آمال عثمان
آمال عثمان


أوراق شخصية

الفيروس الأخطر على المجتمع

آمال عثمان

الجمعة، 19 فبراير 2021 - 08:14 م

عرف العالم لأول مرة مقولة "الغاية تبرر الوسيلة" منذ حوالى خمسة قرون، وذلك حين كتب الفيلسوف والمفكر السياسى الإيطالى "نيكولوميكافيلي" كتابه الشهير "الأمير" فى القرن الـ16 خلال عصر النهضة الإيطالية، والذى كان بمثابة صورة مبكرة للنفعية والتنظير السياسى الواقعي.

وقد نظرت أوروبا إلى المذهب الميكافيلى باعتباره وباء فكريا يصيب السياسيين، كما اعتبره علماء النفس والاجتماع فيروسا يصيب الإنسان، ويجعله يتنازل عن مفاهيم الفضيلة والقيم والمثل والأخلاق لتحقيق أغراض شخصية، لذا قام العالمان "ريتشارد كريستي" و"فلورنس جايس" فى ستينيات القرن الماضى بتطوير اختبار، يُطلق عليه "ماخ ـ 4 " لقياس الميكافيلية داخل نفس الإنسان.

وسواء كانت الميكافيلية أفكارا وتعاليم للواقعية السياسية والسلطة البراجماتية النفعية، تتلخص فى أن الغاية تبرر الوسيلة، وارتُكبت باسمها مذابح وجرائم تاريخية شنيعة، أو أنها أفكار وتعاليم متقدمة تعرضت للظلم، وأصبحت الآن عصب دراسات العلوم السياسية فى العالم، فلستُ هنا بصدد تقييم مذهب سياسي، لكنى أتحدث عن خطورة هذا الفكر الانتهازي، وتلك المقولة النفعية الشهيرة، حين تتحول إلى قاعدة للسلوك الاجتماعى العام، وفكر تفشى وسيطر على مجتمع صار أغلبه يستخدم تلك المقولة لبلوغ أهدافه بأى وسيلة، مهما كانت غير أخلاقية أو غير قانونية، ناسفا بذلك هيكل القيم الإنسانية، وصرح الأخلاق والمبادئ القانونية، ولكنه يطلق على هذا الفيروس مجازا كلمة "فهلوة" أو"شطارة" بدلا من "الميكافيلية"!

 لقد تفشى هذا الفيروس اللعين فى المجتمع المصرى بصورة خطيرة، حتى أصبحنا نبدع فى تبرير الغش والكذب ومخالفة القوانين، الأهالى يباركون ويشجعون أبناءهم على الغش فى الامتحانات، واستخدام وسائل غير مشروعة للنجاح والحصول على شهادات، بصرف النظر عن المستوى العلمى والمهارات والمعلومات التى تحصلوا عليها! ولا يقتصر الغش والخداع على الامتحانات، لكنه أضحى أسلوب حياة ووسيلة لتحقيق غايات ومصالح شخصية، المقاول يغش فى الأبنية والطرق، والتاجر يغش فى الميزان والأسعار، والعامل والموظف والمدرس والمهندس والطبيب، الكل يمارس جميع الحيل والخدع والأعذار للهروب من مسئولياته والتزاماته، والمواطن يعتبر أن الالتفاف حول القوانين، وسلب ما ليس حقه تفتيح دماغ، والسير عكس الاتجاه ومخالفة قواعد المرور شطارة، واحتلال المطاعم والمقاهى والأكشاك للأرصفة وسرقة الكهرباء فهلوة، الكل ينظر إلى أهدافه وغاياته والفائدة الشخصية التى تعود عليه، لتبرير تلك الأفعال الخاطئة والوسائل غير المشروعة، ولا عزاء للأخلاق والقيم والقوانين!

يا سادة.. إن الغاية مهما كانت صالحة أخلاقيا، لا يُمكن أن تبرر الوسيلة غير الأخلاقية أو الانتهازية، لكنها ستظل "ميكافيلية" حتى لو منحناها  اسم "فهلوة" فى بلدنا!! 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة