محررة «آخر ساعة» مع أحد المزارعين
محررة «آخر ساعة» مع أحد المزارعين


موسم حصاد القــــصـب.. الفرح «المنقوص» !

«آخرساعة» كانت هناك مـــــــــع المزارعين

آخر ساعة

الخميس، 18 فبراير 2021 - 02:02 م


«يا أبو اللبايش يا قصب عندنا فرح واتنصب»، على إيقاع هذا الموال التراثى يبدأ مزارعو القصب حصد المحصول مع بداية شهر يناير من كل عام، إذ يجتمعون فى الحقل فى مشهد احتفالى يطلقون عليه «موسم الفرحة»، ويتكرر هذا المشهد فى جميع قرى الصعيد، للاحتفال بموسم حصاد القصب على أنغام المزمار البلدى، بينما تكتفى قرى أخرى بترديد الأغانى، وينال الصغار نصيباً من الفرحة فلا تخلو يد صبى أو صبية من أعواد القصب، ويعيشون سعادة غامرة مع قطار «الديكوفيل» الذى يمر وسط بيوت القرية محتضناً عيدان المحصول.

هذه الأجواء المبهجة تشبه السكر فى حلاوته، ولا يزال لموسم حصاد القصب هذا المذاق الحلو، باستثناء بعض "المرارة" التى بدأت تتسلل إلى الفلاحين خلال السنوات الأخيرة، نتيجة المشكلات التى تواجههم فى زراعة قصب السكر، وفى محاولة لنقل الصورة كاملة وبشكل واضح، قامت "آخرساعة" بزيارة إلى إحدى قرى محافظة المنيا والتقت مجموعة من المزارعين للتعرف إلى أبرز العقبات التى تواجههم فى موسم الحصاد.
عدسة "آخرساعة" رصدت رحلات الفجر التى يقوم بها العمال وأصحاب الأراضى الزراعية فى المنيا أثناء جنى محصول القصب، وسط فرحة المزارعين ولهو الأطفال.. فمع بداية كل موسم لما يُسمى "كسر القصب"، يحتفل أهالى قرى المنيا ويرددون الأغانى المرتبطة تاريخياً بهذه المناسبة الموسمية، وقد انطبعت هذه الأجواء الاحتفالية فى وجدان أهل الصعيد عموماً، وأضحت من الموروثات الشعبية.
على أنغام المزمار البلدى يردد محمد عبدالقوي، معلم لغة عربية وصاحب 8 أفدنة، أغنية فلكورية قديمة تقول كلماتها: "كسرناه على المصنع رحلناه"، ويقول إن الفدان ينتج فى الموسم نحو 40 طناً يقدر ثمنها بحوالى 28 ألف و800 جنيه، بينما تصل التكلفة الفعلية للفدان إلى 25 ألفاً، وبذلك يصبح المكسب الحقيقى للمزارع خلال العام 3800 جنيه فقط، وأغلب المزارعين يتعاقدون مع "شركة السكر للصناعات المتكاملة" لتوريد محصول القصب إليها، لأنها الأضمن بالنسبة إليهم من أى تاجر حُر، حيث تتعاقد الشركة على شراء المحصول قبل بدء موسم زراعته.
فيما يقول سيد عبدالنعيم، أحد مزارعى قصب السكر: "عندما نتعاقد مع شركة السكر على توريد المحصول تلتزم بتوريد التقاوى والأسمدة إلى المزارعين بشكل مدعم، ويتم خصم سعر شيكارة السماد من ثمن توريد المحصول".
بعيداً، عن هذه التفاصيل المبهجة، فإن ثمة معوقات تواجه مزارعى القصب، ألقى عليها الضوء واحدٌ منهم يُدعى فتحى عبدالدايم: "زراعة قصب السكر تحتاج إلى مياه وفيرة وأغلب الأراضى الزراعية بعيدة عن الترع والمصارف، وتحتاج إلى الرى بالماكينات التى تعمل بالسولار، ما يتسبب فى رفع تكلفة الزراعة، بالإضافة إلى سعر شيكارة الأسمدة فى الجمعية الزراعية، الذى يصل إلى 165 جنيهاً، بينما تباع فى السوق الحرة بـ250 جنيهاً، وفى حالة عدم تعاقد المزارع مع الشركة يذهب إلى التجار، ولا يكون هناك التزام بين المزارع والتاجر سوى قاعدة المكسب والخسارة، وبناء على ذلك تتم محاسبة المزارع".
بينما يرى فخرى عبدالحق، صاحب 5 أفدنة من القصب، أن المعوقات التى تواجه المزارع لا تنحصر فى الرى وأسعار الأسمدة، بل تمتد لتشمل الديدان التى تداهم المحصول مثل دودة القصب الصغير، فهى تهاجم المحصول بشدة ولا تتوافر المبيدات الخاصة التى تقاومها".
خلال جولتنا التقينا مزارعاً يُدعى عمر محمد، الذى بدوره طالب بضرورة تحديد سعر قصب السكر من قِبل الدولة، لأن زراعته تكلف الفلاح الكثير، مثل الرى والأسمدة وأجرة الشاحنات التى تنقل المحصول، بخلاف (يومية) العامل الزراعى التى تصل إلى 30 جنيهاً فى الساعة، وأثناء جنى المحصول نعتمد على عدد كبير من العمّال، لأن هناك مواعيد لشحن وتوريد القصب".
وتابع: "لا بد أن يقوم المسئولون بوزارة الزراعة ومراكز البحوث بتطوير زراعة القصب من سلالة (س9) إلى سلالات أخرى، خاصة أنه مر 40 عاماً على زراعة هذه السلالة، وفشلت زراعة (PH) التى كانت تهدف إلى زيادة الإنتاجية، كما نطالب بتطوير شبكة الرى وتوفير الأسمدة فى الجمعيات الزراعية".
وفيما يتعلق بآلية توريد المحصول من المزارعين، يقول عبدالمقصود حسن، مزارع، إن المتعارف عليه بين مزارعى القصب هو توريد المحصول إلى شركة السكر، وأثناء التعاقد يتم الاتفاق على توفير الأسمدة والمبيدات ومراعاة المحصول حتى ميعاد توريده، ويتم خصم ثمن تكلفة المحصول من المبلغ المتعاقد عليه، بينما المزارع الذى يورد للتاجر الحر يتحمل تكلفة الإنتاج، وفى النهاية يتعامل بنفس السعر المعلن فى السوق لتوريد القصب، وهو 720 جنيهاً، بينما التكلفة الحقيقة للمحصول هى ألف جنيه، لذا نطالب برفع سعر توريد المحصول لتشجيع المزارعين على زراعة القصب، خاصة أن هناك ندرة فى العمال الزراعيين الذين انتقلوا إلى القاهرة بحثاً عن عمل أكثر ربحاً وأخف عبئاً، إضافة إلى سعر شحن محاصيل القصب، فلم يعد قطار الديكوفيل يستطيع تلبية احتياجات جميع المزارعين، ويضطر صاحب المحصول لتأجير عربات نقل لشحن محصوله.
من جانبه، يشير الشافعى حسن، عضو جمعية منتجى قصب السكر، إلى ارتفاع تكاليف زراعة قصب السكر، وقلة العائد المادى الذى يحصل عليه المزارع، خاصة بعد ارتفاع تكاليف أسعار النقل، وقال: "أطالب برفع سعر الطن إلى ألف جنيه ليتماشى مع ارتفاع تكاليف الزراعة، خصوصاً مع وصول سعر شيكارة الأسمدة فى الجمعية الزراعية إلى 165 جنيهاً بخلاف أنها غير متوفرة بشكل كبير، الأمر الذى يدفع المزارع إلى شرائها بسعر السوق السوداء وهو 250 جنيهاً، وهو الأمر ذاته الذى ينطبق على المبيدات، بالإضافة إلى مشكلات أخرى تواجه الفلاح مثل مياه الرى، فمن المعروف أن القصب يحتاج إلى مياه وفيرة فى زراعته، ما يتطلب تأجير ماكينات رى تعمل بالسولار، بما يشكل عبئاً مالياً إضافياً على المزارع".
يتابع: "مع بداية موسم توريد القصب فى يناير الماضى من محافظات المنيا وقنا وأسوان والأقصر، ارتفع أجر العامل الزراعي، وأصبح يتعامل بالساعة مقابل 30 جنيهاً.
ويؤكد الشافعى أن تكلفة الفدان ارتفعت هذا الموسم إلى 25 ألف جنيه مقابل 20 ألف جنيه الموسم الماضى، بعد ارتفاع تكلفة الزراعة والرى والأجور وثبات أسعار التوريد وتقليص السماد المدعم لدى الجميعات الزراعية.
يذكر أن مصر اقتربت من تحقيق الاكتفاء الذاتى من السكر بوصول النسبة هذا العام إلى 80%، ومددت الحكومة أكثر من مرة قرار حظر استيراد السكر الخام، وتنتج مصر 10 أطنان من القصب سنوياً، ويوجد فى مصر 8 مصانع لإنتاج سكر القصب هى مصانع (كوم أمبو وإدفو وأرمنت وقوص ودشنا وجرجا وأبوقرقاص ونجع حمادي).
قطار "الديكوفيل"
وتنشط حركة النقل والشحن والتفريغ مع بدء موسم القصب، الذى يعد المنتج الأكثر رواجاً فى قطاع الزراعة بمصر، ويمثل الدخل الأساسى لشريحة كبيرة من المزارعين والعمّال، ويتم نقل المحصول عبر جرارات تسير على قضبان، من خلال ما يُعرف بـ"خطوط الديكوفيل"، وتمر هذه الخطوط وسط بيوت أهالى القرية لنقل محصول القصب، من ثلاث إلى خمس مرات يومياً، ويعتمد المزارعون على هذه الوسيلة لتوريد المحصول إلى شركة السكر، باعتبارها الوسيلة الأوفر والأفضل لنقل القصب.
ووسط صخب أغانى الأطفال والمزارعين، يشق قطار الديكوفيل الذى يحتضن القصب طريقة بين منازل الأهالى ليحتفلوا بموسم الخير والفرحة، إذ يمثل هذا القطار حلقة الوصل بين المزارع ومصانع السكر، وما إن يلمح الصغار هذا القطار حتى يهللوا فرحاً ويهرولون خلفه وتطغى ضحكاتهم على أصوات ضجيج القطار.
وعلى الرغم من السعادة المرتبطة بهذا القطار فإن أهالى القرى التى يمر من بينها يطالبون بنقل مساره بعيداً عن المناطق المأهولة بالسكان، حيث اعتاد الأطفال على جذب أعواد القصب من ثنايا القطار المكشوف أو التى تسقط على الأرض أثناء تحركه، ويحاول حراس القطار إبعادهم خوفا عليهم لكن دون جدوى، ومن هنا تتكرر الحوادث، فذات مرة خرج القطار عن القضبان وانقلب فى إحدى قرى محافظة الأقصر، لذا يطالب أبناء هذه القرى بتدخل المحافظين لتغيير خطوط القطار ونقلها إلى مسار بعيد عن المارة.
قصة هذا القطار تعود إلى نهاية القرن التاسع عشر، حيث يقول محمد عفيفى أستاذ التاريخ الحديث، إنه تم وضع خطوط الديكوفيل فى عام 1897، بأمر من الخديو إسماعيل عندما أنشأ مصنع السكر فى منطقة نجع حمادى بمحافظة قنا.
ويوضح أن مصر فى عهد محمد علي، كانت تنتج الكثير من السكر، إلا أن إنتاجها كان يغطى الاستهلاك المحلى فقط، وكانت مصر تستورد باقى احتياجها من أوروبا، لافتاً إلى أن إبراهيم باشا أرسل فى عام 1838 الأمين على أسراره عمر أفندى أحد الأخصائيين فى صناعة السكر إلى دولة جامايكا، التى كانت وقتذاك من أوائل المستعمرات الإنجليزية إنتاجاً للسكر على مستوى العالم، للاستفادة من تجاربها فى زراعة قصب السكر وتأسيس مصانع تعمل بالآلات البخارية فى صعيد مصر، إلى أن زادت زراعة قصب السكر فى الصعيد، حتى أنه إبان فترة حكم محمد على ذكر عالم إيطالى أن قصب السكر فى صعيد مصر يتفوق فى جودته على قصب الهند الموطن الأصلى له، لذلك شُيدت له العديد من المصانع فى محافظات الصعيد، مثل "أبوقرقاص" بالمنيا، و"سكر نجع حمادي" ومصنع "الضبعية" بالأقصر، الذى يُعد من أقدم المصانع فى الصعيد.

 


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة