الأربعاء، 03 فبراير 2021 - 08:12 م

مثل عداء يدخر جهده للجولات الأخيرة، كى يفاجئ الجميع بالفوز بالسباق، بدا اللقاح الروسى لفيروس كورونا المستجد، بالنسبة للكثيرين.

ففى الوقت الذى كان المجتمع العلمى العالمى مشغولاً بمتابعة المنافسة بين الفرق البحثية حول العالم، والتى كان يتصدرها فى البداية فريق جامعة أكسفورد ببريطانيا، العامل على لقاح يستخدم تقنية الناقلات الفيروسية، قبل أن يتراجع ليحل فى المرتبة التالية للقاحات "فايزر" و"موديرنا" الأمريكية، التى تستخدم تقنية "الحمض النووى الريبي"، جاء الفريق العلمى الروسى من بعيد، ليعلن اعتماد أول لقاح لكورونا فى العالم، يحمل اسم "سبوتنيك 5".

هذه الخطوة الروسية التى حملتها التقارير الصحفية دلالات سياسية، متمثلة فى اختيار اسم اللقاح، لتذكير أمريكا بالتفوق السوفيتى فى مجال الفضاء إبان الحرب الباردة مع أمريكا، تبعها إعلان الصين اعتماد أكثر من لقاح، بينما كانت الفرق البحثية فى أمريكا وبريطانيا، لا تزال بعيدة عن تلك الخطوة الرسمية.

ولم تبد الفرق البحثية فى أمريكا وبريطانيا وقتها فى تصريحاتها المعلنة قلقا من هذه الخطوة الروسية ثم الصينية، وكان التصريح المتكرر دوما أنه ليس المهم الأسبقية فى الاعتماد، ولكن المهم هو اتباع التقاليد العلمية الرصينة فى إنتاج اللقاحات، من حيث إجراء تجارب معملية ثم حيوانية، ثم ثلاث مراحل من التجارب السريرية، ونشر أبحاث علمية فى الدوريات العلمية عن الإنجاز الذى يتحقق فى كل مرحلة، حتى يمكن للمجتمع العلمى العالمى تقييم هذا العمل.

نستخدم‭ ‬فيروسات‭ ‬تعيش‭ ‬مع‭ ‬البشر‭ ‬منذ‭ ‬100‭ ‬ألف‭ ‬عام‭.. ‬ونحصل‭ ‬قريباً‭ ‬على‭ ‬الاعتماد‭ ‬الأوروبى

فعالية‭ ‬اللقاح‭ ‬تستمر‭ ‬عامين‭.. ‬ويتعامل‭ ‬بنجاح‭ ‬مع‭ ‬السلالات‭ ‬الجديدة

اللقاح‭ ‬يمنح‭ ‬مناعة‭ ‬أطول‭.. ‬و10‭ ‬دولارات‭ ‬ثمن‭ ‬الجرعة‭ ‬الواحدة

كانوا يعتبرون أن اللقاح الروسى بعيد كل البعد عن هذه الخطوات، ليكون المجتمع العلمى العالمى على موعد مؤخراً مع مفاجأة، وهى إعلان شركة "إسترازينكا" المنتجة للقاح أكسفورد، التعاون مع الجانب الروسى فى إجراء تجارب سريرية مشتركة تهدف إلى الدمح بين اللقاحين، لرفع فعالية لقاح أكسفورد.

- فما هى تفاصيل ذلك التعاون، وما صحة اتهام اللقاح الروسى بمخالفة التقاليد العلمية، ولماذا لم يحصل على اعتماد منظمة الصحة العالمية، وهل يملك مزايا تجعله الخيار المفضل لبعض الدول، عند المقارنة مع اللقاحات الأمريكية؟.

هذه الأسئلة وغيرها يجيب عليها الدكتور فيليكس إرشوف، الأكاديمى فى الأكاديمية الروسية للعلوم، وأحد كبار الباحثين العاملين على تطوير اللقاح الروسي.. وإلى نص الحوار.

- بداية: أثارت الخطوة التى أقدمت عليها شركة "إسترازينكا"، بالإعلان عن دمج لقاح "سبوتنيك 5" مع لقاح أكسفورد فى تجارب سريرية، استغراب الكثيرين فى المجتمع العلمي، لأن تقنية الناقلات الفيروسية التى يستخدمها لقاحكم تعتمد على الفيروسات الغدية التى تصيب البشر، بينما تستخدم أكسفورد فيروسات غدية تصيب الشمبانزى، فكيف جاء هذا التعاون؟

بداية يجب أن نوضح ما هى التقنية، فنحن نستخدم أحد الفيروسات الغدية التى تسبب نزلات البرد الشائعة، وهو فيروس ظل مع الجنس البشرى لأكثر من 100 ألف عام، ويتم نزع الجين المسئول عن تكاثره، ثم يتم استخدامه لنقل مادة وراثية خلوية من فيروس كورونا المستجد، مما يساعد على تحفيز جهاز المناعة ضد كورونا المستجد دون استخدامه الفيروس نفسه، والناقل الفيروسى والمادة الوراثية الموجودة بداخله، بهذه الكيفية، لا يشكلان أى خطر على جسم الإنسان.

وبعد أن أظهرت النتائج الأولية للتجربة السريرية للقاح )سبوتنيك 5 ( فعاليته بأكثر من 90٪، قدم صندوق الاستثمار المباشر الروسى )صندوق الثروة السيادى الروسي( ومركز جماليا الروسى القومى لبحوث الأوبئة، اقتراحاً لشركة )استرازينكا( فى 23 نوفمبر 2020، بشأن الدمج فى التجارب السريرية لشركة استرازينكا بين أحد النواقل الفيروسية الخاصة باللقاح الروسي، مع الناقل الفيروسى الخاص بلقاحها، والذى يستخدم أحد الفيروسات الغدية التى تسبب نزلات البرد عند الشمبانزى.

وقبلت استرازينكا اقتراح صندوق الاستثمار المباشر الروسى وبدأت التجارب السريرية للناقل الفيروسى الخاص بلقاحها مع الناقل البشرى الخاص باللقاح الروسي، وسيسمح هذا البحث لعلماء استرازينكا بدراسة إمكانية تعزيز فعالية لقاحهم من خلال تطبيق هذا النهج المشترك.

- ولماذا عرضتم على استرازينكا هذا العرض؟

كان العرض الذى أرسله صندوق الاستثمار المباشر الروسى لشركة )سترازينكا( مثالاً على النهج الاستباقى لروسيا، فنحن لم نصنع فقط، أحد أكثر اللقاحات فعالية فى العالم، حتى الآن، ضد فيروس كورونا، ولكننا مستعدون لمشاركة الناقل الفيروسى لهذا اللقاح مع أولئك الراغبين فى إنتاج لقاحات باستخدام تقنية ناقلتين.

مزايا متعددة

- بالرغم من الإيجابيات التى تحدثت عنها، هناك من الباحثين من يشكك فيما تم الإعلان عنه من معدل فعالية اللقاح، لأنه حتى الآن لم يتم نشر نتائج المرحلة الثالثة من التجارب السريرية فى الدوريات العلمية، وتم الإعلان عن الموافقة على اللقاح حتى قبل تم نشر نتائج المرحلتين الأولى والثانية...

سيتم نشر نتائج المرحلة الثالثة من التجارب السريرية فى مجلة دولية تتم مراجعتها من قبل الأقران فى المستقبل القريب جدًا.. وأظهرت نتائج التجربة التى شارك فيها أكبر عدد من المتطوعين فى تاريخ روسيا، فعالية اللقاح بأكثر من 90٪، وتم إجراء تقييم الفعالية بعد 21 يومًا من تلقى آلاف المتطوعين الجرعة الأولى من اللقاح، وأظهر اللقاح فعالية بنسبة 100٪ ضد حالات فيروس كورونا الشديدة.

- من بين ما قيل عن مزايا اللقاح الروسى أنه يستخدم تقنية تمت تجربتها من قبل فى لقاحات أخرى، كما أنه يسهل تخزينه، وسعره منخفضاً، ولكن ما هو وزن هذه المزايا عند مقارنتها بلقاحات تحقق فاعلية بنسبة 95٪ مثل لقاح موديرنا أو فايزر؟

 يحتوى لقاح )سبوتنيك 5 ( على عدد من المزايا الرئيسية، فبالإضافة إلى أن فعاليته تزيد على 90٪، مع حماية كاملة ضد الحالات الشديدة من المرض، فإنه يعتمد على منصة مثبتة ومدروسة جيدًا من ناقلات الفيروس الغدى البشري، والتى تسبب نزلات البرد وكانت موجودة منذ آلاف السنين.

ويستخدم اللقاح ناقلين مختلفين لجرعتى التطعيم، مما يوفر مناعة لمدة أطول من اللقاحات الأخرى، وأثبتت أكثر من 250 دراسة سريرية على مدى عقدين من الزمن سلامة وفعالية ونقص الآثار السلبية طويلة المدى للقاحات الفيروسية الغدية.

