصالحات" ليودعوها بالدعاء والدموع إلى مثواها الأخير. أن يحضر الجنازة علماء وشيوخ الدين الإسلامى على اختلاف مدارسهم الفكرية فى الفقه والدعوة. رثاها الإمام الجليل دكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، وحضر جنازتها دكتور أسامة الأزهرى مستشار رئيس الجمهورية للشئون الدينية، دكتور الحبيب على الجفرى الشيخ الجليل. أن يجتمع كل هؤلاء على تفرد عبلة الكحلاوى كإنسانة تملك من نور الإيمان، وصفاء القلب والرغبة فى العطاء بأقصى ما تملك وتستطيع. وأن يحرص الجميع على أن يوفيها حقها عليه، وعلى كل المصريين فى وداع يليق بها.

أن يشهد لها الجميع بأنها كانت صوت العقل المسئول، المدرك لتأثير الكلمة، وقوة الفكرة. وأن تنعيها السيدة انتصار السيسى قرينة رئيس الجمهورية بكلمات تنطق بالتقدير والحب والامتنان والاعتراف بقدرتها الهائلة على توصيل جوهر الدين وقيمه ومعانيه الرفيعة من خلال نبرة هادئة، تدخل القلب بلا استئذان، وتنفذ إلى الروح فتبث الراحة والسكينة داخل النفوس المرتبكة. دكتورة عبلة الكحلاوى صاحبة الحياة الحافلة بكل ما هو جميل ومضيء. الإنسانة التى رحلت عن عالمنا قبل أيام فبكاها الشعب المصرى، والعربى. وكأنها ملكت قلوب الناس جميعا هى ابنة الفنان محمد الكحلاوي، المطرب الشعبى الذى وهب حياته وموهبته لأداء الإنشاد الدينى والتواشيح. وصاحب الأغنية الأشهر "لجل النبى" وكان صارما، محافظاً فى تربيته لبناته. طلب من ابنته عبلة أن تلتحق بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، فلبت رغبته، لتحصل على شهادة جامعية فى الفقه المقارن عام 1969، وتعين فى السنة ذاتها معيدة فى الكلية التى تخرجت منها. وفى عام 1978 حصلت على درجة الدكتوراه.

نجحت فى تقلد عدة مناصب أكاديمية. تدرجت فى المناصب الجامعية داخل مصر وخارجها. فعملت فى كلية البنات جامعة الأزهر، وكلية التربية جامعة الرياض. كما تولت رئاسة قسم الشريعة فى كلية التربية بمكة. غادرت مصر فى السبعينات وتوجهت إلى السعودية، وفى عام 1987 قدمت حلقات دينية يومية فى الكعبة بعد صلاة المغرب.

إلى جانب الدعوة، كان للدكتورة عبلة الكحلاوي دور إنسانى مهم من خلال جمعية "الباقيات الصالحات"، التى أسستها بهدف رعاية الأيتام والمسنين ومرضى ألزهايمر. كما دشنت داراً أخرى للأسرة ودعم الأمهات المطلقات والأرامل والبنات بلا مأوى. لقبت دكتورة عبلة الكحلاوى بـ "أم البنات"، فهى أم لثلاث بنات فقدن والدهن مبكرا، فترملت وهى شابة لاتزال. رغم ذلك استطاعت أن تقهر الظروف وتقتحم مجال العلم والفقه وتتميز فيه كأول سيدة تدخل دائرة الدعوة التى ظلت مقصورة على الرجال لزمن طويل. نجحت فى عملها كداعية تتبنى صوت العقل وتستدعى مشاعر الرحمة عند الناس، تميزت بالنبرة الهادئة فى الحديث عن الدين والروحانيات.

استمرت فى تقديم الدروس فى صحن الكعبة لمدة عامين، حتى عادت إلى مصر فى 1989 وباشرت أعمالها الإنسانية وبرامجها فى الدعوة وعلى مدار سنوات، قدمت عدة برامج دينية فى عدد من القنوات العربية والمصرية. وتفرغت فى السنوات الأخيرة للعمل الإنسانى وتقديم البرامج.

قبل أسابيع من وفاتها، كثفت من حملاتها لتوفير الأكسجين لمرضى كورونا الذين ترعاهم مؤسستها الأهلية. ويشاء القدر أن تقع شهيدة بالفيروس اللعين وهى تقاتل من أجل الأخريات.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة