هشام مبارك
هشام مبارك


احم احم !

البحث عن «الدماغ»

هشام مبارك

الأربعاء، 03 فبراير 2021 - 07:55 م

فى أحد الأفلام القديمة الجميلة لعبد الحليم حافظ يلعب فيه دور موظف بسيط فى شركة صناعية تنتج أقمشة وملابس. تمكن هذا الموظف البسيط من اختراع نوعية من القماش لا تحترق بالنار فطار فرحا يزف البشرى لصديق عمره الذى لعب دوره عبد السلام النابلسى والذى سأله عن نيته بعد هذا الاختراع العظيم فقال له أنه سيتوجه فورا لمكتب رئيس مجلس الإدارة ليزف له البشرى فنهره قائلا: إنت اتجننت؟ كيف تتخطى كل رؤسائك يا رجل لتصل للقمة مباشرة؟ لابد من رفع الأمر أولا للرئيس المباشر، فلم يكذب الموظف البسيط الخبر وسارع لرئيسه المباشر وسلمه فكرته مكتوبة بل ومعها عينة من هذا القماش الذى لا يحترق. وبخه الرجل على أنه أضاع وقته فى كلام فارغ وطرده من مكتبه ثم قام بحذف اسم الموظف البسيط من البحث ووضع اسمه هو عليه بدلا منه وطار إلى رئيسه الأعلى الذى كرر معه ما فعله هو بمرءوسيه وطار بالبحث لرئيسه الأعلى وهكذا من رئيس أعلى إلى رئيس أعلى حتى تم ركن البحث فى أدراج نائب رئيس مجلس الإدارة ولم يصل إلى رئيس مجلس الإدارة. ولكن فجأة تعثرت الشركة وأصبحت قاب قوسين أو أدنى من الإفلاس وأخذ كل من هو فى مجلس الإدارة يفكر فى كيفية إنقاذها فتذكر نائب الرئيس اختراع القماش الذى لا يحترق القصة وأخرج البحث وقطعة القماش من مكتبه وذهب يزف البشرى لرئيس مجلس الإدارة الذى اندهش من الاختراع خاصة بعد أن قام بتجربته بنفسه، وأصدر أوامره للمهندسين لسرعة إنتاج هذا النوع من القماش الذى حتما سيجعل شركته تقف على قدميها من جديد بل وستحقق الكثير من الأرباح وهى التى كانت على وشك الإفلاس. وبمجرد أن تسلمت إدارة التصنيع البحث طلبت من الرئيس سر التركيبة التى تمكنهم من إنتاج القماش الجديد. فعاد كل رئيس يطلب من مرءوسه الذى سلمه البحث سر التركيبة أو ما أطلقوا عليه مجازا لفظ "الدماغ".

وهنا عاد الأمر من جديد للموظف البسيط الذى اخترع القماش فهو الوحيد الذى يعرف سر التركيبة. كان هذا الموظف هو الدماغ التى عجزت بسبب البيروقراطية أن تصل مباشرة لرئيس مجلس الإدارة لعرض الاختراع عليه مما اضطره ليسلك السلم الوظيفى الطويل الذى طمع كل عضو منه فى أن ينسب له الفضل حتى يحصل على ترقية وتقدير رئيس مجلس الإدارة. هذه الفكرة العبقرية تلخص كثيرا من المشاكل التى نعانى منها وهو مع الأسف شيء يحدث مثله فى كثير من شركاتنا وهيئاتنا ومصانعنا المتعثرة ليس بسبب قصور فى الإمكانيات بل قصور فى التفكير حيث يحيط المسئول نفسه بسياج من كبار المستشارين المستفيدين الذين يعتقدون أن فى وصول هؤلاء تهديد مباشر لمصالحهم مع أنهم لو أخلصوا النية لارتفع شأن الشركة كلها ربما بفكرة من موظف بسيط أو عامل مخلص. حتى فى مجال الرياضة مثلا ربما يرتفع شأن نادٍ رياضى أو فريق كرة قدم مثلا بسبب لاعب موهوب لكن تم إبعاده عن دائرة الضوء والشهرة التى يحتلها المنتفعون الذين لا يهمهم سوى أسمائهم وعمولاتهم التى يحصلون عليها مقابل تسويق الكبار وليذهب الفريق والنادى كله للجحيم.

ليس مطلوبا من أى مسئول سوى أن يحاول أن يبحث بنفسه عن الدماغ الحقيقية التى تفيد الشركة بعيدا عن شلة المنتفعين، لأنه فى النهاية لن يصح إلا الصحيح ولن يستفيد أحد من تضييع الوقت. فليبحث كل منا فى مجاله عن تلك الدماغ.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة