إبراهيم عبدالمجيد
إبراهيم عبدالمجيد


مصر الجديدة

عن الشاعر الذي لم يكن يريد إلا الشعر

إبراهيم عبدالمجيد

السبت، 20 فبراير 2021 - 07:35 م

فجأة فى أسبوع واحد رحل عنا أربعة من أجمل الناس الذين عرفتهم فى الحياة الأدبية والسياسية. الأول كان مجدد القصة القصيرة الذى لا يُبارى محمد حافظ رجب، الذى اختار الهامش رغم أن قصصه ملأت الدنيا. استجاب للهدوء سنوات طويلة فى الإسكندرية بعد أن عاد من القاهرة التى خيبت آماله عام 1972. وبعده بيومين رحل الشاعر الكبير مريد البرغوثى الفلسطينى الذى كانت له مصر وطنا أبدع فيها دواوينه وكتبه، والذى كان مع رضوى عاشور الكاتبة العظيمة التى رحلت قبله، قصة حب نادرة التكرار بين الفنانين والأدباء، وبعد رحيلها لم يعد للحياة معنى لمريد فلحق بها بعد ست سنوات، اختفى فيها كثيرا عنا مع آلامه الخاصة بفقد حبيبته، وطنه الحقيقى الذى لا يمكن تعويضه.

 

والثالث كان البدرى فرغلى العامل المثقف المناضل الذى عرفته الحياة السياسية يساريا عنيدا فى السبعينيات ذاق مرارة السجن كثيرا ثم عضوا عظيما فى مجلس الشعب، وحين استبد به الكبر لم يتوانَ عن الكفاح من أجل أصحاب المعاشات. تحملت كل هذا الفراق مدركا أنه العمر فكل منهم تجاوز السبعين بسنوات ولم تكن حياته سهلة، إلا أنى وقفت أمام الرابع وقد استبد بى الألم حتى الآن. كان هو الشاعر فتحى عبد الله الأصغر سنا بحوالى خمس عشرة سنة. ليس لأنه الأصغر سنا، فما أكثر الموتى أطفالا أيضا، وليس لأنه اقترب منى أو اقتربت منه منذ دخوله الحياة الأدبية، لكن لأنى وقفت عند زهده رغم مواقفه الثقافية الرافضة لكل سيئ ورغم مقالاته الصادقة عن كل جميل، وكيف كان يمكن أن يكون له بين المثقفين وضع كبير فى تولى أى مهمة ثقافية. لا أنسى طبعا أنه كان يعمل معى فى السنوات الأخيرة من التسعينيات مديرا لتحرير سلسلة كتابات جديدة التى كنت أنا رئيسا لتحريرها حتى استقلت منها بعد أربع سنوات شاريا دماغى من مشاكل النشر، وكيف أنه بعدها لم يصبح فى أى موقع ثقافى بما يليق بثقافته وعلمه.

 

لا ألقى اللوم على أحد لأنى أعرف كيف كان زاهدا لا يريد إلا الكفاف من الطعام، ولا يفكر أن يشغل نفسه بصراعات المناصب. كان يختار الهامش دائما ولا يريد إلا الشعر. أربعة دواوين أعرفها. اختار من بين الشعر الطريق الصعب وهو قصيدة النثر التى تُهاجم دائما بالاستسهال إذ قفز إليها الكثيرون، لكنه كان يعرف كيف يبحث عن الصورة والمعانى العميقة للانسانية والحياة، وربما كان زهده وراء قلة انتاجه أيضا فقصيدة واحدة كانت تضيء له الوجود ويحلق بها فى الفضاء. لقد بلغ زهده غايته حين مرض منذ سنوات، ورغم استقراره مريضا فى بلدته رملة الإنجاب بالمنوفية، كان يأتى أحيانا إلى القاهرة فنراه أو أراه أنا صدفة، فلا يتحدث عن المرض ويبدو فى أحسن حال. لقد انفجرت المحبة لفتحى بعد وفاته على صفحات الميديا كما انفجرت من قبل لمحمد حافظ رجب ولمريد البرغوثى وللبدرى فرغلي. لكن انفجارها لفتحى عبد الله ولمحمد حافظ رجب بالذات أثار السؤال الذى طرحه الكاتب المغربى الكبير أحمد المدينى فى تعليقه على بوست لى عن رحيل محمد حافظ رجب يتساءل فيه: وماذا يفيد هذا كله الآن؟ سؤال سيظل معلقا فى الحياة الثقافية ولن ينتهي، ومهما كان زهد أصحابه ففى الحياة الثقافية أخطاء تصل إلى حد الخطايا، لكن سيظل المستغنون بكتابتهم عن مغريات الدنيا، محبو الهامش العظيم الذى منه تأتى العبقريات أكثر من غيره، فى المتن دائما مهما ضاقت الحياة.

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة