د.أسامة السعيد
د.أسامة السعيد


خارج النص

احذروا جرائم «مترفيها»!

د. أسامة السعيد

الثلاثاء، 02 فبراير 2021 - 07:30 م

مَن يتأمل الكثير من الوقائع التى شاعت وانتشرت خلال السنوات الأخيرة، واستفزت الرأى العام، يجد رابطا مشتركا بينها، فمن مخرج سينمائي يصور انحرافاته الأخلاقية بالصوت والصورة، إلى مراهق يستغل إمكانيات مادية واجتماعية وفرتها مكانة أسرته الميسورة ليعيث فسادا وإهانة لرجال الشرطة، وصولا إلى ابن رجل أعمال بارز يعترف بكل صفاقة أنه كان يقود سيارته فى الاتجاه المعاكس وهو مخمور ومتعاطٍ للحشيش، ليقتل برعونة واستهتار إنسانة بريئة، يصر رجل الأعمال الشهير على تبرئة نجله من دمها، سواء بالمال أو بجيش من المحامين، دون أن يتحدث بكلمة واحدة عن إعادة تقويم سلوك ابنه!!

الرابط الذى يجمع بين تلك الوقائع، وغيرها مما لا يتسع السياق هنا لسردها، هو أن مرتكبيها جميعا من "المترفين" الذين امتلكوا إمكانات أكبر من غيرهم من الطبقات الاجتماعية الأخرى، وبدلا من أن يستفيد هؤلاء بتلك النعم، إذا بهم يستخدمونها فى إشباع ملذاتهم الشاذة وشطحاتهم الغريبة.

هنا يجب أن نستعيد القانون الاجتماعي الخالد الذى أرساه القرآن الكريم فى قوله تعالى: "وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا" (الإسراء−16)، فهلاك المجتمعات لا يأتى فقط بالتدمير الكامل، وإنما قد يتمثل فى صور شتى منها الانحلال الأخلاقي، والفساد السياسي، والتدهور الاقتصادى، والتخلف التعليمي، وبالطبع الصراعات الاجتماعية التى تغذيها أفعال "المترفين".

ربما يرد البعض بقوله إن تلك الجرائم والانحرافات عرفتها كل المجتمعات وفى مختلف العصور، وهذا حق يراد به باطل، فدوما كان حماية التماسك والاستقرار مرهونا بقدرة المجتمعات على التصدى لتلك الانحرافات، وإبقائها فى دائرة الأعمال الفردية المنبوذة، حتى يخجل مرتكبها من كشفها، لا أن يتباهى ويتفاخر بقدرته على مخالفة الأعراف والقوانين، والإفلات من العقاب.

الانحراف ليس حرية شخصية، ومخالفة القيم والقوانين ليست وجهة نظر، لكنها جريمة بحق المجتمع كله، والتصدى لتلك الانحرافات مسئولية الدولة والمجتمع، فجميعنا فى مركب واحد، وعند الخطر، لا فرق بين ركاب الدرجة الأولى، وبين من يسكنون القاع.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة