جمال فهمي
جمال فهمي


من دفتر الأحوال

عندما ينتصر الكذب بقلم جمال فهمي

جمال فهمي

الخميس، 11 فبراير 2021 - 08:53 م

 للأديب النرويجى الأشهر هنريك إبسن (1828−1906) نص مسرحي تعمد أن يسميه دعائم (أو أعمدة) المجتمع، وقد تناول فيه حياة البشر عندما تقوم على فيض أكاذيب معشقة فى بعضها تكتسب بالتراكم ومرور الزمن قوة ومنعة، بل وشرعية مجتمعية هائلة لدرجة أنها حين تنفضح وتتعرى يكون رد فعل الناس الذين عايشوها وتعودوا عليها ونافقوها سنين طوالا، أقرب إلى اللامبالاة التى تخفى رغبة دفينة فى رفض الحقيقة والبقاء فى الزور والكذب.. لأنه مريح!!

هذا ما يقوله ببلاغة المشهد الأخير فى المسرحية التى تتتبع من بدايتها حكاية شخص يدعى "القنصل برنيك" الذى يعيش فى مدينة ساحلية صغيرة ويمارس صنوفا شتى من "البيزنس" أقله مشروع وأغلبه فاسد، وعندما يصل لمرحلة تبدو أعماله السوداء على وشك الانكشاف بما يهدد سمعته ومكانته الاجتماعية، يبحث عمن يلبس الفضيحة نيابة عنه ويجد ضالته فى صديقه وشريكه الطماع "جون جونسون" فيعقد معه اتفاقا بمقتضاه يحمل هذا الأخير علنا كل الموبقات مقابل أن ييسر له القنصل الفاسد فرصة الهجرة لأمريكا ويمنحه مالا يكفى لحياة رغدة هناك.. وبعد رحيل جونسون بخطايا وجرائم صديقه يستأنف برنيك رحلة فساده فتزدهر أعماله ويراكم ثروة طائلة تجعله سيد المدينة بلا منازع يحيط به دائما جيش جرار من الأعوان والاتباع والمنافقين.

يبقى برنيك سابحا فى الثروة والجاه وقد حَسب حِساب كل شىء إلاعودة جون جونسون من منفاه الاختيارى، غير أن هذا الأخير يعود فجأة للمدينة طامعا أن يتزوج بالفتاة التى يهيم بها عشقا، ولكى تتم الزيجة ويقبل به أهل العروس لابد أن يتخلص من السمعة السيئة التى تركها خلفه، هنا يلجأ لصديقه وشريكه القديم الذى بدوره كان قد تزوج ورزق بابن أضحى الآن شابا يافعا.

يجد بطل المسرحية نفسه واقعا فى مأزق خطير، فهو لا يستطيع التملص من صديقه القديم لكنه إذا ساعده على تبييض سمعته فسوف يفضح نفسه ويقوض أركان مملكته، لذلك يبحث عن وسيلة للخلاص من حامل أوزاره ويعمد فى البداية إلى المماطلة وتضييع الوقت بوعود لا ينفذها أبدا، وإذ يشعر جونسون باليأس والإحباط يقرر العودة مرة أخرى لمنفاه، غير أن شيطان برنيك يوسوس له بأن شريكه السابق سيظل يهدده طالما بقى حيا يرزق، لهذا يدبر للخلاص النهائى منه فيتآمر لتسفيره على مركب يعرف أنه معطوب ولن يكمل الرحلة إلى أمريكا بسلام.

تمضى مؤامرة برنيك فى طريقها بنجاح ومن دون عوائق تذكر، حتى يأتى من يخبره بأن ابنه ووحيده قرر السفر إلى أمريكا على متن المركب المعطوب نفسه الذى سيسافر عليه جونسون.. عندئذ يداهم القنصل إحساس بأن لحظة الحقيقة جاءت وصار يتعين عليه الاختيار بسرعة بين أن يفقد ضناه ويحتفظ بحياة العز والجاه، أو يتطهر من أدرانه وأكاذيبه ويخرج على الناس معترفا بحقيقته الفاسدة فيكسب راحة النفس ويضمن السلامة لابنه.. يذهب القنصل إلى الخيار الثانى، وبالفعل يتحرك ويعلن على الملأ تفاصيل سجل جرائمه وتاريخه الأسود كله، لكن المفاجأة أن جمهور المدينة يواجه تلك الحقيقة الصادمة التى أعلنها بريك، بالقليل من الدهشة والكثير جدا من الفتور وعدم الاكتراث..!!

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 

 

 
 
 
 
 

مشاركة