وتم بالفعل تطعيم أكثر من 1.5 مليون شخص حول العالم باللقاح، ولا توجد حساسية قوية يسببها، ونعمل بشكل تعاونى مع إسترازينكا فى تجربة سريرية مشتركة لتحسين فعالية لقاحها.

ويمكن فوق كل ذلك تخزينه فى ثلاجة تقليدية دون الحاجة إلى الاستثمار فى بنية تحتية إضافية لسلسلة التبريد، وسعره أقل من 10 دولارات لكل جرعة، مما يجعله فى متناول الجميع حول العالم.

الاعتماد فى 25 دولة

- هل حصل لقاحكم على موافقة جهات أخرى خارج روسيا، ومتى يمكن أن يحصل على اعتماد منظمة الصحة العالمية، مثل لقاح فايزر؟

حتى الآن، تم تسجيل اللقاح فى 12 دولة، هى: روسيا وبيلاروسيا والجزائر والأرجنتين وبوليفيا والمجر وصربيا وفلسطين وفنزويلا وباراجواى وتركمانستان والإمارات العربية المتحدة، وفى الأسابيع القليلة القادمة، سيتم تسجيله فى أكثر من 25 دولة فى المجموع، بما فى ذلك تلك التى تم تسجيلها بالفعل حتى الآن، وقد تم تقديم طلب الموافقة على اللقاح إلى منظمة الصحة العالمية.

وبدأت عملية الموافقة على اللقاح فى الهيئة التنظيمية للاتحاد الأوروبي، وهى وكالة الأدوية الأوروبية، وتمت المراجعة العلمية فى 19 يناير وستتبعها المراجعات الدورية قريبًا، وتمت مراجعة ما قبل الاعتماد فى منظمة الصحة العالمية فى 22 يناير.

- عاب العديد من خبراء اللقاحات على التجارب السريرية الخاصة بأكثر من لقاح، أنها لم تشمل كبار السن، وهم الفئة المستهدفة بشكل أساسى من اللقاحات.. فهل تغلب لقاحكم على هذه المشكلة؟

 وافقت وزارة الصحة الروسية على )سبوتنيك 5 ( للأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 60 عامًا فى 26 ديسمبر بعد التجارب السريرية التى أظهرت أمانًا وفعالية تامة أكثر من 90٪ فى هذه الفئة العمرية.

كما يتمتع )سبوتنيك 5 ( بالحماية الكاملة من أى حالات خطيرة لـ )كوفيد − 19 ( فى هذه الفئة العمرية وغيرها، ويجرى تحصين الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 60 عامًا باستخدامه فى روسيا، ووافقت فى 20 يناير، الجهة المنظمة للصحة فى الأرجنتين، على استخدامه للأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 60 عامًا.

فعالية عامان

- هل لديك رؤية واضحة عن مدة استمرار فعالية اللقاح، وما هى المدة الزمنية بين جرعاته؟

المناعة ستستمر لمدة عامين، والنظام المعتمد هو جرعتان بفارق 21 يومًا، وتحدث فعالية للقاح بعد الجرعة الأولى، وبالتالى يمكن استخدام اللقاح أحادى المكون بجرعة واحدة مع ناقل فيروسى واحد، ويعطى فعالية فى هذه الحالة أكثر من 73٪، وأعلى بكثير من فعالية الجرعات الأولى فى لقاحات أخرى أو حتى نظام الجرعات الكاملة فى بعض اللقاحات.

- وماذا عن الآثار الجانبية للقاح وما تم رصده من ملاحظات وفقا للتجارب السريرية، وبعد تناول أكثر من مليون ونصف مليون شخص للقاح؟

لم يتم تحديد أى أحداث سلبية غير متوقعة، فقط تعرض بعض الذين تم تطعيمهم لأعراض جانبية طفيفة قصيرة المدى مثل الألم فى موضع الحقن وأعراض تشبه أعراض الأنفلونزا، بما فى ذلك الحمى والضعف والتعب والصداع.

- يخشى العالم من تأثير سلالات فيروس كورونا الجديدة التى ظهرت فى بريطانيا وجنوب أفريقيا على اللقاحات، فما هو الحال مع لقاحكم؟ وهل لديكم المرونة فى التعديل إذا كانت هناك طفرات تؤثر عليه؟

حتى الآن لا يزال "سبوتنيك 5" فعالًا للغاية ضد السلالات الجديدة من كورونا مقارنة بالسلالات الحالية، كما أظهر فعاليته مع الطفرات فى بروتين )سبايك( التى ظهرت خلال الفترات الماضية.